إيران لم تخرج من “الاتفاق النووي” .. النظام يراهن على رحيل “ترامب”!

يوسف بنده

رؤية – بنده يوسف

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو/أيار انسحاب واشنطن من اتفاق النووي مع إيران المبرم في 2015 والذي وافقت بموجبه إيران على خفض أنشطتها النووية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية عنها.

وكانت الشركات الأوروبية العاملة في إيران قررت في الأشهر الماضية تعليق أو إلغاء صفقات ومشاريع بعد إعادة فرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران.

وبدأ تطبيق المرحلة الأولى من العقوبات في الشهر الماضي، وستكون المرحلة الثانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وستشمل قطاع الطاقة الإيراني.

وبينما لا تسارع أوروبا في خطوات إنقاذ الاتفاق النووي، لا نجد إيران تخرج من الاتفاق النووي، كما هددت من قبل، وما زالت تراهن على وقوف أوروبا إلى جانبها. وهو ما يفسر أن طهران ما زالت تراهن الوقت في تغيير سياسة أمريكا تجاهها إذا ما رحل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

كذلك، ما زال الشارع السياسي في إيران يتجادل حول إمكانية اجتماع الرئيس الإيراني مع نظيره الأمريكي على هامش الجمعية العمومية؛ لتهدئة حالة التصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يستعد الرئيس حسن روحاني، إلى زيارة مرتقبة للولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لكن من الواضح، أن إيران ما زالت تراهن على تحمل العقوبات، وألا تكون المحادثات مع واشنطن إلا في إطار المصالح الإيرانية، وليس بصورة سريعة نتيجة الاستسلام للضغوط الأمريكية. فالأمر في إيران ليس متعلق بالرئيس الإيراني فحسب؛ بل متعلق بمؤسسات عليا في النظام وأجنحة عسكرية وسياسية مازالت ترفض الاستسلام للضغوط الأمريكية.

دبلوماسية موازية

أثار وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري غضب الرئيس دونالد ترامب، ومعسكر المحافظين حين أقر هذا الأسبوع بأن لقاءاته استمرت مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بعد تولي ترامب الرئاسة.

وبحسب وكالة “فرانس برس”، كتب الرئيس الأمريكي على “تويتر”، اليوم الجمعة إن “جون كيري أجرى لقاءات غير قانونية مع النظام الإيراني المعادي، هذا لن يؤدي سوى إلى تقويض عملنا الجيد على حساب الشعب الأمريكي”، مضيفا “لقد طلب منهم (كيري) الانتظار حتى نهاية إدارة ترامب، هذا سيء”، ملمحا إلى أن هذه الاجتماعات عقدت من دون معرفة الدبلوماسية الأمريكية.

في إطار حملته للترويج لمذكراته، أقر كيري الذي كان وزيرا للخارجية إبان ولاية الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، وتولى التفاوض في شأن الاتفاق النووي مع إيران الذي وقع عام 2015 وصولا إلى إقامة علاقة شخصية مع نظيره الإيراني، بأنه التقى جواد ظريف “ثلاث أو أربع مرات” منذ مغادرته الحكومة وتولي ترامب الرئاسة.

وسئل كيري الأربعاء من المقدم الإذاعي المحافظ هيو هيويت عن نصيحة يمكن أن يقدمها إلى جواد ظريف لمواجهة قرار إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، فأجاب “كلا، هذا ليس شأني”.

وقال “حاولت فقط أن أفهم ما يمكن أن تكون إيران مستعدة للقيام به، لتحسين الوضع في الشرق الأوسط”.

وأكد أنه قال للوزير الإيراني “عليكم الإقرار بأن العالم مستاء مما يحصل مع صواريخكم، مع حزب الله، مع اليمن”، في ما يتقاطع مع موقف الإدارة الأمريكية التي تهاجم السلوك الإيراني “العدواني” في المنطقة.

ردود أفعال

وسرعان ما اعتبر المعلقون المحافظون، أن ما قام به كيري هو بمثابة “خيانة”، حتى إن بعضهم رأى أنه يستحق “السجن”.

وخلال جلسة استماع برلمانية، الخميس، سئلت مساعدة وزير الخارجية مانيشا سينغ عن هذا الأمر فاعتبرت أنه “من المحزن أن يحاول أشخاص من الإدارة السابقة تقويض التقدم الذي نحاول إحرازه”.

وأضافت “إذا تأكد حصول هذه اللقاءات، فإنها غير ملائمة”.

من جهتها، سخرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت من كيري، الذي يجول على وسائل الإعلام “للتباهي بأنه عقد اجتماعات مع الحكومة الإيرانية”.

وأضافت أمام الصحافيين، “اطلعت أيضا على معلومات مفادها أنه يقدم نصائح إلى الحكومة الإيرانية. إن أفضل نصيحة يمكن أن يسديها لها هي وقف دعم المجموعات الإرهابية في أنحاء العالم”.

وقالت هيذر، إن بلادها لم تعد تنظر إلى إيران من منظور ضيق لخطة العمل الشاملة المشتركة أو الصفقة النووية، لافتة إلى أن النظرة الآن تشمل مجمل أعمال إيران السيئة في مختلف أنحاء العالم والرامية إلى إثارة الرعب والتسبب في الكثير من البؤس حول العالم، بما في ذلك في بلادهم.

ومن دون أن يُعلّق على شرعيّة تلك اللقاءات، قال وزير الخارجية الأميركي الحالي مايك بومبيو الجمعة، “ما فعله الوزير كيري غير مناسب. هذا حرفيًا (أمر) غير مسبوق”.

وأضاف بومبيو خلال مؤتمر صحافي “نتحدّث عن وزير خارجيّة سابق يُجري محادثات مع الدولة الرئيسيّة الداعمة للإرهاب في العالم، ووفقاً له… كان يقول لهم أن ينتظروا حتى نهاية هذه الإدارة”.

من جهته ردّ متحدّث باسم كيري قائلاً “ليس هناك شيء غير عادي” في أن “يلتقي دبلوماسيّون سابقون مع نظرائهم الأجانب”. وأضاف في بيان “ما هو غير لائق وغير مسبوق، هو أن يُستخدم مؤتمر صحافي لوزارة الخارجية في مسرحية سياسية كهذه”.

وبحسب المتحدث فإنّ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق أجرى “محادثة هاتفية مطوّلة في وقت سابق هذا العام مع الوزير بومبيو فصّل خلالها بشكل مطوّل ما عَلِم به حول الموقف الإيراني”. وشدّد المتحدث باسم كيري على أنه “لم يتم إخفاء شيء عن هذه الإدارة” الأميركية.

ظريف يحذر

وقد حذّر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من أن منع واشنطن طهران تصدير نفطها، سيخلق ظروفا مختلفة “تتجاوز التهديد بإغلاق مضيق هرمز”.

وفي حديث لمجلة “شبيجل” الألمانية اليوم السبت، اعتبر ظريف أن “أمريكا لن تتمكن من منع إيران من تصدير النفط”، وأضاف أنه في حال تمكنت من ذلك، “فإننا سنكون أمام ظروف مختلفة تتجاوز التهديد بإغلاق مضيق هرمز”.

ونفى ظريف وجود أي نية لدى طهران للتفاوض مع واشنطن في الوقت الراهن، مشيرا إلى أنه لا يمكن التفكير في ذلك قبل أن تعود الإدارة الأمريكية إلى الاتفاق النووي.

واعتبر ظريف أنه على أوروبا أن تحبط العقوبات الأمريكية على طهران، ودعا بروكسل لمعاقبة الشركات الأوروبية التي انسحبت من إيران بسبب هذه العقوبات.

ونبّه الأوروبيين لتحمل أي تبعات أو ردود من إيران في حال لم يتمكنوا من التصدي للعقوبات الأمريكية على طهران.

وأكد ظريف التزام بلاده بالاتفاق النووي طالما يتوافق ذلك مع مصالحها، وأشار إلى أن رفع طهران مستوى تخصيب اليورانيوم، يندرج بين خياراتها المطروحة.

تحرك أوروبي

قالت متحدثة باسم وزارة الاقتصاد الألمانية إن ألمانيا وباقي دول الاتحاد الأوروبي يبحثون تأسيس نظام مدفوعات مع إيران يسمح باستمرار التعاملات التجارية معها رغم العقوبات الأمريكية عليها.

ووفقا لوسائل إعلام أوروبية فإن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تبحث في تأسيس “منشأة ذات غرض خاص” تشبه المقاصة بهدف إخراج إيران من التعقيدات المالية وفي الوقت نفسه تسمح لها بالتجارة.

وعلى سبيل المثال، يمكن لإيران أن تشحن النفط إلى شركة إسبانية، وجمع أموال يمكن استخدامها للدفع لشركة تصنيع آلات ألمانية دون أن تستقر الأموال بأيدي الإيرانيين.

وصرح متحدثون ألمان أن هذا المشروع هو أحد الخيارات العديدة التي تناقشها هذه الدول مع المفوضية الأوروبية لاستحداث “قنوات دفع مستقلة” لطهران.

كما ذكرت المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية مايا كوسيانسيتش أن دول الاتحاد ترغب في “التأكد من التقليل إلى أدنى حد من تأثير العقوبات على الشركات التي ترغب في القيام بأعمال قانونية مع إيران”.

إعفاءات

وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، أمس الجمعة، أن الولايات المتحدة لا تزال تدرس إمكانية إصدار إعفاءات من العقوبات على إيران وعلى أى بلد أو شركة تواصل التعامل معها بعد 4 نوفمبر، لكنه بقى فى الوقت نفسه على موقف إدارة الرئيس دونالد ترامب الحازم حيال طهران.

وقال “لا يزال هناك عدد من القرارات العالقة التى يتحتم علينا اتخاذها قبل مهلة 4 نوفمبر بشأن إعفاءات، إعفاءات محتملة”.

وبعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران، فكان على البلدان والشركات التس استثمرت في إيران، ما بين استثماراتها فى إيران ووصولها إلى السوق الأمريكية، وقد أمهلتها واشنطن حتى الرابع من نوفمبر للانسحاب من السوق الإيرانية، قبل دخول آخر العقوبات المتعلقة بالتحويلات المالية والنفط حيز التنفيذ.

ويبدو أن هناك دول كثيرة حليفة لواشنطن تقلق من تأثير العقوبات الإيرانية على أوضاعها الإقتصادية.

إيران تنتظر

وترى تحليلات، أن إستراتيجية النظام الإيراني الآن هي انتظار رحيل ترامب. إذ يأمل الإيرانيون أن يخسر ترامب الرئاسة في انتخابات العام 2020. والعنصر المهم بالنسبة للإيرانيين في هذه الأثناء هو إبقاء الاتفاق النووي على حاله، حتى لو فقد من قيمته الاقتصادية، بسبب العقوبات الأمريكية الجديدة والضغوط التي تمارسها إدارة ترامب على شركات أوروبية من أجل التوقف عن المتاجرة مع إيران.

وبحسب هذه التحليلات، فإن إيران تنظر إلى الاتفاق النووي حاليا، ورغم انسحاب الولايات المتحدة والأضرار الاقتصادية المترتبة عن هذه الخطوة، أنه بمثابة “بوليصة تأمين” لها، ضد محاولات ترامب لبلورة تحالف دولي لفرض عقوبات أشد، ويمنع الولايات المتحدة وإسرائيل من شن هجوم عسكري ضد إيران بغطاء دولي.

إلى جانب ذلك، فإنه طالما أن الاتفاق النووي صامد وإيران تنفذ التزاماتها فيه، فإنه لن يكون بمقدور ترامب تجنيد دعم أميركي داخلي لهجوم عسكري.

ونقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن الخبير الأميركي “مارك دوبوويتس”، إن “مسؤولين سابقين في إدارة أوباما هم الذين ينقلون هذه الرسائل إلى الإيرانيين منذ عام.  ويقولن لهم: اجلسوا بهدوء، ترامب سيكون رئيسا لولاية واحدة، ولذلك فإن كل ما ينبغي أن تفعلوه هو الصمود في السنتين ونصف السنة القريبة، وبعدها سيأتي رئيس جديد ويعيد الاتفاق إلى مكانه. والرسالة التي يسمعها الإيرانيون من هؤلاء المسؤولين هي: لا تتحدوا ترامب، ولا توفروا له ذريعة للتسبب بانهياركم أو التوجه إلى عملية عسكرية”.

وأضاف دوبوويتس أن “الإيرانيين يتصرفون هكذا بالضبط، لكني أعتقد أنه سيكون من الصعب عليهم التمسك بهذه السياسة لفترة طويلة مقبلة. فالعقوبات التي عادت إلى مكانها الآن هي العقوبات الأسهل، نسبيا. وستصل الضربة الحقيقية في بداية تشرين الثاني/نوفمبر القريب، لدى فرض عقوبات في مجال الطاقة. وتخطط الإدارة لجولة عقوبات أخرى في بداية العام 2019. من السهل القول: سنجلس سنتين وننتظر. يصعب فعل ذلك فعليا عندما ينهار الاقتصاد ويغضب الناس في الشوارع”.

واعتبر دوبوويتس أنه في حال استؤنفت المفاوضات حول الاتفاق النووي، فعلى ترامب الإصرار على لقاء المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، وليس مع روحاني. “خامنئي هو الزعيم الحقيقي لإيرانن وليس روحاني. وأي مفاوضات مع روحاني ستكون وسيلة لتمضية الوقت، يستغلها الإيرانيون من أجل تحقيق أرباح اقتصادية من دون التنازل فعليا عن أي شيء. وسيتعين على الولايات المتحدة أن تضع شرطا آخر لاستئناف الاتصالات، وهو انضمام أوروبا رسميا إلى العقوبات على البنوك الإيرانية”.

ربما يعجبك أيضا