البرلمان الألماني يناقش تمويل الإسلام السياسي في ألمانيا ومكافحة التطرف

جاسم محمد

في جلسة استماع عامة، عقدتها لجنة الشؤون الخارجية والداخلية، الاثنين الماضي 19 سبتمبر 2022، طالبت اللجنة والخبراء بالكشف عن مصادر تمويل الإسلام السياسي.


في جلسة استماع عامة، عقدتها لجنة الشؤون الخارجية والداخلية، الاثنين الماضي 19 سبتمبر 2022، طالبت اللجنة والخبراء بالكشف عن مصادر تمويل الإسلام السياسي.

وقد اتفقت المداخلات من الخبراء على ضرورة التفريق بين النشاط الإسلامي الديني المشروع والنشاط السياسي، وقد رأت اللجنة ضرورة تشجيع المجتمع المسلم في ألمانيا على الاستقلال المالي عن الخارج، والدخول في حوار مع الجهات الإسلامية المحلية والعمل على الانفتاح والشفافية في التمويل.

المقاربة التربوية والسياسية

رأى الدكتورعاصم الدفراوي عضو “مؤسسة كانديد” غير الحكومية، أن الإسلام السياسي ينطوي على مخاطر اجتماعية، لأنه قد يعرض التماسك الاجتماعي للخطر، لكنه أضاف أن المقترح البرلماني بشأن تقصي مصادر تمويل الإسلام السياسي يقصر عن معالجة القضايا المهمة المتعلقة بالإسلام والمسلمين، ودعا إلى تمويل المساجد من الصناديق الألمانية.

وهذا الأمر يقتضي وجود مؤسسة تمثل المسلمين الألمان الذين يرغبون في ذلك، ومعترف بها كهيئة عامة. أما نيسار جاردي من مركز “إيمباور بروجكت” فقد أوضح ضرورة عدم الاستهانة بأهمية خطاب الاستضعاف عند الجماعات الإسلامية السياسية بوصفه من عناصر استراتيجيات التجنيد عندها.

مراكز التوثيق العلمي

أشار الأستاذ في جامعة فيسفاليش فيلهلم في مونستر، مهند خورشيد، إلى غياب التحليلات العلمية والبحوث الموثوقة حول شبكات تمويل الإسلام السياسي في ألمانيا وأوروبا، فارتأى تأسيس مؤسسات بحثية ومجموعات خبراء لتعويض هذا النقص. وقال إن مقترحه هذا لا يقتصر على تطلبه تخصصات متعددة، بل يتطلب أيضًا التواصل الوثيق مع الهيئات الأمنية في الداخل والخارج ذات الصلة.

ومن جانبه، رأى المؤرخ هايكو هاينش، أن صانعي القرار السياسي يفتقرون إلى المعرفة بظاهرة الإسلام السياسي وممثليه المختلفين. واقترح إنشاء مركز توثيق علمي للإسلام السياسي على غرار ما فعلته النمسا، فمن شأنه أن يؤمن المعرفة الأساسية حول الأيديولوجيا والجهات الفاعلة، لكبح الإسلام السياسي وتمكين الإسلام السمح.

 التبرعات المالية من الخارج

قالت المسؤولة في مجموعة العمل الفيدرالية المعنية بالتطرف القائم على الدين، جامونا أويلمان، إن التركيز على الإسلاموية الشرعية لا ينبغي أن يسفر عن التشكيك في المشاركة السياسية للجهات المسلمة، وأضافت أنه من نافل القول أن النفوذ التمويلي من الدول الإسلامية الكبرى في الشرق الأوسط سيتوقف مع ممارسة مزيد من التدقيق والبحث في السجلات.

وتناول الأستاذ في جامعة فريدريش ألكسندر، ماتياس روه، جانبين رئيسين تمثلا في ضرورة الحفاظ على سيادة القانون والدفاع عنها بكفاءة، وهذا يتطلب اليقظة، مع تجنب إحداث أضرار جانبية، من شأنها تعريض سيادة القانون للخطر. وفي رأيه، من الواضح أن تطبيق القانون غير دقيق ويتجاوز إلى حد بعيد وصف الجهات الفاعلة المشتبه بها.

الفجوات المعرفية والتحديات

أشار المسؤول في منظمة “كاونتر تيروريزم بروجكت”، هانز جاكوب شندلر، إلى وجود فجوة واضحة في معرفة السلطات الأمنية عند التحقيق في أنشطة تمويل المنظمات المتطرفة في ألمانيا، وهذا يؤدي حتمًا إلى تحديات في مكافحة مثل هذه التدفقات المالية، ولا يقتصر هذا على الإسلام السياسي، بل يشمل حركات للتطرف عامةً.

وبحسب شندلر، توجد ثغرات معرفية وتحديات بسبب العوائق والفجوات القانونية والقيود على السلطات الأمنية ونقص متطلبات الشفافية المفروضة على الشركات، ولكن يمكن تحقيق تحسينات كبيرة في هذا الوضع من خلال الإصلاحات الموجهة في هذه المجالات المذكورة.

بين الشفافية وتطبيق القانون

تقول المسؤولة بجمعية فيتو ريبيكا شونينباخ، إن تطبيق الشفافية يمثل حلًّا للعمل ضد ما تسميه “التطرف”، لأن أطرافه عاشوا على حقيقة أن صلة بعضهم ببعض وبالمتطرفين العنيفين المعروفين قد يكون من الصعب إثباتها. وأشارت إلى حالة فرنسا، حيث يجب على جميع المنظمات غير الربحية والدينية الكشف عن جميع التبرعات من مصادرها التي تتجاوز 10 آلاف يورو سنويًّا.

وأوضح نائب رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور، سنان سيلين، أن التحقيقات المالية لها أهمية خاصة لحماية الدستور في مكافحة المنظمات الإجرامية والمتطرفة والإرهابية، وأردف بأنه في نطاق الإسلاموية الشرعية كانت أنشطة التمويل ضخمة، فحملات التبرعات داخليًّا وخارجيًّا تدر على المساجد مبالغ كبيرة من المال، والإطار القانوني الحالي لا يساعد في الكشف عن هذه الأنشطة.

طلب من الحكومة

أوضح الأستاذ في مؤسسة العلوم والسياسة في المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن، جويدو شتاينبرج، أن مشكلة الإسلاموية تزداد أهمية، لأن العديد من اللاجئين الذين وصلوا في العقد الماضي جاؤوا من مناطق ينتشر فيها الإسلام السياسي، ونتيجة لذلك ازدادت نسبة تجنيد الإسلاميين كثيرًا.

ولم ينهض الساسة الألمان لمواجهة هذه المشكلة، بسبب البيروقراطية والعقبات القانونية. وطالبت المجموعة البرلمانية الحكومة الفيدرالية، من بين أمور أخرى، بإلزام الشركات والجمعيات بالكشف عن مصادر التمويل الأجنبية للسلطات الضريبية المسؤولة عن التفتيش والمراقبة.

حماية الدستور ضرورة

ينبغي توسيع صلاحيات السلطات الرقابية، لحماية الدستور في مجال التحقيقات المالية، بحيث “يمكن توضيح التأثير السياسي و/أو المالي على نحو أفضل، خاصة في ما يتعلق بالإسلام السياسي”. وفي مسودة مقترحات المجموعة، سوف توسع قدرة المكتب الاتحادي لحماية الدستور على تقديم الطلبات الوطنية إلى وحدة الاستخبارات المالية لتشمل حالات تمويل التطرف.

ويجب على الحكومة الفيدرالية أيضًا الدخول في حوار مع الجهات الإسلامية المحلية والعمل على الانفتاح والشفافية في التمويل وتشجيع الجالية المسلمة في ألمانيا على تمويل نفسها بنفسها، حتى تتضح الأمور ويعمل الجميع في إطار من القانون وتحت مظلة الدستور الذي يحمي الشرعية لكل ما تجيزه مواده ونصوصه.

ربما يعجبك أيضا