«اعتقدنا أننا سنعود».. اللاجئون السوريون يحلمون بالوطن

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

على مدى السنوات العشر الماضية فر ملايين السوريين من الحرب الأهلية في البلاد، وتعيش الغالبية العظمى من اللاجئين، آي أكثر من 3.5 مليون في تركيا، لكن أكثر من 850 ألفًا يعيشون في مستوطنات غير رسمية في لبنان.

بعد مرور عقد على اندلاع الحرب، لا تزال النساء اللاتي فررن إلى لبنان يكافحن من أجل بناء حياة وسط الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في بيروت، وأصبحت الحياة صعبة على هؤلاء اللاجئين، بسبب الانكماش الاقتصادي وارتفاع التضخم وتأثير كورونا مما يدفع بالكثيرين إلى حافة الهاوية.

وفقًا لتقرير تقييم للأمم المتحدة صدر في ديسمبر، يعيش 89٪ من اللاجئين السوريين في لبنان الآن في فقر مدقع، آي على أقل من 150 جنيهًا استرلينيًا شهريًا، ارتفاعًا من 55٪ في عام 2019، ووجد التقرير أن نصف اللاجئين يعانون الآن من انعدام الأمن الغذائي ويدين الكثيرون وهم يحاولون تغطية تكاليف الطعام والإيجار، بالإضافة إلى تضاعف أسعار المواد الغذائية ثلاث مرات تقريبًا في لبنان منذ أكتوبر 2019، بحسب فرانس برس”

بالنسبة للنساء، فإن الوضع خطير جدا، ومن المرجح أن تعاني الأسر التي تقودها النساء من انعدام الأمن الغذائي، ومن المرجح أن تُجبر النساء على اتخاذ تدابير متطرفة للتعامل مع الأزمة، مثل إخراج الأطفال من المدرسة أو إرسالهم إلى العمل.

6720 3

لم أر السعادة منذ أن غادرت”

“الشيء الوحيد الذي أخذته معي من سوريا كان صورة، قمنا بتكبيرها لوضعها داخل خيمتي، إنها ذكرى زوجي، لأشعر أنه معي دائمًا وأتذكره دائمًا”، هكذا بدأت فوزا 75 عاما، حديثها وهي الآن تعيش في إحدى المخيمات في لبنان بعد أنا غادرت سوريا.

تقول فوزا: “كنت أمتلك شقة كبيرة ومفروشة في سوريا، لكن كل ذلك لم يعد له أهمية، غادرت سوريا بهذه الصورة الصغيرة والملابس التي أرتديها، وهذا كل شيء، أغلقت منزلي وخرجت منه قائلة: “أرجوك يا الله لا تضيع كل الجهد الذي بذلناه، كل الأموال التي دفعناها، لنصل إلى حياة كريمة، لكن بعد ذلك شعرت أنه لم يعد مهمًا، كل ما يهم هو كرامتي وأولادي”.

تضيف: “عندما غادرت سوريا، لم تكن قريتي تتعرض للقصف بعد، لكن كان القصف يحيط بكل المناطق حولنا، أول من غادر كان أولادي، مات زوجي قبل الحرب، وعلى الرغم من أن القصف لم يبدأ، إلا أنني لم أشعر بالأمان، وبعد فترة وجيزة قررت أن أتبعهم إلى لبنان.

عندما قيل لي أن منزلي قد دمر خلال الحرب، رميت المفاتيح بعيدًا، وهذا كل شيء، لم أر السعادة منذ أن غادرت، ليس لدي أي ذكريات جيدة وسعيدة منذ ذلك الحين، ولم يعطونا بعد الضوء الأخضر للعودة، كانت لدينا أرض كنا نزرع فيها الطماطم والكوسة والخيار، أدعو الله فقط أن أموت هناك وأدفن هناك في وطني”.

6720 4

تحكي مريم 49عاما أنها في لبنان منذ ما يقرب من أربع سنوات، وهي أم لابنتان وابن واحد، قالت”أولادي لا يذهبون إلى المدرسة وهذا يحزنني لأنهم سيعانون من الأمية، وليس لدينا كهرباء في المنزل وعلينا شراء مياه الشرب،عندما كنا نعيش في سوريا، كانت لدينا حياة كريمة للغاية، وكنا سعداء للغاية، وكان لدينا استقرار”.

تضيف: “كان لدي منزل في سوريا، يمكنك القول أن لدي أفضل حياة ممكنة، كنا سعداء، كان هناك الكثير من الضحك، لم أكن بحاجة للعمل في الحقول للحصول على دخل، فقط زوجي كان يعمل، لذلك كانت الحياة أفضل هناك، في السنوات العشر القادمة آمل ألا نعيش هنا بعد الآن، وأن نتمكن من العودة إلى وطننا ويمكن لأولادي مواصلة تعليمهم. هذا ما أتمناه”.

6550

لا يمكننا العودة إلى سوريا

أما عبير (18عاما) والتي تعيش في لبنان منذ ثماني سنوات مع زوجها ووالديه، بالإضافة إلى 14 شخصًا، تقول: “أنا أعمل في البيوت البلاستيكية أزرع الفراولة كل يوم، أتمنى أن أعود إلى سوريا، لكن هناك حرب، هناك دمار، والحياة باهظة الثمن، هذا هو الحال أيضًا هنا في لبنان، أصبحت الحياة باهظة الثمن، نحن في نفس المركب مع اللبنانيين”.

تضيف: “كنت أحب الذهاب إلى المدرسة في سوريا، لأنني أحب التعليم وأطمح إلى أشياء أعلى، لكنني الآن متزوجة وسأرزق بطفل قريبًا، لذا فقد أبعدت عن ذهني أي خطة للعودة إلى المدرسة يومًا ما، آمل أن يذهب طفلي إلى المدرسة ويتلقى تعليمًا جيدًا، لكن إذا بقي الوضع على ما هو عليه اليوم فكيف سأخلق له حياة كريمة؟”.

6368

“غادرنا بسبب القصف والغارات الجوية على القرية التي كنا نعيش فيها، دُمر منزلنا وعبرنا إلى لبنان لأننا كنا نعيش بالقرب من الحدود”، بحسب نسرين، 27 والتي تعيش في لبنان منذ عام 2011، وهي أم لأربعة أطفال.

تقول نسرين: “عندما فررنا من سوريا ، اعتقدنا أن الأمر سيستغرق 10 أيام ثم سنعود، هربنا بملابسنا التي كنا نرتديها، والآن أعمل في الحقول مقابل 10000 ليرة لبنانية (4.70 جنيه استرليني) في اليوم، نحن نراكم الديون كل شهر ونحاول تسويتها في الشهر التالي”.

“عادة ما يذهب أطفالي إلى المدرسة، لكنهم في المنزل الآن بسبب جائحة كورونا، ويقضون يومهم إما باللعب في الخارج أو مساعدة والدهم في الحقول، وعليهم أن يتعلموا كيفية العمل في الحقول لأن لدينا أرضًا في سوريا”، بحسب “نسرين” .

وفي حديثها لصحيفة “الجارديان” البريطانية، تقول نسرين: “لا يمكننا العودة إلى سوريا، لا نريد أن يتم تجنيد زوجي في الجيش السوري، لكن بالطبع، يأمل الجميع أن نعود يومًا ما، حتى للعيش في خيمة صغيرة، ولكن على الأقل على أرضنا، في وطننا سنكون آمنين وقريبين من عائلاتنا”.

5569

لا مجال للعودة

أما نافلة جاءت إلى لبنان عام 2017، وهي أم لأربعة أطفال، تقول: “ولدت اثنان في سوريا واثنان في لبنان، كنت أعمل في التدريس في سوريا، لكن أطفالي، مثل كثيرين آخرين هنا، لا يذهبون إلى المدرسة.

 وتشير نافلة إلى أن  بعض الأطفال في المخيم يبلغون من العمر 15 أو 16 عامًا ولا يعرفون القراءة أو الكتابة، لكنهم تعلموا كيف يتعايشون مع الظروف الصعبة.

عندما كنت في سوريا، كنت أعيش في منزل العائلة مع زوجي، كان وضعنا المالي صعبًا بعض الشيء، ولهذا السبب بحثت عن وظيفة، بدأت التدريس عندما كان ابني الأكبر يبلغ من العمر 40 يومًا فقط.

في بداية الأزمة السورية، كان من الصعب علينا الذهاب إلى المدينة للحصول على أجورنا، عملت لمدة عام بدون أجر، وعلى الرغم من كونه موقفًا صعبًا، إلا أنه كان عامًا جيدًا، في رأيي، لأن الموظفين الذين كنت أعمل معهم ساعدوني، كانت هناك تلك الروح لمساعدة بعضنا البعض.

لسوء الحظ، جاء تنظيم “داعش” إلى قريتنا وكان أول شيء فعلوه هو حظر اختلاط الفتيان والفتيات داخل المدرسة،  لقد فرضوا علينا بشكل تدريجي قيودًا، لم أتخيل قط أن هذا سيحدث وأجبرونا على تغطية وجوهنا، ثم اضطررنا إلى ارتداء القفازات لإخفاء أيدينا.

تضيف: “لقد وضعوا قيوداً علينا في كل مكان، إذا رأوا امرأة أظهرت عينيها، يأخذون بطاقة هويتها ثم يحتجزون زوجها، إذا رأوا طفلاً يرتدي قميصًا عليه أي نوع من الشعار، فسوف يعاقبوننا بالسجن أو بغرامة، لقد فرضوا علينا الضرائب، وإذا كانت لدينا شجرة زيتون وأردنا استخراج الزيت منها، فإنهم يريدون جزءًا من أي ربح”.

في البداية، رفضت القدوم إلى لبنان كان زوجي يقول: “انظروا كيف تشردوا، والقتل والدمار في كل مكان”، كنت أقول: “لا ، يمكننا الانتقال من قرية إلى أخرى بهذه الطريقة، عندما لا يعودون هناك، يمكننا العودة إلى قريتنا”.

كانت أتعس لحظة عندما عبرت الحدود السورية، قلت لنفسي: “لا مجال للعودة. لن أعود إلى بلدي بعد الآن”.

يحلم زوجي بالعودة، ويقوم بتوفير بعض المال حتى نتمكن من العودة، لكن عندما يسمع في التلفاز كل يوم عن جرائم القتل والدمار، تنهار تلك الأحلام، نحن عالقون في حلقة مفرغة”.

6720 5
6586

ربما يعجبك أيضا