تعيش أمريكا اللاتينية على وقع استقطاب حاد بين اليمين واليسار، فإلى أين تتجه؟
شهدت البرازيل، يوم الأحد الماضي 8 يناير 2023، اقتحام أنصار اليمين المتطرف، الرافضين لنتائج الانتخابات الرئاسية، القصر الرئاسي والكونجرس والمحكمة العليا.
وأعاد هذا المشهد للأذهان اقتحام الكونجرس الأمريكي، في 6 يناير 2021، وترك الباب مفتوحًا أمام تكهنات بدور محتمل للرئيس البرازيلي السابق، جايير بولسونارو، في الأحداث، فمن هو بولسونارو؟ وهل تورط بالفعل في أعمال الشغب؟
لولا يتوعد المخربين
بعد أحداث اقتحام القصر الرئاسي في العاصمة برازيليا، اتهم الرئيس البرازيلي اليساري، لولا دا سيلفا، سلفه بولسونارو بالتسبب في هذه الأحداث، لكن الأخير نفى هذا الادعاء.
وتوعد الرئيس بمحاكمة كل من تورط في أعمال العنف، وأمرت المحكمة العُليا الشرطة بإلقاء القبض على أي متظاهر في الشارع، وبالفعل ألقت الحكومة القبض على مئات المتورطين، ونزل الجيش لتأمين شوارع العاصمة.
بين اليمين واليسار
يمكن القول إن القارة اللاتينية تتأرجح بين طرفي نقيض، اليمين واليسار، وتارةً يصعد الأول، ويتراجع الآخر وهكذا دواليك، ومنذ 20 عامًا شهدت أمريكا الجنوبية، صعودًا لليسار، في ما عُرف بـ”المد الوردي“. لكن هذه الموجة بدأت في الانحسار، منتصف العقد الثاني من الألفية الحالية.
وصعد اليمين في البرازيل والأرجنتين، وبدأت محاكمة لولا دا سيلفا في العام 2016، وجرى الإطاحة باليساري إيفو موراليس في بوليفيا عام 2020. وتولى بولسونارو الحكم في البرازيل بعد انتخابات 2018، وشهدت البارجواي في ذات العام صعودًا لليمين، واستمرت الموجة، مع تراجع “المد الوردي” مطلع العقد الحالي في الأورجواي 2020، والإكوادور 2021.
صعود بولسونارو
يأتي صعود اليمين لسدة الحكم في البرازيل، بقيادة بولسونارو المحسوب على اليمين الشعبوي، بعد 13 عامًا من حكم اليسار، الذي ترك الحكم آنذاك في أسوأ ركود تشهده البلاد، وبعد فضائح مالية، أثارت حفيظة الشارع البرازيلي.
وأثارت آراء الزعيم اليميني انقسامًا بين من يراه من “الفاشيين الجدد”، ومن يعدّه محاربًا “للشيوعية، ومجددًا للقيم الوطنية”، خصوصًا أن بولسونارو صاحب خلفية عسكرية، وانتخب للبرلمان في أكثر من جولة.
وحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، ارتفعت خلال فترة حكم جايير بولسونارو معدلات الجريمة والعنف والبطالة، ما أدى إلى خسارته أمام لولا دا سيلفا في انتخابات عام 2022.
مواقف مثيرة للجدل
افتتح الزعيم اليميني حكمه بخطاب شدد فيه على ضرورة “التوقف عن مغازلة الشيوعية”، ومتعهدًا بأن يتبع الكتاب المقدس والدستور، ولكنه كان معروفًا بخطابه المعادي للأقليات العرقية، وتحيزه ضد المرأة، ويُبدي إعجابًا بالديكتاتورية، التي حكمت البرازيل بين عامي بين 1964 و1985.
وإضافة إلى دعم الحكم الديكتاتوري في البرازيل، دافع بولسونارو عن تعذيب المعتقلين اليساريين، خلال هذه الفترة. وبعد توليه منصبه عام 2018، قال صراحةً “لنذهب مباشرة إلى الديكتاتورية”، حسب ما ذكر تقرير الصحيفة الأمريكية.
تشكيك في منظومة الانتخابات
دأب بولسونارو على التحذير من النخب داخل الدولة، والمؤسسات “التي تسعى للخلاص من حكمه”، مشيعًا نظريات المؤامرة بين أنصاره، في ما يشبه تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وفقًا لمفاضلة الصحيفة الأمريكية.
ولم يعترف الرئيس البرازيلي السابق، حتى اللحظة، بنتيجة الانتخابات، التي أزاحته عن الحكم، ولطالما زعم أن النظام الانتخابي يشوبه فساد، متهمًا “نخب البلاد بمحاولة إبعاده عن المنصب”.
وعلاوة على ذلك، عزف بولسونارو عن المشاركة في تنصيب لولا، مخالفًا الأعراف الرئاسية، التي تفرض أن يسلم الرئيس الوشاح الرئاسي إلى من يخلفه، وتوجه بولسونارو قبل تنصيب لولا إلى ولاية فلوريدا الأمريكية، وما زال هناك حتى الآن.
انقسام داخلي
منذ أكتوبر 2022، أي منذ إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، تعيش البرازيل على وقع استقطاب حاد، ويتجمهر الآلاف من أنصار اليمين أمام ثكنات الجيش، في جميع أنحاء البلاد، مطالبين بالانقلاب على نتيجة الاستحقاق، لكن حتى اللحظة لا تظهر أمارات تحرك عسكري في هذا الصدد.
ونتيجة هذا الاستقطاب، ترى مديرة تحرير مجلة شؤون لاتينية، نورهان أبوالفتوح، في حديثها مع شبكة رؤية الإخبارية، أن أعمال الشغب ليست مفاجئة، وكانت متوقعة بعد فوز اليسار، والتشكيك في نظام الانتخابات، ونتائجها، وترى الباحثة أن الأحداث في البرازيل جزء من سياق أكبر تعيشه القارة اللاتينية كلها، على وقع جملة من الأزمات السياسية المتتالية.
ثغرات هيكلية
تُرجع خبيرة شؤون أمريكا الجنوبية سبب هذه الأحداث، إلى أن المؤسسات تتخللها مشكلات هيكلية، تجعل من السهل استغلالها من معارضي النظام، ولا يقف الأمر، وفق نورهان أبوالفتوح، عند المشكلات الداخلية، بل إنّ المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية تشهد تنافسًا محمومًا بين القوى العالمية.
ولا تستبعد الخبيرة في شؤون أمريكا اللاتينية ضلوع بولسونارو في أعمال الشغب، وتدفع بأنه مناصري الزعيم اليميني، يرون بالفعل في دعمه للحراك عاملًا رئيسًا للاحتشاد بالشوارع.
تغيرات مستقبلية
ترجح نائب مدير مركز الحوار للدراسات السياسية أن هذه الأحداث المتلاحقة تشي بتغيرات مستقبلية بالقارة اللاتينية، خصوصًا أن العام الحالي 2023 يشهد انتخابات بعدة دول بالقارة، منها الأرجنتين، وباراجواي وجواتيمالا.
ومع ذلك ترى الباحثة أن صعود اليمين ليس حتميًّا، خاصةً أن عدة دول أعربت عن دعمها للديمقراطية بالبرازيل، وأن مآل الحرب الروسية الأوكرانية يعد عاملًا مهمًا في تحديد ما ستؤول إليه الأمور بأمريكا الجنوبية، وتحظى الحكومات اليسارية بالمنطقة بدعم الكرملين.
رابط مختصر : https://roayahnews.com/?p=1401146