أوراسيا ريفيو | هل يتجه لبنان للانهيار التام؟

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

بات اللبنانيون يخشون من عودة أهوال الحرب الأهلية، التي دامت 15 عامًا، والتي ما زالت تعشش في ذاكرتهم منذ عام 1975.

وينقسم البلد إلى قضيتين رئيسيتين: فشل أصحاب السلطة في التعامل مع الوضع الاقتصادي الكارثي، والتحقيق في المسؤول عن الانفجار الهائل في ميناء بيروت في أغسطس 2020.

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية، هناك قلق حقيقي من انهيار كامل للبلاد. حيث فقدت العملة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها في العامين الماضيين، وما زالت قيمتها مستمرة في الانخفاض، بالإضافة إلى نقص حاد في الغذاء والضروريات الأساسية، فضلاً عن أن انقطاع التيار الكهربائي المطول أصبح هو القاعدة، حيث عاشت بيروت في الآونة الأخيرة بدون كهرباء لفترات امتدت لـ 24 ساعة.

إن لتعطل مولدات الكهرباء تداعيات أوسع من مجرد الإزعاج، فالخدمات الأساسية، مثل المستشفيات، في خطر. وإذا استمرت حالة الطوارئ، فإن صناعة السياحة الحيوية، التي تعاني بالفعل من تراجع حاد بسبب جائحة كورونا، بالكاد يمكن أن تستمر، وإذا انهار قطاع السياحة يمكن للنظام المالي بأكمله أن يهوى بنفس الطريقة. ولا يثق الجمهور في أن من هم في السلطة سيتخذون خطوات فعالة لتصحيح الوضع. كما أشارت صحيفة (واشنطن بوست) مؤخرًا: “مع تفشي الفساد، لم يعد المواطنون يصدقون وعود السياسيين لإصلاح النظام، فأعضاء مجلس الوزراء في الحكومة اللبنانية الجديدة ينتمون إلى نفس الطبقة السياسية التي كانت تثري نفسها بشكل غير قانوني، وستخسر إذا كانت هناك إصلاحات اقتصادية جادة”.

وفي الانفجار الذي هز المدينة في ميناء بيروت العام الماضي، انفجر 2750 طنًّا من نترات الأمونيوم، ما أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص. ويطالب ضحايا الانفجار بتقديم المسؤولين إلى العدالة، ولكن الرأي العام يدرك تمامًا أن القوى ذات النفوذ تمنع ظهور الحقيقة على الإطلاق. وهذه القوى التي تعمل على إحباط التحقيق هم أعضاء في حزب الله أو أشخاص مرتبطون بهذه المنظمة.

وفي 14 أكتوبر، اجتمع حزب الله وحليفه السياسي حركة أمل خارج قصر العدل في العاصمة اللبنانية بيروت، للمطالبة بإقالة القاضي “طارق بيطار”، الذي يبحث عن كيفية وأسباب الانفجار الضخم في ميناء المدينة. يزعمون أن القاضي متحيز ضد حزب الله وأنصاره. بعد فترة وجيزة من بدء المظاهرة، تردد صدى إطلاق النار في الشوارع. قُتل ما لا يقل عن ستة أشخاص وأصيب 32 آخرون في تبادل لإطلاق النار.

كانت المظاهرة محاولة لتكرار التكتيك الرابح، فالقاضي بيطار نفسه هو بديل لأول عضو في القضاء عين للتحقيق في الانفجار الهائل، والذي كان القاضي “فادي صوان”.

وفي 10 ديسمبر 2020، اتهم صوان رسميًّا رئيس الوزراء المؤقت آنذاك، “حسان دياب”، وثلاثة وزراء سابقين، بالإهمال فيما يتعلق بالانفجار، ولكن دياب، الذي دعمته كتلة حزب الله النيابية في محاولته لتولي منصب رئيس الوزراء، رفض المثول للاستجواب، وكذلك فعل اثنان من الوزراء السابقين الآخرين. وكانوا مدعومين من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، “محمد فهمي”، الذي وصفته صحيفة (ذا ناشيونال) ومقرها أبو ظبي، بأنهم “مؤيدون بشدة لحزب الله”. وأعلن فهمي علنًا أنه حتى لو أصدر القضاء أوامر بالقبض عليه فلن يطلب من قوات الأمن تنفيذ تلك الأوامر.

ولم يعلق الرئيس “ميشال عون”، وهو مسيحي ماروني ومؤيد قوي لحزب الله، في ذلك الوقت، ولكن في فبراير استُبعد صوان من التحقيق ليحل محله بيطار، الذي اعتبر غير سياسي. ولكن في 9 يوليو، استدعى القاضي بيطار اللواء “عباس إبراهيم”، رئيس جهاز الأمن العام القوي، للاستجواب ومرة أخرى رفض فهمي الطلب، والآن انقلب تجمع حزب الله في لبنان على بيطار.

ومن الواضح أن الحكومة– أو على الأقل الأعضاء المؤيدين لحزب الله– تتعمد إفشال التحقيق. ومع قيام قاضيين بتوجيه أصابع الاتهام إلى وزراء ومسؤولين معينين، يجب أن تثار الشكوك حول تورط شخصيات قيادية بارزة في الظروف التي أدت إلى الانفجار. وفي تقرير صدر في 3 أغسطس، أعلنت (هيومن رايتس ووتش) أنه: “تم تصميم بنية إدارة الميناء من أجل تقاسم السلطة بين النخب السياسية، لقد وصل غموض الصورة إلى الحد الأقصى، ما سمح للفساد وسوء الإدارة بالازدهار”.

وتواجه محاولات إفشال التحقيق الرسمي معارضة شعبية حقيقية، وكان تبادل إطلاق النار في 14 أكتوبر من أعراضها الواضحة.

وحتى الآن لم يتم تحديد هوية المتورطين في تبادل إطلاق النار، واتهم حزب الله وحليفه السياسي حركة أمل، خصومهما القدامى، حزب القوات اللبنانية المسيحية، بالوقوف وراء الهجوم. وندد “سمير جعجع” زعيم القوات اللبنانية بالعنف الذي ألقى باللوم فيه على انتشار الأسلحة النارية على نطاق واسع. ومع ذلك، عندما استدعته المخابرات العسكرية للإدلاء بشهادته بشأن الاشتباكات، ادعى محاموه أن الاستدعاء غير قانوني، وقام أنصار القوات اللبنانية بإغلاق الطرق المؤدية إلى مقر إقامته في بلدة معراب الشمالية. ولم يحضر جعجع الذي كان من المقرر أن يدلي بشهادته يوم 27 أكتوبر.

وهذا التحدي الصارخ للسلطات من الشخصيات القومية البارزة يشير إلى إضعاف الدولة إلى حد الانهيار.

ونظرًا لموقعها غير المستقر، وهيمنة حزب الله داخل مؤسسته، لا يمكن لأي دولة عربية أن تبدو أبعد من لبنان عن الانضمام إلى الاتفاق الإبراهيمي. ومع ذلك، فمن المفارقات أنه لا يمكن لأي دولة عربية أن تكون عضوًا أكثر ملاءمة من لبنان، الذي يعتبر، بموجب دستوره، دولة تعددية يتقاسم فيها المسيحيون السلطة مع المسلمين السنة والشيعة، وأنه يجب أن يتم تقاسم الأدوار القيادية في الدولة بين الجميع بموجب القانون. ومع هذا النهج الإبراهيمي القوي المضمّن بالفعل في الدستور، قد يبدو من المنطقي أن يقوم لبنان بتطبيع العلاقات مع الدولة الإبراهيمية الثالثة القائمة على الدين في المنطقة، والتي هي جارتها الجنوبية إسرائيل.

لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة. فالجماعات الحاكمة، التي يهيمن عليها حزب الله وحلفاؤه، غارقة في الفساد والرشاوى والمصالح الذاتية. وقد حذرت (عرب نيوز) مؤخرًا من أن عدم رغبتهم في تقديم مصالح لبنان على مصالحهم قد يؤدي إلى تدمير البلاد. وكَتَبَت أنه بسبب دستور لبنان: “لا يمكن لأي حزب أن يأمل في الوصول إلى السلطة ما لم يكن على استعداد لتقاسم السلطة… وللأسف، لا يمتلك أي من هذه الفصائل المتحاربة الحكمة والبصيرة لفهم أنه إذا استمروا في مسارهم الحالي، فإن الدولة التي يسعون إلى احتكارها لن تكون أكثر من كومة من الرماد المتطاير”.

وإذا أراد اللبنانيون تفادي كارثة، فعليهم أن يجدوا طريقة للتخلص من القيود التي تقيد لبنان بالوكالة عن قوة أجنبية [التخلص من حزب الله]. والسؤال الجوهري هو: هل يستطيع لبنان أن يتخلص من الهيمنة القمعية لحزب الله ويحقق مستقبلًا ديمقراطيًّا خاليًا من الفساد دون الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة؟

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا