الجيش الأمريكي لم يعد يملك المال الكافي للقيام بمهامة المطلوبة

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية
المصدر – فورين بوليسي
ترجمة – آية سيد

استطاع شيرلوك هولمز أن يحل لغز اختفاء حصان سباق من خلال ملاحظة "الحادثة الغريبة للكلب المتواجد بالليل." لكن, محقق سكوتلاند يارد اعترض قائلًا, "الكلب لم يفعل شيئًا في الليل." رد هولمز: "تلك هي الحادثة الغريبة."

اليوم, في واشنطن, الكلب الذي لا ينبح هو ميزانية الدفاع. هذه هي القضية الأكبر التي لا يتحدث عنها أحد – على الأقل خارج مجتمع سياسة الدفاع.

هناك عدة إشارات تحذيرية على أن ميزانية الدفاع قليلة للغاية للوفاء بإلتزامات الولايات المتحدة العالمية, وأن جاهزية الجيش تعاني من عواقب خطيرة. في شهر يونيو الماضي, أخبر وزير الدفاع جيم ماتيس لجنة القوات المسلحة في الكونجرس إنه بعد عودته إلى الجيش بعد أربع سنوات من التقاعد, شعر بالصدمة لما رآه بخصوص الجاهزية للقتال.

ما الذي صدم محارب مخضرم مثل ماتيس؟ يذكر المحلل الدفاعي دان جور: "الجيش لديه ثلاث فرق قتالية فقط من أصل 50 فرقة مدربة ومجهزة للصراعات الكبرى … بسبب نقص قطع الغيار وأموال الصيانة غير الكافية, نصف مقاتلي الخطوط الأمامية للبحرية والمارينز فقط متاحين حاليًا للقتال. بالإضافة لهذا, القوات الجوية ينقصها حوالي ألف طيار على الرغم من أن حجمها تضاءل بشكل كبير على مدار العقد الماضي".

بالرغم من أوجه القصور هذه, "إيقاع العمليات" بالنسبة للجيش, وخاصة البحرية, والقوات الجوية, وقوات العمليات الخاصة, يبقى مرتفعًا كما هو. شهدت البحرية تخفيض أسطولها من 594 سفينة في 1987 إلى 278 سفينة فقط اليوم, مع هذا مازالت تحافظ على نفس عدد السفن التي يتم نشرها في المياه الأجنبية. هذا يعني أن أطقم العمل عليها أن تعمل بوتيرة محمومة؛ يقول الخبير البحري سيث كروبسي من معهد هدسون إنه من الشائع أن يعمل البحارة 100 ساعة في الأسبوع.

يُعتقد أن هذا الإيقاع القاسي للعمليات ساهم في حادثتين مروعتين عانت منها المدمرات هذا الصيف – اصطدمت كل من جون إس ماكين وفيتزجيرالد بسفن تجارية, متسببة بقتل 17 بحار. سوف يتفاقم نقص السفن بتلك الاصطدامات, حيث من المرجح أن تخرج فيتزجيرالد من الخدمة لأكثر من عام. يقول وزير البحرية ريتشارد سبنسر, "لقد كنا نتحمل فوق طاقتنا ونقترض من هنا وهناك لإتمام مهامنا, والآن علينا سداد الفواتير".

قوات المارينز أيضًا تدفع ثمنًا باهظًا بسبب نقص أموال الدفاع. بحسب البيانات التي حصلنا عليها من Breaking Defense, "قتلت حوادث الطائرات 62 جندي مارينز في السنوات الست الماضية, مقارنة مع 10 جنود فقط من قوات البحرية الأكبر." تتضمن الحوادث المميتة تحطم طائرة إم في-22 أوسبري في شهر أغسطس, ومقتل ثلاثة أشخاص, وطائرة كيه سي-130 تي في يوليو, ومقتل 16 شخصًا. المشكلة هي أن قوات المارينز تستخدم طائرات قديمة مثل إيه في-8 هارير (التي دخلت الخدمة في 1985), والموديلات الأولى من إف إيه 18 هورنت (1984), ومروحية سي إتش-53 إي سوبر ستاليون (1981). إن الأموال ليست موجودة لاستبعاد هذه الطائرات القديمة سريعًا بموديلات أحدث مثل إف-35.

بشكل إجمالي, تقول مؤسسة Heritage في مؤشرها لعام 2018 عن قوة الجيش الأمريكي أن "تصنيف وضع الجيش الأمريكي "هامشي" ويتجه إلى "ضعيف."" يصنف محللو Heritage قوات الجيش والمارينز "ضعيف" والقوات البحرية والجوية "هامشي." كان على الجيش التخلي عن إلتزامه التاريخي لما بعد 1945 بخوض حربين كبيرتين مرة واحدة – وهذا يتجاوز قدراته الحالية.

هذه مؤشرات مقلقة عندما ننظر لخصوم أمريكا – ومن ضمنهم روسيا, والصين, وإيران, وكوريا الشمالية – الذين يعززون ترساناتهم بسرعة. انتعشت روسيا بعد فترة الحضيض في التسعينيات لتمرين قوات عسكرية محترفة ومجهزة بأسلحة متقدمة والتي تسمح لفلاديمير بوتين باستعراض القوة في أماكن بعيدة مثل سوريا. في الوقت نفسه, تبني الصين طائرات, وصواريخ, وغواصات, وحاملات طائرات لقلب ميزان القوة في غرب المحيط الهادئ لصالحها. تجهز روسيا والصين حاليًا غواصات بمحركات فائقة الهدوء والتي يصعب على البحرية الأمريكية كشفها.

هذه تطورات خطيرة تهدد بحل مفهوم باكس أمريكانا لما بعد 1945 وترك الولايات المتحدة وحلفاءها عرضة للعدوان. المشكلة معترف بها في كل من الكونجرس وإدارة ترامب, ومع هذا من غير المرجح إنهم سيفعلون أي شيء حيالها.

أثناء حملة العام الماضي, وعد دونالد ترامب بالمزيد من الإنفاق الدفاعي لرفع قدرة الجيش من 450 ألف جندي إلى 540 ألف؛ وقوات المارينز من 24 كتيبة مشاة إلى 36؛ والبحرية من 278 سفينة مقاتلة إلى 350؛ والقوات الجوية من 915 طائرة مقاتلة إلى 1,200. هذه أهداف جيدة. لكن ميزانية الدفاع التي أصدرتها إدارة ترامب في مارس لا تقدر هلى تمويل تلك الإلتزامات.

يقترح ترامب إضافة 54 مليار دولار, أو 10 في المائة, إلى ميزانية الدفاع الأساسية (باستثناء تكاليف الحرب). على الرغم من أن الرئيس يتباهى بأن هذه "واحدة من أكبر الزيادات في الإنفاق الدفاعي القومي في التاريخ الأمريكي," إلا إنها, في الحقيقة, الزيادة الـ16 منذ 1977. وهي غير مناسبة بالمرة لحجم التحدي. بالنظر إلى السعة المحدودة للترسانات البحرية الأمريكية, سيستغرق الأمر 18 عامًا لإنشاء قوة بحرية من 350 سفينة بمعدل أربع سفن جديدة في العام. تمول ميزانية دفاع ترامب سفينة جديدة واحدة, أو اثنتين, لعام 2017-2018.

في إدراك للقصور, صدق مجلس الشيوخ ومجلس النواب على ميزانية دفاع بقيمة 700 مليار دولار – بزيادة كبيرة عن طلب ترامب بقيمة 603 مليار دولار. إذن, هل حُلت المشكلة؟ لا. هذا فقط قانون "تفويض," وتمريره رمزي إلى حد كبير. يجب أن تأتي الأموال الحقيقية للبنتاجون من قوانين الاعتمادات المالية, لكنها لن تكون بهذا السخاء, لأن لديها أولويات متنافسة. يريد الجمهوريون تخفيض الضرائب؛ قانون الضرائب الذي مرره المجلس الأسبوع الماضي سيضيف 1,7 تريليون دولار لعجز الميزانية الفيدرالية الهائل, مما سيضغط الإنفاق الدفاعي. الديمقراطيون لا يوافقون على تخفيض الضرائب, لكن معظمهم يريد المزيد من الإنفاق الداخلي, وليس الدفاعي. على الرغم من وجود أشخاص متعصبين للدفاع في كلا الجانبين, لا أحد منهم يمنح الأولوية للإنفاق الدفاعي على الالتزامات الأيدولوجية الأخرى.

وإدارة ترامب أيضًا لا تفعل ذلك. لاحظ أن الرئيس, الذي لديه وقت لمهاجمة الكثير من الأشخاص, لم يذكر شيئًا عن الإنفاق الدفاعي. إنه ليس أولوية بالنسبة له, أو لمساعديه. حتى وزير الدفاع ماتيس, الذي يفضل المزيد من الإنفاق الدفاعي, لم يجعله أولوية منفردة مثلما فعل كاسبر واينبرجر في الثمانينيات.

في عهد إدارة ريجان, أنهى الرئيس الجدل بين واينبرجر ومدير الميزانية ديفيد ستوكمان لصالح البنتاجون. الشعور الشائع اليوم هو أن مدير الميزانية ميك مولفاني هو صاحب القرار أكثر من ماتيس. ماتيس على الأرجح مشتت في منع ترامب من شن حرب عالمية ثالثة, وليست لديه طاقة كافية لمشاجرات الميزانية. على أية حال, هو محارب بطبيعته وخبرته, وليس محاسب.

إن نتيجة غياب الإلحاح من الحزبين هي أن البنتاجون يمول بقرار مستمر لثلاثة شهور والذي تم تمريره في أول سبتمبر وينتهي في أول ديسمبر. في الواقع, هناك خطر حقيقي بأن زعماء الكونجرس سيفشلون في الاتفاق على ميزانية حينها وسوف يمررون قرار مستمر آخر, على الرغم من أن الجيش يشتكي من أن هذا سيجعل التخطيط طويل الأمد أو وضع الميزانية أمرًا مستحيلًا. يصف النائب آدم سميث, عضو لجنة القوات المسلحة في المجلس, هذا الأمر بالغباء وإنه بمثابة "سوء تصرف تشريعي."

مع هذا, في ظل غياب القيادة الرئاسية في هذه القضية, هناك فرصة ضئيلة لإصلاح ما ينقص الدفاع. قال السيناتور جون ماكين, رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ, "نحن نراهن بأرواح الأفضل من بيننا ونحن الآن نرى الثمن – التكاليف المأساوية لقوة مجهدة ومستنزفة بمعدات قديمة وغير كافية." سوف يستمر الرهان, والخاسرين هم الرجال والنساء الذين أقسموا على حماية الولايات المتحدة.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا