الصحافة الفرنسية|مصر وسيط رئيسي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. وما مستقبل الاتفاقات الإبراهيمية؟

مترجمو رؤية

ترجمة: فريق رؤية

على ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين

شهدت فرنسا عدة تظاهرت داعمة للشعب الفلسطيني بعد التصعيد الأخير، وتحت عنوان: “على ماكرون الاعتراف بدولة فلسطين”؛ سلّطت جريدة “لومانيتيه” الضوء على مطالب المتظاهرين. ففي مدن ليل وباريس ودونكيرك ونيس وستراسبورغ، تجمّع عشرات الآلاف لدعم الفلسطينيين ومطالبة فرنسا بالاعتراف بدولة فلسطين، بعد أحد عشر يومًا من القصف المميت على قطاع غزة ووقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم الجمعة الماضية.

وعلى الرغم من برودة الطقس في ساحة الجمهورية في باريس، غير أن التضامن مع الشعب الفلسطيني لم يضعف؛ حيث تجمع ما يقرب من ألف شخص يوم السبت الماضي، للمطالبة بالسلام في الشرق الأوسط، فوقف إطلاق النار الذي تم التوصل لن يقدم شيئًا لحل الصراع، وما الذي يمكن أن نتوقعه من حكومة إسرائيلية لا تنفذ أيًّا من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وأمام الحشد المتجمهر أمام تمثال ليوبولد موريس، قال باسكال توري، نائب رئيس القطاع الدولي للحزب الشيوعي الفرنسي: “ماذا نتوقع من رئيس الوزراء نتنياهو الذي يدعو للحرب الدائمة للبقاء في السلطة، ويضاعف الأعمال الإجرامية، ويطبّق سياسة الفصل العنصري واستعمار الأراضي المحتلة؟ لا شيء. بل الأسوأ من ذلك، أن اندلعت هجمات اليمين المتطرف في قلب القدس وفي عدة مدن إسرائيلية أخرى؛ ولذلك يجب على فرنسا أن تتحرك وتعترف بدولة فلسطين داخل حدود عام 1967”.

وكانت السلطات الفرنسية قد منعت العديد من التجمعات الأسبوع الماضي في باريس ونيس على وجه الخصوص. لكن هذه المرة، جرت التظاهرة تحت رقابة مكثفة من قبل الأجهزة الأمنية في العاصمة باريس. تقول إيزابيل، امرأة في الأربعينيات من عمرها: “إنه لأمر لا يصدّق ألا نستطيع في فرنسا التجمع للتعبير عن تضامننا مع شعب يعاني ويرى أطفاله يموتون تحت وطأة القصف، ومن الجيد وقف إطلاق النار”.

ووسط الكثير من الشعارات مثل “تعيش فلسطين” و”تنتصر فلسطين” و” كلنا أطفال غزة”، كان فيليب مارتينيز الأمين العام للاتحاد العام لعمال فرنسا حاضرًا أيضًا للثناء على شجاعة الشعب الفلسطيني، “الذي انتفض من أجل كرامته” وضد “الطرد التعسفي للأحياء بالقدس” و”الإذلال اليومي”.

وقال: “نحن ندعم الشعب الفلسطيني الذي بدأ موجة من المقاومة في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الضربة التاريخية التي قادها عرب إسرائيل وفلسطينيو القدس الشرقية والضفة الغربية، للتنديد بالاحتلال. ولكن ماذا يفعل المجتمع الدولي؟ ماذا تفعل القوى العظمى عندما تحتقر إسرائيل القانون الدولي وتنتهكه مرة أخرى؟ نحن نناضل من أجل إقامة سلام عادل ودائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الأمر الذي يتطلب الاعتراف بدولة فلسطين. كفى كلمات جميلة، يجب على فرنسا أن تتخذ إجراءً”.

وفي نيس وستراسبورغ وريمس وليل ودونكيرك، احتشد عشرات الآلاف من الأشخاص. يقول توماس الذي كان حاضرًا في التجمع في العاصمة: “توضح التظاهرات أن المواطنين الفرنسيين يريدون السلام، وأن على رئيسنا أن يتدخل في النهاية”.

وقال رئيس الجمعية الفرنسية للتضامن مع فلسطين: “هذه المعركة تهم كل من يلتزم بقيم العدل والكرامة والحقوق”. وإلى جانب السيناتور البيئي إستر بنباسا، من حركة مقاطعة عقوبة سحب الاستثمارات (BDS)، أعرب النائب بحزب فرنسا الأبية، إريك كوكريل، عن خجله “من حكومة لم تعد تعرف كيف تصيغ الكلمات الصحيحة عن الاستعمار الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية على الفلسطينيين؛ الأمر الذي يضع الشعب المستعمِر والشعب المستعمَر على قدم المساواة. هناك ظالم وهناك مظلوم، ويجب على فرنسا أن تتحرك، ونطالبها بالدعوة إلى فرض عقوبات دولية على الحكومة الإسرائيلية في الأمم المتحدة وأمام الاتحاد الأوروبي لاتنتهاكها القانون الدولي”.

وفي خارج فرنسا، شهدت بريطانيا العظمى والولايات المتحدة وكندا احتجاجات عديدة بالتزامن مع استئناف غزة للحياة على استحياء. حيث بدأت الأعمال التجارية في استعادة النشاط، وتم تنظيم دخول المساعدات الإنسانية. وبدأت أيضًا عملية إعادة إعمار القطاع الفلسطيني الذي دُمِّر جراء أحد عشر يومًا من الصراع.

عرب إسرائيل يرغبون في المساواة والاندماج

ورصدت جريدة “لاكروا” حالة التغير التي طرأت على الداخل الإسرائيلي، فخلال الحروب الإسرائيلية الفلسطينية الأخيرة، لم تمتد التوترات إلى داخل الدولة العبرية. لكن اليوم، يفسر التمييز وحساسية وضع القدس غضب جزء من عرب إسرائيل.

أين ذهب حُسن الجوار الذي كثيرًا ما كان يُشاد به في سان جان داكري أو يافا أو حيفا بشكل خاص؟ في معظم هذه المدن المختلطة، حلّت صور عمليات الإعدام خارج نطاق القانون والتخريب والاشتباكات في الأيام الأخيرة محل صور التعايش السلمي بين اليهود وعرب إسرائيل. وبالرغم من أن العنف يظل بعيدًا عن مستوى إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحماس على قطاع غزة ومحيطه، لكنه أثار الدهشة في إسرائيل؛ فبينما كانت الحكومة تدرس “مسألة اللحظة المناسبة لوقف إطلاق النار”، حاول الجميع فهم ذلك الأمر.

ومنذ الانتفاضة الثانية في أكتوبر 2000، تهنئ إسرائيل نفسها على ولاء مواطنيها العرب. وقد طمأن قادتها أنفسهم بكل سرور من خلال التأكيد على أنهم يعاملون بشكل أفضل في إسرائيل، الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. يقول عوفر برونشتين، رئيس منتدى السلام الدولي: “عندما كان يُسأل العرب الإسرائيليون عن رغبتهم في العيش في دولة فلسطينية محتملة، كان معظمهم يقول لا”. وبالرغم من اعتراف إيلان جريلسامر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة بار إيلان في تل أبيب، بوجود تفاوتات “اقتصادية واجتماعية” صارخة، إلا أن “دخل الفرد” للفلسطينيين أعلى بكثير في إسرائيل منه في الضفة الغربية أو في غزة.

رؤية إيجابية جديدة

ويلاحظ المؤرخ فريدريك شيلو أن مفاجأة اليهود الإسرائيليين ازدادت بشكل أكبر بسبب نشوب الاشتباكات بعد فترة من التقارب بين المجتمعات، فأزمة كورونا سلّطت الضوء على الدور الأساسي لمقدمي الرعاية من العرب الإسرائيليين، وأجبرت الأزمة السياسية الأطراف الإسرائيلية على التفكير في التحالف مع الزعيم الإسلاموي منصور عباس، فأي “رؤية جديدة” نعطيها لعرب اسرائيل وتكون “إيجابية” هذه المرة؟

وكيف يمكن إذن تفسير اندلاع اشتباكات بين شبان عرب ومتطرفين يهود بعد الاشتباكات في القدس الشرقية ثم التفجيرات في غزة؟ فإلى جانب حساسيتهم الشديدة لمصير القدس وساحة المسجد، يشير المراقبون أيضًا إلى وجود حالة من الإحباط المتزايد لدى بعض هؤلاء، ويعترف عوفر برونشتين أن “العلاقة بين اليهود وعرب إسرائيل تغلي منذ فترة طويلة؛ لأن اليهود يعتبرونهم مواطنين من الدرجة الثانية، وفي كثير من المناطق، لا يتمتعون بنفس الوسائل التي يتمتع بها مواطنوهم اليهود”.

لا مساواة.. ولا وجود للفصل العنصري

إن التشجيع الذي قدّمه بنيامين نتنياهو في السنوات الأخيرة لليمين المتطرف لا علاقة له بما حدث. يقول عوفر برونشتين المدافع المتحمّس عن السلام: “بدعم من المنظمات الإنجيلية الأمريكية، أقامت مجموعات صغيرة أولًا مدرسة دينية يهودية في أحد الأحياء العربية، ثم حاولت تدريجيًّا شراء ممتلكاتها من عرب إسرائيل الذين يمتلكون موارد أقل”. وفي الأشهر الأخيرة، ألقى تقريران لمنظمتين دوليتين غير حكوميتين الضوء على معاملة إسرائيل للأقليات العربية؛ ففي يناير الماضي، قال مؤلفا تقرير منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية: إن “النظام الإسرائيلي يسن نظام فصل عنصري على جميع الأراضي التي يسيطر عليها”، في إشارة إلى الأراضي المحتلة، لكنهما أشارا كذلك إلى أنه “على الأرض ذات السيادة الإسرائيلية، لا تتساوى بعض الحقوق الممنوحة للفلسطينيين كمواطنين إسرائيليين مع نظرائهم اليهود”.

وبعد بضعة أشهر، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش “السلطات الإسرائيلية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من فصل عنصري واضطهاد”. وفي هذا التقرير أيضًا نددت المنظمة غير الحكومية “بالتمييز المؤسسي” ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل مرة أخرى، بعد أن كان الجزء الأكبر من الاتهامات سابقًا يخص الأراضي المحتلة.

التحذير كان واضحًا

وبالنسبة لهؤلاء العلماء، ليس من المنطقي مقارنة الوضع في الضفة الغربية، لا سيما في المستوطنات، مع وضع الفلسطينيين في إسرائيل. يقول إيلان جريلسامر قاطعًا: “هناك تفاوتات وإحباطات، لكن لا يوجد فصل عنصري بأي حال من الأحوال”.

ويرى أنه من الضروري كذلك الحذر من ظاهرة الذئاب قائلا: “ليس عرب إسرائيل ككل هم من انخرطوا في التخريب، بل بالأحرى، أقلية من بينهم من الشباب المتأثرين بشكل خاص بالتهميش والتصغير”. وغالبًا ما يشارك هؤلاء الشباب في تجارة الأسلحة والمخدرات. وحتى لو تم احتواؤه، فإن التحذير ليس أقل وضوحًا بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي؛ فالدعوات المتعددة للوحدة التي انطلقت هذه الأيام، في شكل إعلانات تجارية من قبل الشركات أو المستشفيات التي يعمل بها العرب واليهود أثبتت ذلك، حيث يقر عوفر برونشتين قائلًا: “هذا العنف يشير إلى أن 20٪ من العرب الإسرائيليين لا يتمتعون بنفس الحقوق مثل الآخرين، ويجب تصحيح هذا الأمر”، معربًا عن أمله في شيء واحد فقط وهو: ألا تكون هذه بداية انتشار النار في الهشيم!

مصر وسيط لا غنى عنه في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

وفي السياق، أبرز موقع “فرانس تي في إنفو” أهمية الدور المصري. ففي مواجهة المأزق الدبلوماسي لإنهاء للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لاحت مصر كوسيط أساسي، ورئيسها عبد الفتاح السيسي الذي كان موجودًا في باريس للمشاركة في محادثات بين البلدين، يريد استعادة دور بلاده المؤثر في النزاعات الإقليمية.

وتتحدث مصر مع كلا المعسكرين، فباعتبارها قوة إقليمية كبيرة، وحليف رئيس للولايات المتحدة، هي أيضًا محاور لإسرائيل وداعم للسلطة الفلسطينية، ولها حدود مع الدولة العبرية وكذلك مع قطاع غزة. ويبدو أن القاهرة، التي لعبت دور الوسيط خلال الأزمات السابقة، ستكون أيضًا المحاور الرئيسي في هذا الصراع الجديد.

40 عاما من الحوار مع إسرائيل

في 26 مارس 1979، في واشنطن، وتحت رعاية الرئيس كارتر، وقّع الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن معاهدة سلام، هي الأولى بين دولة عربية والدولة العبرية قبل خمسة عشر عامًا من تطبيع العلاقات مع الأردن، و40 عامًا قبل التقارب مع الإمارات.

ثم وجدت مصر، التي كانت تتمتع بقيادة معينة في عهد عبد الناصر، نفسها معزولة، ومتهمة بعدم الدفاع بشكل كافٍ عن المصالح العربية، لا سيما فيما يتعلق بالاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وبلغت الكراهية حدًّا أدى إلى اغتيال السادات عام 1981. وظلت مصر مستبعدة من الجامعة العربية لمدة عشرين عامًا حتى عام 1989.

لكن على الرغم من كل شيء، وبمرور السنوات، تمكنت الجارتان من التغلب على جميع الاضطرابات الإقليمية. فمصر لم تتورط عسكريًّا قط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتمكنت من الموازنة بين رأيها العام، المتضامن بشكل كبير مع “الأشقاء” الفلسطينيين، والمصلحة المتحققة من هذا السلام الاستراتيجي المتبادل، بإقامة علاقات دبلوماسية من خلال سفارتها في تل أبيب.

الوساطة بين الفلسطينيين

وفي إطار ممارسة التوزانات الدائمة، أدانت وزارة الخارجية المصرية الأسبوع الماضي “بشدة” الاقتحام الجديد للقوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى المبارك. ويتمتع الرئيس السيسي بعلاقات ممتازة مع محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، الذي تتضاءل شرعيته بين الفلسطينيين بشكل متزايد، ومن ناحية أخرى، فهو معادٍ بشدة لحركة حماس الإسلامية، الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين، والذي يسعى لإضعافها في فلسطين كما في مصر، وهذا أحد أسباب إغلاق الحدود مع غزة وأنفاق التهريب في رفح التي كانت تشكّل ممرًا لتهريب السلاح.

وبشكل استثنائي، سمحت القاهرة يوم السبت 15 مايو، بمرور عشر سيارات إسعاف لإجلاء الجرحى الفلسطينيين في غزة وعلاجهم في مصر، وترى الجبهة الداخلية في مصر أنه يجب على النظام أن يعمل بشكل إلزامي من أجل “الإخوة الفلسطينيين”، وهو موضوع لا يزال شديد الأهمية في مصر، على الرغم من دعاية الدولة ضد الحركة الإسلامية.

وقبل وصول الرئيس السيسي إلى سدة الحكم، قامت مصر بلعب دور الوساطة بين الفلسطينيين أنفسهم. ففي عام 2005، على سبيل المثال، سمح إعلان القاهرة بإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية لإدماج حركتي حماس والجهاد الإسلامي؛ وجرت محادثات في أعوام 2008 و2010 و2011 و2012، ناهيك عن اتفاقيتي غزة والقاهرة لعام 2014، المتعلقتين بالمصالحة بين غزة ورام الله، بالإضافة إلى مؤتمر إعادة إعمار غزة الذي استضافته العاصمة المصرية أيضًا.

قطر والسعودية في اللعبة

لكن اليوم، لم تعد مصر الوحيدة التي تلعب دور الوسيط في المعسكر العربي، فالمملكة العربية السعودية، وكذلك قطر، المقربة من حماس، يبذلان جهودًا على الساحة الدبلوماسية أيضًا، وللدوحة على وجه الخصوص ممثل في غزة يعمل كسفير غير رسمي، كما أن الإمارة هي المساهم المالي الرئيسي للإدارة في القطاع الفلسطيني، وتعدّ أداة مهمة في محاولة جعل حماس تستمع إلى صوت العقل، كما انضمت كل من الأردن وألمانيا وفرنسا إلى نادي المفاوضين أيضًا؛ حيث صرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لمجلس الشيوخ في وقت مبكر جدًّا بأن بلاده تدعم الوساطة المصرية.

وقد أتاح المؤتمر الذي –  كان منعقدًا بشأن الإعفاء من ديون السودان يوم الاثنين الماضي والقمة حول الاقتصادات الأفريقية يوم الثلاثاء – فرصة للرئيس الفرنسي لجمع ما يقرب من 15 رئيس دولة أفريقية والعديد من القادة الأوروبيين والمنظمات الدولية في باريس، بالإضافة إلى تمثيل العديد من دول الخليج، وهذه فرصة ماكرون للقاء الرئيس السيسي لمناقشة شئون الشرق الأوسط. وعلى حد تعبير الإليزيه، فإن “الهدف يتمثل في وضع حد لدوامة العنف، ودعم الوساطة المستمرة لمصر والدعوة إلى ضبط النفس” في الشرق الأوسط.

لا خطر على اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية

وأجرت جريدة “ليزايكو” حوارًا حول التصعيد الفلسطيني الإسرائيلي الأخير مع سانام فاكيل، المتخصصة في شئون الشرق الأوسط بالمعهد الملكي للشئون الدولية في لندن، والتي ترى أن إسرائيل وحماس قد تشعران أنهما حصلا على مكاسب سياسية من الصراع الأخير، لكن هذا الأمر ليس واضحًا للحيلولة دون تصور تجدد القتال، ولا يبدو أن هذا الصراع يحمل خطرًا على المعاهدات الإبراهيمية بين إسرائيل والدول العربية.. وإلى أبرز ما جاء في الحوار:

هل انتهت الأزمة؟

لا، إنها فقط معلّقة؛ لأن الأسباب الأساسية للمواجهة لا تزال باقية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المكاسب المحتملة التي يمكن لكلا الجانبين إنهاء القتال على أساسها بشكل دائم، غير واضحة. لقد تكبدت حماس خسائر، لكنها في المقابل أظهرت، بفضل مخزون ترسانتها والتحسين في تقنياتها، قدرتها على مواجهة الجيش الإسرائيلي أفضل بكثير مما كانت عليه في عام 2014. ويمكن أن تكون أيضًا فخورة بهذا الأمر أكثر من أي وقت مضى، كما يمكنها أيضًا أن تستهدف الشعب الفلسطيني بشكل أكثر حزمًا من منافسها في حركة فتح محمود عباس.

أما إسرائيل فقد أظهرت تفوقًا عسكريًّا لا جدال فيه، مع وقوع إصابات قليلة جدًّا على أراضيها، وأثبتت التزامها الثابت بمواجهة حماس، ولكن كان عليها أن تواجه تحولًا في الرأي العام الدولي الذي اعترف لها في البداية بحق الدفاع عن النفس، ولكنه تأثر بالتطورات اللاحقة. والسؤال الأساسي يتمثّل في معرفة ما سيؤدي إليه كل هذا.. فهل يمكننا أن نتصور، على سبيل المثال، مبادرة عربية جديدة لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟

هل يمكن للصراع أن يهدّد التطبيع الجاري بين إسرائيل والدول العربية وخاصة الاتفاقات الإبراهيمية؟

قطعًا لا؛ حيث تتميز الاتفاقات الإبراهيمية بالمرونة، ومن المرجح أن تُثمر عن تطوير العلاقات الثنائية الاقتصادية والتكنولوجية وغيرها بين إسرائيل والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، إلخ. في المقابل، رأت حكومات الدول العربية المشاعر التي يشعر بها شعوبها، وخاصة من جيل الشباب، والتعاطف الغريزي الذي تشعر به تجاه الفلسطينيين بسبب ما يتعرضون له من ظلم في ظل غياب الحل، وسيتعين على هذه الحكومات أخذ ذلك في الاعتبار.

وبينما يتوافق التطبيع مع إسرائيل مع المصالح الوطنية للدول المعنية، لكنه يظل أيضًا مصاحبًا لجوانب عاطفية؛ بسبب عدم ثقة الشعوب العربية تجاه دعم الولايات المتحدة لإسرائيل. وفي هذا السياق، يمكن لبعض الدول العربية، مثل الإمارات العربية المتحدة، أن تلعب دور الوسيط.

هل ثمة تهديد لانتشار عدوى الصراع على المستوى الإقليمي أو حتى في الغرب في ضوء الأحداث المعادية للسامية، وخاصة في نيويورك؟

على المستوى الإقليمي، فإن المخاطر منخفضة للغاية، وليس لدى مختلف الجهات الفاعلة، من الدول أو غير الدول، شهية للصراع المفتوح وستفعل أي شيء لتجنبه. وحتى حزب الله، وبالتالي إيران، فإنهما حذران للغاية ولم يسعيا إلى التورط في الصراع. علاوة على ذلك، لا تزال المواجهة المحورية في الشرق الأوسط، بين طهران وإسرائيل، منحصرة في منطقة رمادية، أو في الفضاء السيبراني، أو في العمليات السرية وغير المنتظمة. أما بالنسبة لاحتمالية أن يؤدي هذا الصراع إلى تأجيج معاداة السامية في الغرب إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها؛ فهذه قضية حساسة ولن أخاطر بتشخيصها.

مصر تريد استعادة دورها التاريخي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

وأشارت جريدة “لوبوان” إلى حرص مصر على العودة إلى مكانتها في حل الصراعات في المنطقة. فمع اشتعال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تقوم القاهرة بوساطة لا يمكن الاستغناء عنها، وهذا الدور لا يعود تاريخه إلى الأمس.

لقاء السيسي وماكرون

وخلال اجتماعهما في قصر الإليزيه يوم الاثنين الماضي، استعرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون جهود الوساطة؛ حيث يوجد حاليًا وفد مصري على الأرض في إسرائيل والأراضي الفلسطينية لتشجيع الطرفين على وقف إطلاق النار. يقول خالد عكاشة، مدير المركز المصري للدراسات الاستراتيجية وعضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب في مصر: إن الوفد “مكون من مسئولين استخباراتيين، وهو موجود هناك منذ عدة أيام”، وأعرب عن ثقته في نتيجة المبادرة.

من جهته، يرى مايكل حنا، الخبير في مؤسسة سينشري فوانداشين بنيويورك، أنه “يجب مشاركة مصر ولا توجد وسيلة أخرى”؛ فإسرائيل فرضت حصارًا بحريًّا وبريًّا على قطاع غزة منذ أن سيطرت حماس عليه في عام 2007. ومعبر رفح الحدودي، على الحدود المصرية، هو المنفذ الوحيد بين القطاع العالم الذي لا تسيطر عليه إسرائيل. لكن بينما اعتادت وسائل الإعلام المصرية تصوير القطاع على أنه “بؤرة إرهابية”، أمر الرئيس عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي بفتح المعبر للسماح بعلاج جرحى غزة في المستشفيات المصرية وتقديم المساعدة الطبية.

يقول حنا: “هذه فرصة للقول بأن الولايات المتحدة ليست اللاعب الوحيد في المنطقة، بل هناك بلدان أخرى، ومصر لا تزال طرفًا مهمًّا”، مضيفًا أن “وقف إطلاق النار سيمر من خلال القاهرة”.

ديناميكية غريبة

ويرى حنا أن الدعم الشعبي للفلسطينيين في مصر شجع القاهرة على اتخاذ موقف أكثر حزمًا وأكثر صراحة ضد إسرائيل، على الرغم من معاهدة السلام عام 1979. وفي كلمة أمام مجلس الأمن الدولي، قال وزير الخارجية سامح شكري لإسرائيل، بأنه ينبغي عليها “تقديم التنازلات”، لكن مايكل حنا يرى أن “ثمة ديناميكية غريبة، فالقادة العسكريون لا يثقون في إسرائيل، لكنهم في نفس الوقت يتعاونون معهم”.

ربما يعجبك أيضا