الجامع الأزهر.. تاريخ حافل بالتحولات عبر ألف سنة

رنا الجميعي
الجامع الأزهر

مر الجامع الأزهر بالكثير من التحولات على مدار تاريخه، إلا أنه ظل منبرًا للدين الإسلامي ومنارة تعليمية، واستمر في احتضان طلبة العلم القادمين من كل حدب وصوب.


وضع القائد جوهر الصقلي حجر الأساس للجامع الأزهر بأمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر، في 14 رمضان 359هـ، الموافق 4 أبريل 970م، واستغرق بناؤه عامين، وافتتح في 7 رمضان 361هـ، وأقيمت فيه أول صلاة جمعة بعد ما اتخذ الفاطميون القاهرة عاصمة لهم.

سبب التسمية

في بداية نشأته سُمي الجامع بـ”المنصورية”، بحسب حديث تلفزيوني لمؤسس صفحة المماليك على الفيسبوك، يوسف أسامة، وتغيّر إلى جامع القاهرة، إلى أن استقر اسمه على الأزهر، وهناك عدّة تفسيرات لتسمية الجامع بـ”الأزهر”، البعض قال إنه مُستمد من اسم السيدة فاطمة الزهراء.

ورأي آخر يقول إن سبب التسمية لأن الجامع مُقابل لقصور الفاطميين وقتها المعروفة بـ”القصور الزاهرة”، وتفسير ثالث يقول إن الفاطميين تنبؤوا بمنافسة الأزهر لمدينة الزهراء الأندلسية. وعلى مرّ تاريخه حظي الجامع الأزهر باهتمام الحكام بعمارته بالتوسعة والترميم والإنشاءات.

وحظي في العصر المملوكي بتوسعة كبيرة، وأُلحقت به المدارس ومساكن للطلبة الوافدين والمصريين في ما عُرف بـ”الرواق”، وإضافة 3 مآذن بجانب المأذنتين الأصليتين في العصر الفاطمي، وانتهت آخر أعمال الترميم فيه عام 2018، واستمرت 3 سنوات، وتبلغ مساحته الحالية 12 ألف متر مربع.

الجامع الأزهر

التحول من المذهب الشيعي إلى السني

الجامع الأزهر هو رابع الجوامع في مصر الإسلامية، وأول جامع يُبنى في مدينة القاهرة، وأول جامع لنشر المذهب الشيعي، واستمرّ في نشر المذهب لمدة 300 سنة، حتى جاء صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية الذي منع التدريس فيه وأبطل صلاة الجمعة. وعاد الجامع الأزهر إلى التدريس مع تولي الظاهر بيبرس حكم مصر، وقتها أعاد بيبرس تدريس المذهب السني عام 1266م.

وتبرز أهمية الجامع الأزهر كونه ثاني جامعة على مستوى العالم مازالت تعمل، وتأتي قبله جامعة القرويين في المغرب، وأصبح المركز الرئيسي للدراسات السُنيّة في مصر والعالم الإسلامي، وازداد دوره تحديدًا بعد تصدع الحكم الإسلامي في الأندلس وشمالي أفريقيا، وأُنشأت ثلاث مدارس به هم؛ الطيبرسية، الأقبغاوية والجوهرية، وقصده  طلبة العلم من كل الأنحاء لدراسة العلوم  الدينية والشرعية والعربية والعقلية.

وبعد تولي محمد علي حكم مصر شجّع على إدخال التعليم غير الديني في الأزهر، وأضيفت دراسة التاريخ والرياضيات والعلوم الحديثة والفلسفة الأوروبية للمناهج، ومن ضمن التحولات الخاصة بالدراسة أيضًا أعلن قيام جامعة الأزهر رسميًّا عام 1961 خلال رئاسة جمال عبدالناصر.

يا خراشي!

استقرّ الحال بالأزهر خلال الحكم العثماني لمصر، واحتفظ بقوته وتقاليده على مدار 3 قرون، ومن أهمّ ما تميّز به خلال تلك الفترة هو ظهور منصب شيخ الأزهر، ويُعدّ الشيخ أبو عبدالله ابن علي الخراشي أول شيخ للأزهر، وكان مُلمًّا بأصول الفقه والتفسير وعلوم أخرى كثيرة. وأطلق عليه الناس قدوة السالكين وجاءت الألقاب بسبب نجدته للناس وإصلاحه لأحوالهم، لأن المصريين كانوا يستنجدون به قائلين: “يا خراشي”، ومنها جاءت الكلمة العامية.

وكل الأئمة الذين تولوا مشيخة الأزهر مصريين، عدا اثنين فقط من خارج مصر، بحسب ما ذكر الإعلامي محمود سعد في برنامجه “باب الخلق”، ويتولى حاليًّا المنصب الشيخ أحمد الطيب.

تاريخ الأزهر السياسي.. وقف في وجه الحملة الفرنسية

لم يقتصر دور الأزهر على التعليم فقط، بل كان له دور بارز في الحياة السياسية، مثل الاحتجاجات ضد الولاة العثمانيين من طلبة وعلماء الأزهر، وكان من الشائع خروج الاحتجاجات الطلابية من جامع الأزهر، ودوره المؤثر خلال الحملة الفرنسية على مصر في الفترة بين 1789 إلى 1801، وخطط علماؤه لثورة القاهرة الأولى، وفي أعقاب ثورة القاهرة الثانية تعرض كبار علماء الأزهر للتعذيب.

وقتل سليمان الحلبي، وهو طالب أزهري، الجنرال الفرنسي جان بابتيست كليبر، وبعد عملية القتل أمر نابليون بونابرت بإغلاق المسجد، وظلت أبوابه مغلقة حتى وصول المساعدات العثمانية والبريطانية في أغسطس 1801.

ومن اللحظات التاريخية أيضًا الخطبة الشهيرة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1956، ففي 2 نوفمبر خطب عبدالناصر أمام المصلين بعد صلاة الجمعة في ظل العدوان الثلاثي على مصر، وقال في خطابه: “سنقاتل.. أنا هنا في القاهرة ضد أي غزو سأقاتل معكم”، وكان أمرًا مُباشرًا بالقتال وبدء المقاومة ضد دول العدوان الثلاثي، بريطانيا وإسرائيل وفرنسا.

جمال عبد الناصر في الجامع الأزهر

مسجد الأزهر على وجه العملة المصرية

لأكثر من ألف سنة ظلّت للجامع الأزهر قيمته التاريخية والأثرية الكبيرة، فهو واحد من أهم المعالم المصرية العريقة، ونتيجة لذلك تزين صورة الجامع الأزهر وجه العملة الورقية المصرية فئة الـ50 قرشًا في أكثر من إصدار.

ربما يعجبك أيضا