الجارديان | انفجار بيروت المدمر لم يهز قبضة الطبقة الحاكمة على لبنان

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

سوف يُسجَّل الانفجار الهائل الذي هز لبنان يوم 4 أغسطس كنقطة تحول رئيسية في تاريخ البلاد، حيث لا يقل عن الانفجار الأقل قوة الذي قتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005. وبالحكم من خلال الـ15 عامًا التي استغرقها الأمر قبل أن تعترف المحكمة المُعيّنة من الأمم المتحدة بعجزها أمام الحدث الأخير، لن يكون هناك أي تأكيد رسمي حول ظروف الانفجار المروع في مرفأ بيروت في المستقبل القريب. غير أنه يمكن التوصل إلى بعض الاستنتاجات حول هذه المأساة المؤلمة بشدة.

الاستنتاج الأول هو، على الرغم من ظروف الانفجار، فإن مسئولية ترك 2750 طنًّا من نترات الأمونيوم شديدة الانفجار مُخزنة في قلب بيروت لمدة لا تقل عن ست سنوات تقع على عاتق الطبقة الحاكمة اللبنانية بأكملها – كل الذين كانوا في الحكومة اللبنانية خلال تلك الفترة. الرؤساء، ورؤساء الوزراء، ووزراء النقل، ورؤساء الأجهزة الأمنية الرئيسية ومديرو المرفأ.. جميعهم يتحملون اللوم بنفس القدر. تضم القائمة قادة الدولة اللبنانية الرسمية والدولة الموازية التي شكلها حزب الله في لبنان، والذي يُعرف عنه أنه يراقب مطار ومرفأ بيروت عن كثب ويستخدمهما كيفما يشاء.

كيف وصل لبنان إلى هذه المرحلة؟ نحن نحتاج لاستيعاب 30 عامًا من سوء الحكم السياسي والاقتصادي لكي نفهم. قبل 1975، عندما بدأت الحرب الأهلية، كان لبنان معروفًا بأنه "جنة مالية": بلد برأسمالية جامحة، والذي جعلته سرية البنوك والضرائب الصورية أرضًا مثالية لغسيل الأموال، ورأس المال الهارب وكل أنواع التهريب. انتهت الحرب باتفاقية سياسية ودستورية بين الفصائل اللبنانية في 1989 تحت الإشراف المشترك للسعودية والنظام السوري. وتأكد في العام التالي عبر مشاركة الأخير في الائتلاف الأمريكي الذي شن أول حرب دولية على العراق من الأراضي السعودية.

خلال اثني عشر عامًا، كان لبنان يُدار عبر هذا الوفاق السعودي – السوري: نسق رفيق الحريري، الذي يمثل الجانب السعودي، مع غازي كنعان، رئيس الجهاز الأمني السوري في لبنان. أدت معارضة دمشق للحرب الأمريكية الثانية على العراق واحتلاله في 2003 إلى نهاية الوفاق. بدأت واشنطن ممارسة الضغط لطرد القوات السورية من لبنان، لا سيما عن طريق رعاية قرار مجلس الأمن رقم 1559 لعام 2004 (امتنعت روسيا والصين عن التصويت لئلا تعترضا على القرار).

أثار اغتيال الحريري موجة عارمة من الغضب الشعبي، ما أرغم دمشق على سحب قواتها. إلا أنها ظلت تستخدم نفوذها في لبنان، عبر تحالف ثلاثي مكوّن من حليفها المقرب حركة أمل، الحركة الشيعية التي يقودها نبيل بري المتحدث باسم البرلمان اللبناني مدى الحياة (تولى المنصب في 1992)؛ وحزب الله، الوكيل اللبناني لإيران، والحليف الإقليمي لسوريا؛ وميشيل عون، خصم سوريا اللدود سابقًا والذي تحول إلى العكس في 2006.

على مدار الـ15 عامًا الماضية، كان لبنان يُدار بشكل أساسي بحكومة مشتركة متجددة، تضم نجل رفيق الحريري سعد والتحالف الثلاثي، وتواصل السياسة الاقتصادية الكارثية بإعادة الإعمار النيوليبرالي التي كانت مُطبقة منذ نهاية الحرب. مع هذا، الحرب التي تكشفت في سوريا منذ الربيع العربي في 2011 أضعفت دمشق بدرجة كبيرة وزادت من دور طهران وممثلها اللبناني، حيث اكتسبت إيران اليد العليا على سوريا نفسها. تُرجم هذا التحول في التوازن الإقليمي للقوى إلى انتخاب عون رئيسًا في 2016. وكانت محاولة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان لإجبار سعد الحريري على إنهاء التعاون مع أتباع طهران في 2017 رد فعل على هذا التحول في الأحداث. 

على أية حال، تقع مسئولية انهيار الاقتصاد اللبناني مباشرة على كامل الطبقة الحاكمة للبلاد، كل أولئك الذين تولوا مناصب على مدار الـ30 سنة الماضية، بقدر ما تقع على القطاع المصرفي الذي كانوا جميعهم متورطين معه. يجسد رياض سلامة، حاكم مصرف لبنان المركزي منذ 1992 حتى الآن، هذه المشكلات الراسخة. تلك المسئولية المشتركة واجهها الشعار الرئيسي الشهير للانتفاضة الشعبية التي بدأت يوم 17 أكتوبر من العام الماضي: "كلّن يعني كلّن" (كلهم يعني كلهم).

ومع وصول الغضب الشعبي إلى ذروته بسبب انفجار بيروت الأخير، كان هناك قدر كبير من الأمل بلبنان في وجود جانب مشرق للمأساة والذي يفرض مطلبين رئيسيين لانتفاضة أكتوبر على الطبقة الحاكمة: حكومة مستقلة عنها بحق وانتخابات جديدة على أساس قانون انتخابي جديد. كان التوقع هو أن الضغط الدولي سيُجبر على تطبيق هذه المطالب ويوفر ثقلًا موازنًا للطبقة الحاكمة المحلية.

وقد رفعت زيارة إيمانويل ماكرون إلى بيروت بعد يومين من الانفجار هذا التوقع إلى أعلى مستوى. لقد فكر الكثيرون أنه يوجد زعيم تجرأ على الاختلاط بالناس بعد الكارثة مباشرة، متغاضين عن انها كانت فرصة لالتقاط صورة رائعة لرئيس فرنسي محاصر في بلاده. لم يستمر التوقع: كانت جملة ماكرون الثابتة بخصوص الشرق الأوسط هي الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران (حيث ترتفع المخاطر الرأسمالية الفرنسية)، مثلما فعل عندما حاول تنظيم اجتماع بين دونالد ترامب ووزير خارجية إيران على هامش قمة مجموعة السبع لعام 2019 في بياريتز.

إن المنطق وراء هذا الموقف بخصوص لبنان هو أن ماكرون عمل بصورة منهجية للحفاظ على حكم ائتلاف الحريري – حزب الله في البلاد. لهذا السبب تدخل بحسم لإعادة سعد الحريري من الرياض في 2017، ولهذا السبب بدد آمال الشعب اللبناني في حكومة مستقلة وانتخابات جديدة عن طريق تفضيل "حكومة وحدة"، والتي فُسرت كخطة لـ"[إعادة تنصيب] رئيس الوزراء السُني السابق، سعد الحريري، مقابل تنازلات من حزب الله". هذا يعني أن ماكرون يعمل بنشاط لتحويل انفجار بيروت إلى قوة دافعة للخلف، وهي وصفة مؤكدة للسخط المتزايد والمزيد من الاضطراب.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا