التمرد الأوروبي على أمريكا.. واشنطن المستفيد دائمًا

شروق صبري
امريكا والصين

لا تسير أوروبا دائمًا على الخطى الأمريكية في ما يتعلق بعلاقتها مع العديد من الدول، مثل روسيا والصين.


تمتلك أوروبا تاريخها الخاص من التحيزات، وقد تعرقل المبادرات الدولية، التي تقودها الولايات المتحدة، وتناهض سياستها تجاه بعض القضايا.

وقد تزعج السياسات الأوروبية صناع القرار الأمريكيين، لكن عامة ما تميل المناقشات الحيوية بين الولايات المتحدة وأوروبا، وحتى الخلافات الحادة، إلى تحقيق نتائج أفضل، وخلق عالم أكثر أمنًا وازدهارًا، وفق ما تراه مجلة فورين أفيرز الأمريكية.

تدارك تجاوزات واشنطن

في تقرير نشرته يوم الاثنين الماضي 11 سبتمبر 2023، أشارت فورين أفيرز إلى أن بعض دول أوروبا اتخذت خطوات عكس رغبة الولايات المتحدة، لكن قالت إنها كانت في النهاية خطوات إيجابية لا تهدف إلى إشعال الحرب، بل تحقيق التوازن.

ولفتت المجلة الأمريكية إلى أن الاستقلال الأوروبي يعمل على اعتدال سلوك الصين، خاصة عندما يتعلق الأمر بروسيا وأوكرانيا. وتعمل أوروبا مرة أخرى على تخفيف تجاوزات واشنطن مع الصين.

الاستقلال الاستراتيجي

برز دور أوروبا في تخفيف التوترات العالمية، من خلال عدة ممارسات، ففي إبريل الماضي، زار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، العاصمة الصينية،  بكين، وأمضى 6 ساعات في اجتماع مع نظيره الصيني، شي جين بينج، وناقشا قضايا تتعلق بأوروبا وروسيا وتايوان.

وفي رحلة العودة إلى الوطن، أعلن ماكرون أن أوروبا يجب أن تسعى جاهدة من أجل “الاستقلال الاستراتيجي” عن الولايات المتحدة. وقال إنه لا ينبغي للقارة أن تحذو حذو  الأجندة الأمريكية، ولا ينبغي أن تقع في أزمات ليست أزمتها، وأضاف أن الدول الأوروبية يجب أن تقلل من اعتمادها على الدولار الأمريكي، حتى لا تصبح مجرد “تابعة” لواشنطن.

رد فعل عنيف

كانت تعليقات ماكرون بمثابة الموسيقى لآذان بكين، لكنها أثارت ردود فعل غاضبة في الولايات المتحدة. ووصف الجمهوري، الذي يرأس اللجنة المختارة للحزب الشيوعي الصيني بمجلس النواب الأمريكي، مايك جالاجر، التصريحات بأنها “محرجة ومشينة”.

وقال مؤسس مجموعة أوراسيا، إيان بريمر، إن تصريحات ماكرون توحي بـ”الغطرسة وسوء الحكم”. وفي مقطع فيديو، طالب السيناتور الجمهوري في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، ماركو روبيو، بالرد عن طريق قطع المساعدات عن أوروبا. مشيرًا إلى أن “القارة تعتمد على الولايات المتحدة منذ 70 عامًا، وإذا كانوا سيتبعون خطى ماكرون، فإن ذلك سيوفر لواشنطن أموالًا كثيرة.”

لسان حال الأوروبيين

حسب المجلة الأمريكية، بدا هذا الغضب تجاه ماكرون معقولًا، في وقت تخوض الولايات المتحدة منافسة شديدة مع الصين، وتخشى أن تصبح أوروبا، أكبر حليف لها، شريكًا لا يمكن الاعتماد عليه. خاصة، بعدما دعا المستشار الألماني، أولاف شولتز، إلى إقامة علاقة مريحة مع الصين، الشريك التجاري الرئيس لبلاده.

ويبدو أن المسؤولين في باريس وبرلين يتحدثون باسم الأوروبيين العاديين. فوفق نتائج استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن غالبية الأوروبيين يفضلون البقاء على الحياد في أي حرب أمريكية افتراضية مع الصين بشأن تايوان.

أمريكا والصين

امريكا والصين

مقياس مفيد للسياسات

من المؤكد أن الانقسامات عبر الأطلسي حقيقية، لكن تنوع وجهات النظر يعمل كضابط للأفكار الأمريكية الصارمة، ويمنع السياسات التي قد تكون لها عواقب خطيرة على كل من الولايات المتحدة والعالم. ويعمل الاستقلال الأوروبي أيضًا على اعتدال سلوك الصين، خاصة عندما يتعلق الأمر بروسيا وأوكرانيا، وفق فورين أفيرز.

وأشارت المجلة إلى أن الرأي المتحالف كان بمثابة مقياس مفيد للسياسات الأمريكية، لعقود، وعلى سبيل المثال، عارض العديد من حلفاء واشنطن الحرب في العراق وفيتنام، وتبين أن كلتا الحربين كانتا كارثيتين.

وعلى النقيض من ذلك، في عام 1991، دعم شركاء الولايات المتحدة حرب الخليج، التي انتصر فيها التحالف بقيادة الولايات المتحدة سريعًا. وانضم الحلفاء أيضًا إلى الولايات المتحدة في تقديم كميات كبيرة من الدعم لأوكرانيا، ما ساعد في مواجهة الحرب الروسية.

كبح جماح واشنطن

في بعض الأحيان، تفشل تحذيرات الحلفاء في منع الولايات المتحدة من الانزلاق إلى الهاوية. لكن في أحيان أخرى، يمكن لهم أن يحدثوا فرقًا، ونجحوا في كبح جماح واشنطن بالعديد من الأحداث.

وفي عام 1951، وصفت المملكة المتحدة المقترحات التصعيدية، التي قدمتها أمريكا خلال الحرب الكورية، بأنها تنطوي على خطر “الإبادة”. وفي العام نفسه، قال وزير الخارجية البريطاني، إرنست بيفين، للحكومة الهندية إن الولايات المتحدة لا تزال دولة شابة تميل إلى مغامرات غير مدروسة، وأن لندن جعلت من مهمتها محاولة كبح جماحها.

US China trade war

التوترات التجارية بين أمريكا والصين

مواءمة المواقف الأمريكية والأوروبية

اليوم، يبدو أن أوروبا تعمل مرة أخرى على تخفيف تجاوزات واشنطن مع الصين، بعد تبنى الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، فكرة “فصل” الولايات المتحدة عن الصين، أو قطع العلاقات الاقتصادية معها بنحو منهجي. وعندما تولى جو بايدن الإدارة، واصل إلى حد كبير السياسات التجارية التي انتهجها سلفه، ما وصفه المحللون بـ”مواجهة عدوانية كاملة النطاق مع بكين”.

ورأت فورين أفيرز إن مثل هذا الموقف القتالي سيكون خطيرًا، ويؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، في حين يدفع أقوى دولتين بالعالم إلى علاقة أكثر توترًا، لذلك، تراجعت أوروبا، وسعت نحو فكرة “إزالة المخاطر”، أو مقاطعة بعض الصناعات الصينية عن سلاسل التوريد الغربية، بدلًا من الانفصال الكامل عن بكين.

وفي نهاية المطاف، قالت المجلة إن إدارة بايدن تبنت أيضًا سياسة التخلص من المخاطر، ومواءمة المواقف الأمريكية والأوروبية.

اقرأ أيضًا: رئيس «الدولية للطاقة» يطالب أمريكا والصين بوضع توتراتهما جانبًا خلال COP28

اقرأ أيضًا: صعود القوى الوسطى.. منافسة أمريكا والصين تشكل نظامًا جيوسياسيًّا جديدًا

ربما يعجبك أيضا