استراتيجية مكافحة الإرهاب الفرنسية.. ترسانة قانونية وتعزيز التعاون بين الوكالات

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد 

ما زال حجم تهديد الجماعات المتطرفة “الإسلاموية” في فرنسا مرتفعا رغم أنه انخفض كثيرا مقارنة بعام 2015،  فما زالت الاستخبارات والشرطة الفرنسية تعيش حالة التأهب وتشعر بالقلق من خطر الإرهاب المحلي المستوحى من داعش أو المرتبط به.


المخابرات الفرنسية الخارجية والداخلية هي الوكالة العامة للأمن الخارجي الفرنسية DGSE على غرار وكالة الاستخبارات المركزية وتعمل إلى جنب وكالة الـ DGSI “المديرية العامة للأمن الداخلي” ووظيفتها الاساسية جمع المعلومات الاستخباراتية وتقديمها إلى دوائر صنع القرار.

حلت الوكالة محل دائرة التوثيق الوطنية الخارجية التي تم تشكيلها في عام 1982، ويعمل في داخلها بضعة آلاف فقط. 

ودعت التوصيات إلى دمج ثلاث قوات للنخبة موجودة في الشرطة الوطنية والدرك وشرطة المحافظات، هذا كما أن أجهزة الاستخبارات الفرنسية موزعة حاليا في ستة كيانات وضعت تحت إشراف وزارة الداخلية أو الدفاع أو الاقتصاد، بمشاركة شرطيين متخصصين وعسكريين ورجال جمارك. 

هنالك أصوات داخل الحكومة والجمعية الوطنية الفرنسية تطالب بإيجاد حل لمشكلة الاستخبارات الفرنسية، وذلك بإيجاد مجمع استخباراتي واحد تقع مسؤوليته تحت إشراف الداخلية أكثر من رئيس الحكومة على غرار مجمع الاستخبارات الأمريكية. 

وأصدرت الحكومة الفرنسية في 15 يوليو 2019، استراتيجيتها الجديدة للاستخبارات الوطنية الفرنسية 2019-2024، وكانت مكافحة الإرهاب على رأس أولويات الحكومة وتوزعت الاستراتيجية التهديد الإرهابي المحلي المستمر إلى  ثلاث فئات وهي: 
ـ  التهديدات “المتوقعة” (من الخارج إلى فرنسا) ، والتهديدات “المستوحاة” من المنظمات الإرهابية، والجماعات التي قد تكون عرضة لـ “التطرف الإسلامي”. 

ـ عملية الحارس، واصلت القوات المسلحة الفرنسية وهي عملية نشر محلية لما يصل إلى 7000 جندي لتعزيز الأمن في المواقع الحساسة والأحداث الكبيرة في جميع أنحاء البلاد. وحافظت فرنسا على ضوابط حدودية استثنائية ، مطبقة منذ نوفمبر 2015 ، مع جيرانها من شنغن. 

ـ تفعيل وحدة مشتركة لمعلومات الركاب، المسافرين (PIU) تعمل بكامل طاقتها لفحص بيانات الركاب الوافدين والمغادرين مقابل قواعد البيانات الإدارية والشرطة الأخرى. وفقًا لقوانين الخصوصية الفرنسية، لا يمكن الوصول إلى البيانات إلا من قبل المعنيين  للاستعلام عن بيانات، يجب على خدمات الشرطة أو الاستخبارات تقديم الطلبات، والتي تمت الموافقة عليها على أساس كل حالة على حدة. 

وتمتلك وكالة  الاستخبارات الفرنسية بصمات أصابع وأنظمة القياسات الحيوية الخاصة بها، والتي لا تتوافق دائمًا مع بعضها البعض، مما قد يعوق الجهود المبذولة لتحديد المقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين إلى فرنسا أو أوروبا. 

مكتب المدعي العام الوطني الجديد لمكافحة الإرهاب 

إنشاء مكتب المدعي العام الوطني الجديد لمكافحة الإرهاب خلال شهر مارس 2019 (PNAT) كجزء من الإصلاحات القضائية.  بدأ العمل بالبرنامج الوطني لمكافحة الإرهاب في يوليو 2019 وهو مسؤول عن التحقيق القضائي والملاحقة القضائية لجميع القضايا المتعلقة بالإرهاب.

مع فريق من 27 من المدعين العامين، عمل PNAT مع الولايات المتحدة لدمج المعلومات الاستخبارية في ساحة المعركة التي جمعتها الولايات المتحدة لمحاكمة الإرهابيين. وفي سياق تعزيز التعاون الأمني ما بين الوكالات الفرنسية أنشأت الحكومة مكتب تنسيق مشترك بين الوكالات في 18 فبراير 2019 ويضم ثلاثة عشر وكالة مخابرات وإنفاذ القانون من اجل تعزيز تبادل المعلومات الداخلية لمكافحة الإرهاب.  

ويغطي المكتب متابعة بعض قضايا الإرهاب في النظام القضائي وكما يلي: 
مكافحة تمويل الإرهاب.
 
تعمل وحدة الاستخبارات المالية التابعة لها بمعالجات استخبارية والعمل ضد الشبكات المالية غير المشروعة يذكر أن فرنسا هي عضو في مجموعة العمل المالي الدولي. 

جهاز Tracfin : هو جهاز استخبارات خاضع لسلطة وزارة العمل والحسابات العامة ويساهم في تنمية الاقتصاد من خلال مكافحة الدوائر المالية السرية وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب. االجهاز مسؤول عن جمع وتحليل وإثراء تقارير المعاملات المشبوهة التي يطلب القانون من المهنيين الخاضعين للالتزام إبلاغها بها.

Tracfin غير مصرح له بتلقي ومعالجة المعلومات المرسلة من قبل الأفراد، وفق بيانات الموقع الرسمي للحكومة الفرنسية ـ وزارة الاقتصاد.  

ونشرت فرنسا مبادئ توجيهية جديدة حول نهج المخاطر، ومتطلبات العناية الواجبة للعملاء والمستفيدين منهم، في نوفمبر 2019، والالتزام بإبلاغ جهاز Tracfin وادرجت فرنسا مكافحة تمويل الإرهاب ضمن الأولويات الثلاث لمكافحة الإرهاب خلال فترة رئاستها لمجموعة الدول السبع. 

وبجهود فرنسية تبنى مجلس الأمن قرارًا بشأن الإرهاب في 28 مارس 2019  وزيادة استخدام وفعالية أدوات تجميد الأصول في مكافحة الإرهاب.

وحث الدول على تقييم وتوقع مخاطر تمويل الإرهاب، وإنشاء وحدة استخبارات مالية، وتعزيز التعاون الدولي. ودعت فرنسا إلى زيادة مشاركة منظومة الأمم المتحدة في معالجة تمويل الإرهاب، بالإضافة إلى العمل الذي تقوم به مجموعة العمل المالي (FATF) التي يجب تعزيز دورها المركزي في تحديد المعايير الدولية في هذا المجال. 

وطالبت فرنسا أيضا  إعادة تأكيد التزامات الدول، بما في ذلك تجريم تمويل الإرهابيين والمنظمات الإرهابية والأفعال.

مكافحة التطرف العنيف 

واصلت الحكومة الفرنسية تنفيذ خطتها الوطنية التي وضعتها عام 2018 لمنع التطرف وقدمت الحكومة تقييمها لمدة عام لتنفيذ الخطة في مؤتمر صحفي عقد في 11 أبريل 2019، حددت الحكومة أربعة مجالات تتطلب تركيزًا إضافيًا لمكافحة التطرف الإرهابي والتجنيد: السجون، وبرامج منع الجنوح، وبرامج الوقاية من الفقر، والبرامج الحكومية لتعزيز تماسك المجتمع. 

وضمن جهود فرنسا في مكافحة الإرهاب، استضافت فرنسا في مايو 2019 “منتدى كرايستشريش”،  وشاركت في نداء كرايستشيرش للعمل في باريس. وكانت تهدف دعوة كرايستشيرش، التي تجمع العديد من البلدان وشركات التكنولوجيا، للقضاء على المحتوى الإرهابي عبر الإنترنت.

أصدرت فرنسا أيضًا “ميثاق إنترنت حر ومفتوح وآمن” للحكومات والشركات للمصادقة عليه في 23 سبتمبر 2019، شاركت فرنسا مع نيوزيلندا والأردن في رعاية “القيادة رفيعة المستوى” في الأمم المتحدة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. 

تقييم سياسات فرنسا في مكافحة الإرهاب

رغم وقوع عمليات إرهابية، محدودة في فرنسا، من نوع الذئاب المنفردة أو المستوحاة من تنظيم داعش، لكنها محدودة وانحصرت بعمليات الطعن بالسكين، فان الاستخبارات الفرنسية نجحت بسد الثغرات، من خلال “ترسانة قوانين” وتشريعات أصدرتها بشكل متتال بعد موجة إرهاب نوفمبر 2015 التي ضربت باريس وعواصم أوروبية. 

لقد نجحت فرنسا بسد الثغرات الخاص بالتعاون وتبادل المعلومات داخل مجمع الاستخبارات الفرنسية، بالرغم من أنها أبقت على الهيكلية الحالية، يذكر أن الهيكلية الحالية إلى وكالات الاستخبارات لم تتغير برغم الانتقادت الموجهة لها والأصوات التي طالبت بإيجاد مجمع استخباري على غرار مجمع الاستخبارات الأمريكي. الاستخبارات الفرنسية، شخصت الإرهاب في فرنسا، أنه إرهاب محلي، فهي تقوم بمراقبة العناصر الخطرة التي وصل عددها إلى أكثر من 3000 شخص، وكذلك هي أول من بادر إلى ربط السجل الجنائي بسجل الإرهاب، وهي نجحت إلى حد كبير بذلك. 

ربما فرنسا تأتي بالمرتبة الثالثة في مؤشر الإرهاب دوليا بعد بريطانيا وإيطاليا لعام عام 2019، وهذا يعود إلى سياسات فرنسا الداخلية، والتحاق أكثر من 2000 من مواطنيها للقتال بصفوف تنظيم داعش، ولا يمكن استبعاد السياسات الفرنسية الخارجية، أن تكون وراء تكرار العمليات الإرهابية.

فرنسا دولة رئيسية في التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش، ولديها قوة رئيسية “برخان” في دول الساحل الأفريقي، ولديها جهود متقدمة على دول أوروبا لحماية حدود الاتحاد الأوروبي شرق المتوسط ومواقع أخرى. 

بات متوقعا، ألا تشهد فرنسا عمليات إرهابية واسعة، مع استمرار حدوث عمليات، محدودة على غرار الذئاب المنفردة، وهي لا تمثل إخفاقًا أمنيًا في سجل الاستخبارات الفرنسية. 

ربما يعجبك أيضا