الجارديان| حزب بهاراتيا جاناتا وقمع الأصوات في الهند

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

شهدت الهند اندلاع احتجاجات ضخمة على مستوى البلاد، والتي شملت أشخاصًا من ديانات ومِهَن وطبقات مختلفة، لم تر البلاد مثلها منذ صراع الحرية، الأسبوع الماضي. ومن أجل فهم هذا الغضب العارم والحماس المرتبط على وجه التحديد بالتعديل الأخير لقانون المواطنة، وعلى وجه العموم بما يعنيه كونك هنديًّا. يجب أن ننظر إلى إعادة انتخاب حزب بهاراتيا جاناتا اليميني في شهر مايو بأغلبية ساحقة.

لقد باتت السلطة المطلقة بمثابة رخصة لحزب بهاراتيا جاناتا ليبدأ تغييرًا قاسيًّا تلو الآخر، جميعها يتعلق بطريقة أو بأخرى بوضع المسلمين في الهند، وبوضع الديمقراطية. ومن ضمن هذه التغييرات كان تطبيق سجل وطني للمواطنين في ولاية آسام، ظاهريًّا للكشف عن المهاجرين غير الشرعيين من بنجلاديش المجاورة. لكن الدافع الحقيقي بدا وأنه تحديد المهاجرين المسلمين، وقطعت الحكومة وعدًا: بمجرد إتمام ذلك؛ سيحدث في بقية الهند.

نتج عن هذه الممارسة اعتبار مليونَي شخص تقريبًا في آسام مهاجرين غير شرعيين، على الرغم من أن الكثير منهم كانوا مواطنين أصليين: الأشخاص الأكثر فقرًا لا يملكون الأوراق المطلوبة. مع هذا، جرى الأمر بشكل خاطئ مع مؤيدي "القومية الهندوسية": 60% من أولئك الذين فشلوا في التسجيل كانوا من الهندوس، وجرى إرسال الكثيرين إلى معسكرات اعتقال بنتها الحكومة، وما زالت مشغولة ببنائها. في 2 أكتوبر، ورد تصريح مُلطف لوزير الداخلية، أميت شاه، في صحيفة تايمز أوف إنديا: لا داعي لأن يقلق الأشخاص الذين نزحوا بسبب السجل الوطني. كل لاجئ (هندوسي، بوذي، سيخي، جايني، مسيحي وبارسي) سيُمنح المواطنة بموجب مشروع قانون جديد، يُسمى مشروع قانون تعديل المواطنة.

أولئك الذين قرأوا هذا اندهشوا دون معرفة السبب. إن ابتهالات الأديان والأسماء كانت شائعة في الشهادات على تنوع الهند: النشيد الوطني مثال على ذلك. لكن ماذا سار خطأ مع هذا التأكيد والقائمة المصاحبة له؟ إنه غياب كلمة "مسلم". وأصبح مشروع القانون قانونًا، وسيُمنح اللاجئون المواطنة على أساس الدين للمرة الأولى في تاريخ الهند. أحد الأديان، الذي يتبعه 200 مليون هندي (ثالث أكبر تعداد للمسلمين في أي دولة)، سيصبح لاغيًا عن طريق فقدان مدروس للذاكرة.

بعد صدمة استيعاب ما بدا مثل تعبير صريح عن رؤية فاشية، بدأت مجموعات من المواطنين والصحافة وأحزاب المعارضة إثارة الاعتراضات وتوضيح أوجه التضارب السخيفة في مشروع القانون. مثلًا، إنه يتظاهر والجملة الواردة في مقدمة الدستور والتي تقول "الهند جمهورية ديمقراطية، علمانية، اشتراكية ذات سيادة" ليست موجودة. أيضًا، لماذا تقول الحكومة إن المواطنة ستُمنح لـ"اللاجئين المضطهدين" من ثلاث دول مجاورة ذات أغلبية مسلمة (باكستان وبنجلاديش وأفغانستان) ولم تقل، مثلًا، للروهينجا من ميانمار؟

وبمجرد أن جرى تمرير مشروع القانون في مجلسي البرلمان، أصر رئيس الوزراء ناريندرا مودي على أنه لن يتأثر أي مواطن مسلم بما أصبح الآن قانون تعديل المواطنة. ويصبح الأمر مثيرًا للقلق عندما يُحدث حزب حاكم الكثير من الضجة المطمئنة مثلما يفعل حزب بهاراتيا جاناتا. إن التطمينات هي مجال من يشخّصون الأمراض العضال، وما يُحكم عليه بالموت هنا عن طريق حذف كلمة واحدة هو ما يعنيه أن تكون هنديًّا: جزء من تجربة حافلة لكن عظيمة لا يضاهيها شيء في أي مكان آخر في العالم. لقد ساهم كل هندي في خلق الهند، ونحن – ليس فقط اللاجئين المسلمين – نُحرم فجأة من حق الدخول إلى ما صنعناه. 

لقد طعن متقاضون كُثر على القانون في المحكمة العليا بسبب عدم دستوريته وتعسفه القانوني. لكن الولاية الثانية لحكومة مودي شهدت ابتعادًا استثنائيًّا عن قابلية التنبؤ في القضاء؛ لذلك نظر معارضو قانون تعديل المواطنة لبدايات الاحتجاجات الجماهيرية الأسبوع الماضي في آسام وترايبورا بفهم متضارب. محتجو آسام لم يكونوا يعارضون القانون لأسباب علمانية؛ لقد شعروا بأنهم سيصبحون أقلية في ولايتهم بمجرد أن يُمنح الهندوس البنغاليون المواطنة. هذه الاحتجاجات ذكرّت الأمة بالتعقيد الشديد للمظالم العرقية في الهند (بخلاف الهندوس والمسلمين). لقد كانت بمثابة دليل، على الرغم من العنف والرد العقابي في الوقت الحالي (مثل تعطيل الإنترنت)، على الفوضى والطبيعة غير القابلة للترويض للديمقراطية الهندية. ثم بسرعة، جاءت الاحتجاجات الطلابية في جامعتين، كما لو أنها تشجّعت بمحتجي آسام. الجامعتان هما جامعة الملية الإسلامية في دلهي، التي يُعد منشأها إسلامي لكن يوجد بها مزيج كبير من الطلاب الهندوس والمسلمين؛ وجامعة عليكرة الإسلامية في أتر برديش.

وفي حين أنه كان من المروع النظر إلى مقاطع وحشية الشرطة خلال هذه الاحتجاجات، كان مؤثرًا بشدة رؤية الهنود وهم يستعيدون صوتهم. وكما تبيّن، هناك توافقات لا يمكن إنكارها بين المراحل التي أدت إلى إقامة ألمانيا النازية وما يحدث في الهند، غير أن هناك فروقات كبيرة.

ونظرًا لحجم المسلمين المؤسسين لتاريخ الهند وحاضرها، أو لتشابك أوجه الهوية الهندية؛ فإن "القومية الهندوسية" مجرد خيال مستحيل.. يجب أن نحب بعضنا أو نموت.

في الأسبوع الماضي، شهدت السياسة الهندية عودة الفيدرالية التي يعاديها حزب بهاراتيا جاناتا أكثر من أنديرا غاندي نفسها. لقد رفضت ست ولايات (بنغال الغربية، وكيرلا، والبنجاب، وتشاتسيجار، وماديا براديش وأوديشا) المشاركة في خطة دلهي لتطبيق السجل الوطني على مستوى الدولة. وبدأ عدة أفراد الدخول في حالة العصيان المدني التي اعتاد عليها الهنود تحت حكم البريطانيين، وقالوا إنهم لن يجهزوا الأوراق من أجل السجل الوطني أو يعلنوا أنفسهم مسلمين. كما حدثت احتجاجات جماهيرية يوم 19 ديسمبر برغم القيود المفروضة بموجب القسم 144 الذي يعود لعصر الاستعمار (الذي يحظر تجمع أكثر من أربعة أشخاص) والذي يتم إعلانه أينما يسيطر حزب بهاراتيا جاناتا على النظام والقانون، فيما عرضت القنوات التليفزيونية طالبة توقف رجل شرطة كان يضرب صديقتها بإشارة شرسة بإصبعها؛ وفي 19 ديسمبر، قامت الشرطة بجر المؤرخ راماشاندرا جها أثناء إلقاء كلمة في احتجاج سلمي. إنه وقت للخجل والحزن! وقت للفخر والسعادة. إن مناخ الخوف الذي يخيم على الهند ينقشع.. متى سيتوقف حزب بهاراتيا جاناتا عن الخوف، من الاختلاف والنقد والمعارضة السياسية والتعايش؟

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا