الحصار يشتد.. الليرة السورية إلى انهيار تاريخي

محمود سعيد

رؤية – محمود سعيد 

واصلت الليرة السورية انهيارها، وقد انخفضت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي بشكل حاد، حيث سجلت الليرة السورية، رقماً جديدا وغير مسبوق في هبوط سعر صرفها أمام الدولار وباقي العملات الأجنبية، وقد وصل الدولار في السوق السوداء إلى أكثر من 1060 ليرة، لتصل العملة السورية إلى أدنى مستوياتها عبر التاريخ.

فيما كان سعر الدولار قبل اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، يساوي 47 ليرة سورية فقط، في حين بلغت احتياطات البنك المركزي –الشحيحة حاليا- آنذاك  17 مليار دولار.

أحداث لبنان

وبحسب مراقبين فقد أدت اﻷحداث الجارية في لبنان إلى “ضياع مدخرات السوريين في تلك البنوك، وتقدر بين خمسين ومئة مليار دولار فلبنان كان الملاذ الآمن لأموال الفساد السورية والغسالة الأوتوماتيكية للأموال السورية، بشكل آخر معظم أموال أركان الحكم السوري ثرواتهم انتهت، لم يبق بأيديهم سوى عقارات بالداخل وانتهت قدرتهم المصرفية الدولية، وقد انتهت قدرة أركان النظام السوري على تأمين حاجة سوريا من النفط والغذاء الذي كانت هذه البنوك تقوم تمويله .. بل إن هذه البنوك تملك معظم البنوك الخاصة السورية نفهم أن الموالين للنظام قبلوا براتب خمسين دولاراً وعم يدبروا حالن لكن في القريب العاجل لن يكون هناك بنزين يسيرون آلياتهم ولا مازوت يدفئون أولادهم به بل ربما سيفتقدون رغيف الخبز القضية في أولها والقادم أسوأ”.

ضغط أمريكي 

تلك الضربات التي تلقاها اقتصاد نظام الأسد جاءت بفعل تفعيل قانون سيزر قيصر الأمريكي، كما تلقى قبل أشهر قليلة صدمة اقتصادية مصرفية قوية هزته من جهة لبنان وهي منع تمرير الحوالات المالية إلى سوريا بالقطع الأجنبي خصوصاً الدولار، ما يعني حرمانه من ملايين الدولارات شهرياً وبطريقة لا يمكن لمليشيات “حزب الله” الإرهابية أن تتدخل لمنعها رغم هيمنتها على مفاصل الدولة اللبنانية.

وقانون “قيصر” المخصص لحصار نظام الأسد اقتصادياً، هو قانون لحماية المدنيين في سوريا، وفرضت بموجبه عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة تتعامل مع النظام السوري، أو توفر له التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية، أو المصرف المركزي السوري.

وبالرغم من تغلب نظام الأسد على أزمته الاقتصادية في الأشهر الماضية بفعل الدعم الإيراني اللا محدود عبر ناقلات تهريب النفط، إلا أن الحصار عليه بدا يشتد مجددا، حيث تم التضييق ومنع ناقلات النفط الإيرانية من الوصول للموانئ ما جعل نظام الأسد عاجزًا عن تأمين الغاز والكهرباء والماء وخاصة البنزين، مجددا مثلما جرى في شهر أبريل الماضي.

إقرار قيصر كان بمثابة هو إنذار لكل الدول والشركات والأفراد الساعين للعمل مع نظام الأسد، وقد شل قدرة النظام على الاستفادة من تمويل الشركات أو الحصول على تقنياتها التي يستخدمها ضد الشعب السوري، القانون أجبر  من تبييض الأموال بالتعاون مع وسطاء، وسيقطع القانون الطريق على بعض الدول.

النائب “آدم كينزنجر” توعد  روسيا وإيران بالعقوبات في إطار القانون، وقال إن الدولتين “ستدفعان أثماناً الآن، بسبب تورطهما المباشر في جرائم حرب الأسد.. إن رسالة مشروع قانون قيصر واضحة، لن نغض الطرف عن هذه الفظائع، وسنتأكد من أن المسؤولين سوف يدفعون ثمن جرائمهم”.

صحيفة “وول ستريت جورنال” قالت: إن العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران تسببت في خسائر غير مسبوقة في تدفق الخام النفط إلى سوريا، مما أدى إلى قطع شريان الحياة الذي كان يغذي نظام الأسد طوال سنوات الحرب ويساعده في الاستمرار.

أسباب الانهيار التاريخي

فيما أرجع مركز “جسور” للدراسات” أسباب الانهيار التاريخي إلى عوامل بعيدة قائمة على سياسات تراكمية لـ”نظام الأسد” أسفرت عن هذا الانهيار مع مطلع عام 2020.

وقال المركز: إن “مقتل قاسم سليماني تسبب في توقف الأنشطة الاقتصادية التي تقوم بها الميليشيات الإيرانية بسوريا نتيجة مخاوف محتملة من استهدافها، ما دفعها إلى التركيز على الأنشطة العسكرية فقط في ظل التوتر التي تشهده المنطقة”.

وأضاف: أن من أسباب الانهيار أيضًا، الوعود التي أطلقها نظام الأسد لتهيئة الظروف الملائمة لاستعادة الأنشطة التجارية وقرب الصراع، ما تسبب بخيبة أمل للتجار المحليين ودفعت مزيدًا منهم لمغادرة البلاد، وخصوصًا مع تصاعد الأزمة الاقتصادي وتشديد الإجراءات الحكومة.
ولفت إلى أن خسارة نظام الأسد للعديد من الموارد والسيولة النقدية التي كانت توفرها المناطق المحررة التي كانت تسيطر عليها فصائل الثوار، إضافة إلى أن العمليات العسكرية والتقدم البري لا سيما بإدلب، حرمه من إيرادات هائلة بالقطع الأجنبي.

من جهتها أرجعت “رويترز” التراجع الكبير في سعر الليرة إلى 3 أسباب، أولها الأضرار التي لحقت بصناعة البلاد جراء القتال فضلا عن إرسال السوريين المذعورين أموالهم للخارج، والثاني إلى العقوبات الغربية على نظام الأسد وشخصيات مقربة منه.

وأما السبب الثالث فيعود وفق التقرير إلى تخلي البنك المركزي لنظام الأسد إلى حد بعيد عن جهوده في الأشهر الأخيرة لدعم قيمة الليرة وذلك من أجل حماية احتياطياته النقدية الأجنبية المتبقية.

شلل اقتصادي

وأدى انهيار الليرة، لارتفاع أسعار المواد الغذائية والخدمات، في مناطق سيطرة نظام الأسد وجمود بالأسواق وانخفاض القدرة الشرائية الضعيفة أصلا للمواطنين، وسط عجز كامل من حكومة الأسد لإيجاد الحلول بعدما ارتفعت أسعار المواد الغذائية واللحوم والمحروقات.

يُذكر أن نظام الأسد انتهج منذ 2011م، سياسات اقتصادية تدعم وجوده ولا تصب في مصلحة الاقتصاد المحلي، والتي مكّنت رموز النظام من مراكمة ثرواتهم بدلًا من إعادتها إلى الشعب الذي يعيش 83% بالمائة منهم تحت خط الفقر، بحسب تقارير سابقة للأمم المتحدة.

في السياق، كلّف القصر الجمهوري في العاصمة دمشق لجاناً جديدة تابعة للأمن والاستخبارات لتحصيل الضرائب بشكل مباشر من تجار المدينة بدلاً من لجان المالية في مؤشر جديد على الأزمة المالية لنظام اﻷسد.

وبحسب “وكالة الأنباء الألمانية” فقد أسواق دمشق وعموم المدن السورية تشهد حالة جمود كبيرة، حيث أغلقت بعض المحال التجارية أبوابها بسبب ارتفاع الدولار الأميركي وتخطيه ألف ليرة سورية.

كل المؤشرات تؤكد أن زيادة الحصار الاقتصادي على نظام الأسد، إما سيعجل بثورة في مناطق سيطرته، أو “انقلاب عسكري” من قبل بعض عناصر قواته، أو بتنازله عن السلطة ورضوخه للحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، ولا يوجد خيار رابع.
 

ربما يعجبك أيضا