الريال الإيراني يواصل الهبوط أمام القلق من نشوب الحرب

يوسف بنده

رؤية
 
تعيش إيران أجواء الحرب؛ المواطنون يراقبون وسائل الإعلام، ويفسرون تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والقادة العسكريين في إيران بتفسيرات تذهب إلى الحرب النووية. الجميع قلق على مصيره، والجميع يفكر في تحويل أمواله إلى الدولار حتى يضمن الحفاظ على القيمة الشرائية لها في المستقبل في ظل الانهيار المتواصل للعملة الوطنية في إيران.
 
فقد سجلت العملة الإيرانية أمس الأحد تدهورا قياسيا في السوق الحرة؛ إذ بلغ سعر صرفها 100 ألف ريال للدولار الواحد وسط صعوبات اقتصادية متزايدة وعودة وشيكة لنظام العقوبات الأميركية عليها.
 
وبلغ سعر الصرف غير الرسمي 102 ألف ريال للدولار بحلول منتصف الأحد، بحسب موقع بونباست، أحد أكثر المواقع الموثوقة لرصد أسعار العملة الإيرانية.
 
وخسر الريال نصف قيمته مقابل الدولار خلال أربعة أشهر فقط، متخطيا عتبة 50 ألف للمرة الأولى في آذار/ مارس.
 
وسعت الحكومة لتثبيت السعر عند 42 ألف ريال للدولار في أبريل الماضي، وأغلقت الكثير من محلات الصرافة وهددت بملاحقة تجار السوق السوداء، واعتقلت بالفعل الكثير منهم.
 
لكن تلك التجارة تواصلت وسط قلق الإيرانيين من استمرار الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد، وحولوا عملتهم إلى الدولار كطريقة آمنة للحفاظ على مدخراتهم، أو كاستثمار في حال استمر تراجع الريال.
 
وفيما ترفض المصارف إعادة بيع الدولار بالسعر المنخفض. وأدت محاولة في نيسان/ أبريل لفرض سعر ثابت للريال، إلى ازدهار صرف العملات في السوق السوداء، ما أجبر البنك في يونيو/ حزيران على التراجع عن خطته، فيما تدهورت قيمة العملة إلى مستويات قياسية في حزيران/ يونيو.
 
وكانت طريقة التعامل مع الأزمة النقدية إحدى الأسباب التي دفعت الرئيس حسن روحاني لتعيين محافظ جديد للبنك المركزي مكان ولي الله سيف.
 
مساعي
 
ورغم معارضة دول أوروبية وروسيا والصين لفرض العقوبات الأميركية، إلا أنها عبرت مرارا عن يأسها من إمكانية عرقلة العقوبات، في وقت تتسابق فيه الشركات العالمية إلى إيقاف تعاملاتها مع إيران.
 
وبعد وعود أوروبية أعلنت فرنسا في وقت سابق هذا الشهر، أنه من المستبعد أن تستطيع القوى الأوروبية وضع حزمة اقتصادية لإيران من أجل إنقاذ الاتفاق النووي قبل تنفيذ الجزء الأقسى من العقوبات في نوفمبر.
 
وتبحث طهران عن منافذ جانبية لمواجهة الاختناق الاقتصادي. وأعلن النائب في البرلمان الإيراني إلياس حضرتي، أن بلاده تعتزم استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية بالليرة التركية واليوان الصيني بسبب العقوبات الأميركية.
 
وأوضح -في تصريح لوكالة أنباء البرلمان الإيراني (إيكانا)- أن إيران لا تستطيع استخدام الدولار، في استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية بسبب العقوبات المصرفية الأميركية.
 
وذكر أن وزارة الصحة الإيرانية ستعتمد لهذا السبب على الليرة التركية واليوان الصيني كأحد التدابير لمواصلة عمليات استيراد الدواء والمستلزمات الطبية. وأكد أن “شركات تركية تستعد لإبرام اتفاقية تتيح إمكانية التجارة بالريال الإيراني”.
 
ويستبعد محللون إمكانية حدوث ذلك في ظل تزايد الضغوط الأميركية على أنقرة واستبعاد أن تغامر بكين والشركات الصينية بمفاقمة المواجهات التجارية التي تخوضها مع الولايات المتحدة.
 
ضغوط على أوروبا
 
كما وجه أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزب الجمهوري رسائل إلى سفارات كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا في الولايات المتحدة، يحذرون فيها من تجاهل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.
 
وتشدد الرسائل على أن العقوبات الأميركية ليست قراراً حكومياً فحسب، بل هي ناجمة عن القوانين الفيدرالية التي اتخذها الكونغرس، وأن محاولات تجاهلها من جانب البلدان الأوروبية ستؤدي إلى عواقب.
 
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، قد أعلن، في وقت سابق، عن نيته استئناف كل العقوبات ضد إيران، بما فيها العقوبات ضد الدول الأخرى التي تتعاون مع طهران على خلفية انسحاب بلاده من الاتفاق النووي.
 
التوجه للقطاع الخاص
 
وفي إجراءات يائسة جديدة، ذكرت وسائل إعلام رسمية إيرانية السبت أن إيران تعتزم تقديم حوافز تتعلق بالأسعار والضرائب لمستثمري القطاع الخاص لتولي مشروعات الدولة المعطلة والمساعدة في دعم الاقتصاد مع مواجهة البلاد لعقوبات أميركية وانسحاب الكثير من الشركات الأجنبية.
 
وقال نائب الرئيس إسحق جهانجيري في التلفزيون الرسمي إن الخطة ستقدم أسعارا مغرية وبنودا مرنة وإعفاءات ضريبية للمستثمرين الذين يوافقون على تولي إدارة نحو 76 ألف مشروع حكومي لم تكتمل أو معطلة.
 
ونقل موقع التلفزيون الرسمي عن جهانجيري قوله: “على مدى الأشهر القليلة الماضية ذهبت السيولة المتاحة في البلاد إلى الإسكان والصرف الأجنبي والمسكوكات الذهبية مما رفع الأسعار وأثار قلق الناس”.
 
وأضاف بعد اجتماع حضره الرئيس حسن روحاني ورئيسا البرلمان والهيئة القضائية أن “من القضايا الرئيسية التي نوقشت خلال الاجتماع مسألة إيجاد حلول لتحويل السيولة نحو التوظيف وتنشيط التصنيع “.
 
وتستهدف الخطة على ما يبدو إلى تقديم وعود للشارع الإيراني الغاضب بأنها قادرة على تخفيف آثار العقوبات الأميركية، لكن محليين يستبعدون أي تأثير للإجراءات الجديدة ويشيرون إلى الاحتجاجات التي عمت جميع المدن الإيرانية قبل أشهر من إعلان العقوبات الأميركية.
 
مظاهرات
 
وكانت مظاهرات عارمة قد اندلعت في أواخر ديسمبر الماضي ثم تجددت في يناير وعمت جميع المدن الإيرانية. وتفجرت الكثير من الاحتجاجات بين يوم وآخر منذ إعلان العقوبات الأميركية.
 
وتركزت الاحتجاجات في البداية على ارتفاع الأسعار ومزاعم الفساد لكن الاحتجاجات اتخذت منحى سياسيا نادرا مع تزايد عدد المطالبين بتنحي الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي.
 
ويرجح محللون أن الشارع يمكن أن ينفجر في أي لحظة مع تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي وصلت إلى قطع الكهرباء عن 60 مؤسسة رسمية بينها وزارة الاقتصاد بسبب عدم التزامها بتعليمات الحكومة بشأن تقنين الاستهلاك.
 
وحذرت وزارة الطاقة الإيرانية من احتمال أن تشهد البلاد اتساع حالات قطع للكهرباء، إذا ما وصلت نسبة الاستهلاك إلى أرقام قياسية.
 
وفرضت واشنطن أيضا عقوبات فردية على سيف والله مدير البنك المركزي السابق، في أيار/ مايو، واتهمته بمساعدة الحرس الثوري الإيراني في تحويل ملايين الدولارات إلى حزب الله اللبناني.
 
ومن الأسباب التي أدت إلى تدهور العملة إعلان الولايات المتحدة في أيار/ مايو انسحابها من الاتفاق النووي الموقع مع إيران عام 2015، والذي رفعت بموجبه مجموعة من العقوبات مقابل كبح البرنامج النووي الإيراني.
 
وتستعد الولايات المتحدة لإعادة فرض كامل عقوباتها على دفعتين في 6 آب/ أغسطس و4 تشرين الثاني/ نوفمبر، مما أجبر العديد من الشركات الأجنبية على وقف أنشطتها مع إيران.
 
وأدى إفلاس العديد من مؤسسات الإقراض غير المرخصة التي قدمت فوائد مرتفعة وقروضا رخيصة مع رأس مال قليل لدعمها، إلى خسارة ملايين المودعين مدخراتهم، ما شكل أحد الأسباب خلف اندلاع الحركة الاحتجاجية مؤخرا.
 
وتعهد روحاني باتخاذ إجراءات ضد المصارف غير المرخصة عندما تولى السلطة. وتتعرض حكومته لضغوط لإعادة الودائع، ما يمثل مزيدا من الضغوط على موارد الدولة.

ربما يعجبك أيضا