أوروبا مصدومة من أسواق الرقيق في ليبيا

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقطع الفيديو الذي أذاعته سي إن إن الشهر الماضي والذي يُظهر مزادًا للرقيق في ليبيا بإنه “مخزي, وغير مقبول, وجريمة ضد الإنسانية.” أعرب القادة الأوروبيون والأفارقة عن نفس المشاعر في قمة في بوركينا فاسو في شهر نوفمبر, مطالبين بإنهاء المزادات. استأجرت نيجيريا والسنغال طائرات لإنقاذ مواطنيهم من ليبيا. شجب الأمناء العامون للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي الوضع ووضعوا إلتزامات مبهمة بالعمل لإنهاء ذلك الوضع.

في النهاية, بيد أن هناك إدراك لمحنة المهاجرين الأفارقة المحاصرين في ليبيا. لكن الاندهاش المصطنع للقادة الأوروبيين والأفارقة كان, وما زال, مخادع. وصل تقرير السي إن إن إلى العامة بطريقة لم تفعلها التقارير الفاضحة السابقة لتجارة الرقيق في ليبيا – وهذه الموجة الجديدة من الاهتمام مرحب بها – لكن بالنسبة إلى قادة العالم, وإلى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة, من المفترض أن تكون هذه أخبار قديمة.

في 2010, كان المشرعون الإيطاليون على علم بأن القائد الليبي حينها, معمر القذافي, كان يحتجز المهاجرين واللاجئين الأفارقة في “معسكرات اعتقال” في الصحراء. لكن هذا لم يمنع إيطاليا والبلدان الأوروبية الأخرى من إغراق القذافي – الذي أدعى في إحدى المرات أن أوروبا ستتحول إلى “أفريقيا أخرى” نتيجة للهجرة غير المقيدة – بعشرات الملايين من الدولارات مقابل منع المهاجرين الأفارقة. وفي شهر أكتوبر, أورد بيتر تينتي لفورين بوليسي تقارير عن وجود استعباد, وضرب, وتعذيب في مراكز الاحتجاز الليبية التي يمولها الإتحاد الأوروبي وتدعمها منظمة الهجرة الدولية. (كتبت صحيفة  الجارديان ونيويوركر, من ضمن آخرين, عن الظروف المزرية التي يواجهها المهاجرون في منشآت الاحتجاز هناك.)

مع هذا لم تحرك الحكومات الأوروبية ساكنًا فيما يخص محنة المهاجرين الأفارقة خلال الأزمة الحديثة التي ضربت منطقة المتوسط. حذرت المنظمات الإنسانية المتواجدة على الخطوط الأمامية للأزمة مرارًا وتكرارًا من أن سياسات الإتحاد الأوروبي – وخاصة القيود المفروضة على الطرق الآمنة والقانونية للهجرة – تساهم بصورة مباشرة في تدهور الأوضاع بالنسبة للمهاجرين واللاجئين في ليبيا. أعربت منظمة الهجرة الدولية – التابعة للأمم المتحدة – عن القلق من ظهور أسواق رقيق منتظمة في شهر أبريل.

وفقًا لمنظمة أطباء بلا حدود الخيرية, فإن الدعم المالي الذي تمنحه أوروبا لمراكز الاحتجاز الليبية يجعلها مربحة. وبالمثل, يوضح تقرير تينتي أن المعونات الأوروبية – أو توقعها – خلقت حوافز مالية للميليشيات لكي يحتجزوا المهاجرينويبيعوهم كعبيد.ومع هذا في شهر أغسطس, وصف ماكرون جهود إيطاليا للشراكة مع الميليشيات الليبية بأنها “مثالًا مثاليًا على ما نهدف إليه.”

بعبارة أخرى, القادة الأوروبيون الذين يمثلون الصدمة اليوم كانوا يعلمون عن الانتهاكات في ليبيا منذ أعوام. لكن بدلًا من القيام بشيء لمنعها, كانوا راضين عن الترنح من حالة طارئة إلى أخرى, مركزين بشكل رئيسي على إدارة الرأي العام.

لكن ليست الحكومات الأوروبية فقط هي من تقرن العبارات المبتذلة بالسياسات التي تجعل المشكلة أسوأ. الحكومات الأفريقية أيضًا متواطئة في تجارة الرقيق المعاصرة في ليبيا. إنها لم تكن على علم بالظروف هناك وحسب – كانت تقارير المنظمات الإنسانية متاحة للجميع – بل إنها خلقت الظروف التي أشعلت الهجرة في المقام الأول. يميز القانون الدولي بين اللاجئين – الذين يبحثون عن الحماية الدولية – والمهاجرين الذين يبحثون عن الفرص الاجتماعية والاقتصادية. كلاهما أعراض للسياسات الفاشلة. في نيجيريا, على سبيل المثال, بالإضافة إلى آلاف الأشخاص الذين يهربون من عنف بوكو حرام في شمال البلاد, هناك الآلاف غيرهم يهربون من نقص الفرص الاقتصادية في الجنوب.

لا يهم عدد الطائرات التي يتم استئجارها الآن لإنقاذ الأفراد العالقين في ليبيا إذا لم يكن هناك جهدًا لتغيير الظروف التي دفعت الناس لسلوك طريق المتوسط الخطير. في شهر أبريل, تحدثت إلى مراهقين من غامبيا والسنغال في إيطاليا والذين نجوا من الظروف في ليبيا. كان الكثير منهم لا يزالون في حالة صدمة شديدة للتحدث بحرية عن تجربتهم في معسكرات الاعتقال, لكن جميعهم أكدوا لي إنه لو كانت الظروف في بلادهم الأصلية تحمل أملًا للشباب, فإنهم سيعودون.

لماذا ظل قادة العالم صامتين لفترة طويلة بعد أن وُثقت الجرائم التي تحدث في ليبيا بوضوح؟ جزء من الإجابة على السؤال هو أن القادة الذين تحدثوا لصالح حراك إنساني أكثر حرية يخاطرون برد فعل سياسي كبير. مع صعود اليمين المتطرف في أوروبا, حتى القادة الوسطيين اسميًا مثل ماكرون تبنوا سياسات الإتحاد الأوروبي الحالية الكارهة للأجانب لكي يحصدوا الأصوات. تبرز أنجيلا ميركل في ألمانيا كقائدة أوروبية استثنائية برأس مال سياسي كافي للمخاطرة بإتخاذ موقف.

لكن جزء من الإجابة يتعلق بمن هم الضحايا. إن استمرار تجارة الرقيق في ليبيا – والصمت المحيط بها – هو عرض للعنصرية العالمية المتصاعدة ضد أصحاب البشرة السوداء. إن الخوف من هجرة “الآخر” كان الوحش الذي يهدد السياسة الأوروبية. كان القذافي ماهرًا بصورة خاصة في التلاعب بذلك الخوف, مستخدمًا الأجساد السوداء كأوراق مساومة من أجل علاقات أفضل مع أوروبا. لكن الصفقات التي هدفت لإبقاء المهاجرين أصحاب البشرة السوداء والسمراء بعيدًا انتشرت منذ الإطاحة بالقذافي. برغم فشلها الإنساني الذريع في ليبيا, تكررت هذه الصفقات في أماكن مثل السودان وإريتريا. وكذلك أيضًا صفقات مشابهة والتي تكافئ الحكومات الاستبدادية على استرجاع اللاجئين غير المرغوب بهم, مثل الصفقة السرية التي عقدتها إسرائيل مع رواندا وأوغندا لإعادة توطين طالبي اللجوء السودانيين والروانديين (الكثير من هؤلاء الأشخاص انتهى بهم الحال منبوذين في دول ثالثة, مثل ليبيا).

لا ينبغي أخذ أي من هذا كإدانة للمواطنين العاديين الذين أشعلوا الغضب بسبب تقرير سي إن إن. لكن تمثيل قادة العالم العلني للقلق مزيف. إن أسواق الرقيق في ليبيا هي ذروة لأزمة حيث كان قادة العالم يتوددون إلى سياسات الهجرة لفترة من الوقت الآن – السياسات التي تمثل اعترافًا خفيًا بوجود بطاقة سعر على البشر غير المرغوب بهم.

المصدر – فورين بوليسي

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا