الصحافة الفرنسية| ما وراء الدبلوماسية الصحية في الشرق الأوسط .. والتوازن المستحيل بين إسرائيل وإيران

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – محمد شما

لماذا يُعدّ الأسبوع المقبل حاسمًا لمعرفة مدى نجاح إنهاء الحجر في فرنسا؟ 

تساءل موقع "بي إف إم تي في الإخباري" عن الوقت الملائم للحكم على عملية إنهاء الحجر الصحي في فرنسا، فخلال الأيام القليلة المقبلة سنعرف مدى نجاح عملية إنهاء الحجر. وستحدد هذه التقييمات أيضًا نمط تنظيم الحياة اليومية للفرنسيين في الأشهر المقبلة. لقد كانت جميع المؤشرات المرتبطة بالفيروس التاجي من حالات الدخول الجديدة، والأَسرة في العناية المركزة، وأعداد الوفيات، خضراء لعدة أيام في جميع أنحاء فرنسا، باستثناء مايوت. لذا، فإن إنهاء الحجر الصحي يبعث بعلامات مشجعة، لكن المتخصصين لا يزالون حذرين بشأن مرض يمكن أن تصل فترة حضانته إلى 14 يومًا. لذا يعدّ الأسبوع المقبل حاسمًا فيما يخص احتمالية حدوث موجة جديدة من التفشي.
40 إلى 60٪ من السكان قد يكونون حصلوا على المناعة.

وفي اليوم الرابع عشر من إنهاء الحجر الصحي، تتجه البيانات المتعلقة بالوباء (الذي أودى بحياة 28.298 شخصًا في فرنسا منذ 1 مارس) نحو الانخفاض. ويستمر عدد مرضى فيروس كورونا الذين دخلوا العناية المركزة في الانخفاض. وبالمثل كانت البيانات الخاصة بالمناعة مشجعة أيضًا حيث تشير دراسة أمريكية نُشرت في مجلة سيل العلمية إلى احتمالية حصول نحو 40 إلى 60 ٪ من السكان على المناعة ضد كوفيد-19.

تفاوت

ولكن بحسب السلطات الصحية، فإن من السابق لأوانه الفرح بشأن هذه المؤشرات، حيث يقول دانيال ليفي برول، رئيس وحدة التهابات الجهاز التنفسي في هيئة الصحة العامة في فرنسا: إن "كل ما يمكننا ملاحظته هو أننا لا نرى اليوم إشارة تحذيرية، ولكن من السابق لأوانه أن نستخلص من هذه الملاحظة أن كل شيء سيكون على ما يرام".. وتابع قائلاً: "هناك فجوة بين ما نقيسه اليوم وبين دلالته: فما نقيسه اليوم لا يزال جنيًا لثمار الحجر الصحي". وتحذر السلطات أنه من الناحية الميكانيكية، يجب أن يؤدي إنهاء الحجر الصحي الذي بدأ في 11 مايو بالضرورة إلى زيادة أعداد الإصابات حيث تتضاعف عمليات الاتصال بين الأشخاص.

سيف داموقليس

ومن المحتمل أن تبدأ الزيادة في أعداد المصابين اعتبارًا من يوم الاثنين الموافق 24 مايو، أي بعد أسبوعين كاملين من بدء عملية إنهاء الحجر؛ ما يعني وفقًا لدانيال ليفي برول، أن "سيف داموقليس لاستئناف ديناميكية الوباء لا يزال موجودًا دائمًا، ويمكن أن يؤدي، في أسوأ السيناريوهات، إلى ضرورة إعادة الحجر الصحي".

وبالتالي، فستقوم الحكومة بفحص تقارير الصحة العامة في فرنسا للأيام القليلة القادمة عن كثب بهدف تحسين استراتيجيتها الخاصة بإنهاء الحجر لما بعد 2 يونيو. فكيف سيتم إعادة فتح الحانات والمطاعم والحدائق ومرافق قطاع السياحة؟ هل ستوجب السماح للفرنسيين بالسفر مسافة تتجاوز 100 كيلومتر؟ وغيرها الكثير من الأسئلة التي تنتظر السلطة التنفيذية إيجاد إجابة لها في الأيام القادمة لتكون قادرة على اتخاذ القرار النهائي.

ما وراء الدبلوماسية الصحية في الشرق الأوسط

من جانبه، ألقى موقع "أطلانتيكو" الضوء على إدارة عدد من دول الشرق الأوسط لأزمة كورونا، حيث كانت جائحة كوفيد-19 كاشفًا حقيقيَّا للقيم التي تحكم العالم. فبالنسبة لبعض الدول، كانت الأولوية للحياة، وبالنسبة لدول الأخرى، سادت الكارثة، ويعدّ الشرق الأوسط مثالًا جيدًا على هذا الصراع المرير بين "الحضارة والبربرية".

وعلى الرغم من أن وباء كوفيد-19 تسبب في إجهاد الكوكب، بيد أنه سهّل التقارب الذي كان من الصعب تخيله في الأوقات العادية. وهذا هو الحال في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني عدم الاستقرار المزمن، حيث جعل التهديد المشترك للوباء من الممكن كسر بعض العقبات التاريخية عبر التعاون الطبي المثالي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على عكس النظام الإيراني الذي لم يفعل شيئًا يُذكر لحماية مواطنيه، بل على العكس من ذلك، سهل من انتشاره من طهران إلى بيروت عبر أتباعه.

إسرائيل والسلطة الفلسطينية وغزة والآخرون

وعلى الرغم من الخلافات السياسية المستمرة، كان التعاون الطبي والأمني بين رام الله والقدس مثاليًا وأشادت به جميع الهيئات الدولية، حيث ساد مبدأ الأمر الواقع بدلًا من الأيديولوجية. لأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن تشابك السكان سيشكّل خطرًا وجوديًّا على الشعبين.

والواقع أنه منذ اتفاقيات أوسلو، كانت المنطقتان (أ) و(ب) من الضفة الغربية تتمتعان بالاستقلالية وتحت سيطرة السلطة الفلسطينية، بينما تقع المنطقة ج، التي تضم غالبية المستوطنات اليهودية، تحت الإدارة الإسرائيلية.

والأكثر إثارة من ذلك، أن التعاون الاستراتيجي بين الدولة العبرية ودول الخليج العربي، قد جرى تعزيزه بشكل كبير تحت وطأة إلحاح الأزمة الصحية، من أجل تبادل المعرفة بأسرع ما يمكن. فللمرة الأولى، تم الربط بين الإمارات العربية المتحدة وتل أبيب برحلة طيران رسمية من أجل تقديم المساعدة الطبية للفلسطينيين.

ولكن هذا التعاون الوثيق لم يغير نبرة الخطاب السياسي. فرئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، يتهم الإسرائيليين بأنهم مسئولون عن الوباء، وحتى بعض أئمة غزة يتحدثون عن "العقاب الإلهي". كما أن هذه الفترة لم تكن خالية تمامًا من أعمال العنف ونيران الصواريخ بهدف تقويض الجهود المبذولة لجمع الناس من خلال "الدبلوماسية الصحية".

إيران ومساعدوها

فيما يتعلق بإيران، سادت اعتبارات أخرى. ففي ظل الافتقار إلى الشرعية، وبعد تطهير المرشحين من الشخصيات المعتدلة، أخفى نظام الملالي خطورة الوباء من أجل الحفاظ على موعد الانتخابات التشريعية في فبراير ولكنه لم ينجح. وفي مواجهة معدل المشاركة المنخفض تاريخيًّا، والذي بدا وكأنه هزيمة حقيقية، أدان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، "أعداء إيران" و"الدعاية السلبية" حول جائحة كوفيد-19. وبالتالي، فقد كانت إدارة إيران للأزمة الصحية كارثية. وكشفت صور الأقمار الصناعية عن حجم الكارثة وأظهرت مقابر جماعية ضخمة حيث توقفت السلطات عن تسجل أعداد القتلى، وزادت عدم ثقة النخب في القادة من رجال الدين الشيعي.

لكن المهزلة لم تتوقف عند هذا الحد بل واصل حراس الثورة الإسلامية، من أجل الحفاظ على سيطرتهم الإقليمية. وعلى الرغم من مخاطر تفشي الوباء، تحركاتهم دون أي رقابة طبية، وقاموا بتسليم الأسلحة على طول المحور الشيعي، من طهران إلى البحر الأبيض المتوسط. وبدلًا من السعي للاستفادة من الفوضى الناتجة عن الوضع الصحي، حدث العكس.

وتسبب هذا السلوك في تفشي العدوى في كل مكان في طريقهم؛ ما أثر على أعضاء الميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران إلى أعلى مستوى، حتى حزب الله في سوريا ولبنان. وفي مواجهة هذا الفشل الذريع وخوفًا من قضاء الوباء على القائمين على برنامجها النووي، أبطأت السلطات الإيرانية تطوير برنامجها النووي مؤقتًا، دون الإعلان عن إنهاء مساعيها لامتلاك السلاح النووي، والدليل هو الاختبار الأخير لصاروخ باليستي عابر للقارات تحت غطاء برنامج الفضاء المدني وبالرغم من حظر الاتفاقيات الدولية لهذه الاحتبارات.

وبالإضافة إلى الهجمات بالوكالة التي تستهدف أعضاء التحالف الدولي أو الولايات المتحدة أو إسرائيل، تهدد سياسة الهيمنة الفارسية بشكل مباشر المصالح السورية والروسية. وقد عزز هذا الوضع غير المسبوق التنسيق بين واشنطن وموسكو والقدس مع إمكانية اتخاذ إجراءات ضد البرنامج النووي العسكري لطهران، قد تتخذ شكل إجراءات تكنولوجية واسعة النطاق. في الواقع، إذا اعتادت إيران على القرصنة عبر الإنترنت، فإن الهجوم الأخير على نظام إدارة المياه الإسرائيلي الحيوي والاستجابة الفورية والنيزكية للجيش الإسرائيلي دفعت المنطقة إلى الدخول في حرب سيبرانية. وبعد تحييد الهجوم الإيراني على إسرائيل، قام علماء كمبيوتر إسرائيليون بإبطال مفعول أكبر مرفق فارسي كبير ضروري للبقاء الاقتصادي للبلاد. ويوضح هذا الرد، الذي لم يتسبب بخسائر بشرية ولم يكن ليتحقق دون موافقة القوتين العظميين، ما قد يحدث في حال أراد نظام الملالي تحقيق رغبتهم في إنهاء إسرائيل كما وعد المرشد الأعلى مؤخرًا. وبلا خجل، تطلب إيران مساعدة مالية من المجتمع الدولي للتعامل مع الوباء، بينما تنفق مليارات الدولارات على الجيش، على حساب السكان المحتاجين، لكي تتخذ موقفًا محتجًا في مواجهة العقوبات الأمريكية غير المبررة.

الاتحاد الأوروبي والتوازن المستحيل بين إيران وإسرائيل

من المدهش أن نلاحظ أنه على الرغم من الحقائق الجلية، يسمح البعض لأنفسهم بالإصغاء لصفارات الإنذار الفارسية. وهكذا، اختار جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، زيارة طهران في إحدى أولى رحلاته. ولدى عودته، أدلى بتصريح مثير للانتقاد تجاه الدولة العبرية، بينما لم يتلق أي مذكرة للقيام بذلك. ومع ذلك، لا يوجد نقص في الملفات ذات الأهمية الأساسية لديه، حيث كشفت إدارة الأزمة الصحية عن نقاط الضعف في الاتحاد الأوروبي، من بينها عدم وجود تضامن مع الدول الأكثر تأثرًا مثل إيطاليا، وثغرات النظم الصحية، ونفاذ المنتجات الأساسية، والاعتماد المفرط على الصين، وإعادة تشغيل الاقتصاد مع تحمل نتائجه الطبيعية. كما يمكن أن نذكر أيضًا الملف القبرصي المنسي كثيرًا والذي يهدد إلى حد كبير المصداقية الأوروبية. فبينما يقع شمال الجزيرة تحت الاحتلال العسكري التركي، لم يفعل الاتحاد الأوروبي سوى القليل للدفاع عن أحد أعضائه.

كل هذه القضايا، وغيرها الكثير، تؤثر على مستقبل ما يقرب من 450 مليون مواطن أوروبي. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن هناك أولوية أخرى آخذة في الظهور. حيث قررت فرنسا وإسبانيا، إطلاق مبادرة لمعاقبة الدولة العبرية إذا قامت بتنفيذ خطة السلام الأمريكية. وبدلًا من التمهل حتى تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بعد أطول أزمة سياسية في البلاد، يتم بالفعل النظر في مجموعة واسعة من العقوبات. في الواقع، من المحتمل أن يقوم الاتحاد الأوروبي باستهداف دونالد ترامب الذي لا يحظى بشعبية كبيرة؛ حيث تتمثل الفكرة في استعادة الزخم حول مشروع مشترك معارض لأمريكا بهدف بناء الاستقلال الاستراتيجي. ومع ذلك، فإن هذا النهج لن يؤدي بأي حال إلى حل المشاكل الهيكلية لأوروبا. والأسوأ من ذلك، أنه قد يؤدي إلى تفاقم الخلافات القائمة وخلق انشقاقات جديدة، ما دام لا يوجد إجماع حول هذه الموضوعات.

الاتحاد الأوروبي ورؤيته للقادم في الشرق الأوسط

وإذا كانت أوروبا تريد أن تساهم بصدق في حل نزاعات الشرق الأوسط، فعليها أولًا أن تحل تناقضاتها وأن تجري تحليلًا واقعيًّا لثمار سياستها الخارجية، من الحقبة الاستعمارية حتى يومنا هذا؛ لأن جزءًا من النزاعات الحالية هو ثمرة الحدود التي ساعدت أوروبا على تشكيلها لمصلحتها الحصرية، مسترشدة بمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية والطاقة. وبعد ذلك، سيكون من الضروري الامتناع عن أي اعتبارات سياسة داخلية بالرغم من إغراء التدخل الخارجي، حتى يكون الاتحاد مفيدًا لجميع الأطراف المعرضين لخطر التهميش، والامتناع عن اقتراح حلول غير فعّالة للمشكلات المركبة.

إيطاليا وويلات إنهاء الحجر الصحي

بسبب تصاعد حالات العدوى في العمل، وعدم احترام التباعد الجسدي، ونقص الأقنعة، شهدت عملية استعادة النشاط في إيطاليا بعض الإخفاقات. وتساءل كثيرون: هل تسير إيطاليا على طريق الغفران؟ وبعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع من بدء تفكيك الحجر الصحي، سار منحنى تفشي الوباء بنمط يكفي لطمأنة البلاد. يقول سيلفيو بروسافيرو، رئيس المعهد الإيطالي العالي للصحة: "تظهر البيانات كيف نجحت الإجراءات المتخذة، حتى في المناطق التي كان شهدت انتشارًا شديدا للفيروس". ومن حسن الحظ أيضًا، انخفض عدد المرضى الذين دخلوا إلى العناية المركزة نهاية هذا الأسبوع إلى أقل من 600 حالة، وهو مستوى لم تصل إليه إيطاليا منذ 7 مارس الماضي.

تفاؤل لا يتحلى به الجميع في شبه الجزيرة الإيطالية، حيث أعربت مؤسسة جيمبي، المتخصصة في الشئون الصحية، بشكل خاص على قلقها بسبب انخفاض عدد الفحوصات التي أجريت في نصف مناطق إيطاليا تقريبًا خلال "المرحلة الثانية" مقارنة بالأسابيع الأولى من الأزمة الصحية. ويقول الطبيب نينو كارتابيلوتا، رئيس المؤسسة: "إن عدد الحالات الجديدة يتأثر بشكل مباشر بعدد العينات المأخوذة في الأقاليم التي بدت بالنسبة للبعض، مترددة في هذا الشأن. فلماذا هذا التردد؟ ربما بسبب الخوف من رؤية الحالات الجديدة تتزايد بشكل كبير؛ ما سيجبرهم على تطبيق إجراءات تقييدية جديدة".

تزايد حالات العدوى في أماكن العمل 

وهناك مؤشر آخر مثير للقلق في مرحلة إنهاء الحجر الصحي يتمثل في تزايد حالات العدوى في أماكن العمل بشتى أنحاء البلاد. فوفقًا للبيانات الصادرة عن المعهد الوطني للتأمين ضد الحوادث في العمل، سجلت إيطاليا بالفعل 6 آلاف حالة جديدة معظمهم من العاملين في القطاعات الطبية والصحة الاجتماعية، بما في ذلك 40 حالة وفاة، وذلك خلال أسبوعين فقط من شهر مايو.

لكن خيار استئناف النشاط يُعدّ، وفقًا لجوزيبي كونتي رئيس مجلس الوزراء الإيطالي، "خطرًا محسوبًا يجب قبوله". وقال رئيس السلطة التنفيذية إن الحجر الصحي لا يمكن أن يستمر دون تشكيل خطر على لا يمكن إصلاحه النسيج الإنتاجي والاجتماعي. وهكذا، اتخذت الحكومة الإيطالية تحت ضغط حكام الأقاليم، خطوة أخرى نحو "عودة الحياة إلى طبيعتها" من خلال السماح بإعادة فتح الحانات والمطاعم في جميع أنحاء البلاد اعتبارًا من 18 مايو أي قبل أكثر من أسبوعين من الموعد المحدد.

وبالنسبة لهذا القطاع، الذي تأثر بشكل كبير بسبب الحجر الصحي، فإن عملية استعادة النشاط مشوبة بالإخفاق. في الواقع، بينما تعمل المناطق النائية من المدن الإيطالية الرئيسية على استئناف النشاط ببطء ولكن بثبات، فضلت العديد من المؤسسات تأجيل إعادة الافتتاح. وهكذا لم يفتح سوى مطعم واحد من كل أربعة في روما حيث ينتظر الباقون عودة السياحة مع بداية شهر يونيو والتي تشكل مصدرًا حيويًّا لدخلهم النقدي.

العرق البارد

لقد تسببت إعادة فتح الحانات هذا الأسبوع، ببعض العرق البارد لدى الحكومة، حيث يستحيل نسيان صور بعض المدرجات والأماكن العامة بسبب تجاهل قواعد السلامة الصحية في كثير من الأحيان. ومن الناحية التنفيذية يقول جوزيبي كونتي: "في هذه المرحلة، سنرى اللون الأحمر أكثر من أي وقت مضى، وسيتوجب احترام مسافات الأمان، وسيظل الإبقاء على استخدام الأقنعة أمرًا أساسيًّا. فهذا ليس الوقت المناسب لإقامة الحفلات والحياة الليلية والتجمعات".

وشاركه في هذا الغضب العديد من المسئولين المنتخبين المحليين، الذين اضطروا إلى اتخاذ إجراءات حيال هذا الأمر. وهكذا فضّل عمدة بريشيا – واحدة من المدن الأكثر تضررًا من كوفيد-19، بعد يوم الجمعة المزدحم للغاية، إغلاق المنافذ المؤدية إلى الساحة الرئيسية "لبؤرة إيطاليا" في أمسيات نهاية الأسبوع. كما وعد لوكا زيا، رئيس فينيتو، بإلقاء نظرة فاحصة على منحنى التفشي وهدد أنه: "في حال ارتفعت الأعداد، فسيتم غلق الحانات والمطاعم والشواطئ وسيتم اللجوء إلى الحجر الصحي في المنزل مرة أخرى".

أما الفشل الآخر الذي عانت منه شبه الجزيرة الإيطالية في هذه المرحلة الثانية فيتمثل في نقص المعدات الوقائية للأفراد. فوفقًا لمسح أجراه معهد أبحاث الاستهلاك، فإن الأقنعة الجراحية المسعرة بقيمة 50 سنتًا، التي وعدت الحكومة بإتاحتها في نصف نقاط البيع، وقفازات اللاتكس متاحة في واحد من كل سبعة منافذ. ويأسف التقرير لكون هذه البيانات غير مشجعة بهذا الصدد.

من الجزائر إلى السعودية.. رمضان بنكهة الحزن

سلّطت جريدة "لاكروا" المتخصصة في الأديان، الضوءَ على الأجواء الرمضانية لهذا العام، حيث أدى إغلاق المساجد إلى تغيير عادات الشهر الكريم في معظم الدول الإسلامية. ففي المملكة العربية السعودية والعراق وتركيا ولبنان والجزائر واليمن، عانى المؤمنون من صعوبة التكيف. 

ولم يتخيل "رشاد محمد" أن يعيش رمضان بمثل هذا النمط الغريب، وبالنسبة لهذا المحاسب السعودي الذي يعمل في فنادق كبيرة في مكة ويعمل عن بعد منذ بداية الحجر الصحي، فإن مشهد ساحة المسجد الحرام وهي فارغة بالكامل محزن للغاية. ولكن، لحسن الحظ، كان بإمكاننا سماع تلاوة القرآن من منزلنا بفضل مكبرات الصوات بالرغم من الصور التي بُثت على شاشة التلفزيون وتظهر إمامًا ومن خلفه ثلاثة أو أربعة أشخاص، لا أكثر".

وشأنه شأن العديد من المسلمين الآخرين حول العالم، يرى محمد أن "كل شيء تغير". خاصة خلال العشر الأواخر من الشهر الكريم، حيث كان يؤدي الصلاة في السابق في المسجد. واستكمل قائلًا: "أشعر أننا جميعًا أسرى هواتفنا المحمولة وتطبيق واتساب".
ليالي رمضان القاتمة لهذا العام

أما أمين، المواطن الجزائري من مدينة تلمسان ذات الماضي التاريخي الغني، فيشاركه نفس الشعور حيث يقول: "لا أتذكر أنني عشت رمضان يكسوه الحزن مثل هذا العام، خاصة في المساء وبعد الإفطار. فالليالي الرمضانية، التي كانت عادة جميلة في الإسلام وفرصة وحيدة للمسلمين للخروج ليلًا صارت قاتمة.  وصار الجميع الآن أمام أجهزة تلفازهم أو هواتفهم الخلوية. والشركات التي تبيع حلوى الزلابية والهريسة، والمعجنات المشهورة خلال هذه الفترة، تخدم عملاءها من خلال الأبواب الخلفية فقط".

ويتميز شهر رمضان الكريم بالامتناع عن الطعام والشراب من شروق الشمس إلى غروبها، وعادة ما يعد هذا الشهر بمثابة احتفال بنزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم ولم الشمل. لكن هذا الاحتفال توقف هذا العام بسبب الإجراءات التي اتخذتها العديد من البلدان لمكافحة الوباء. وحتى عيد الفطر لهذا العام قد مر وحيدًا على العديد من المؤمنين.

الحرمان من الروابط العائلية

لكن الحرمان من الروابط العائلية هو ما يؤثر بشكل خاص على مها، المواطنة اللبنانية البالغة من العمر 70 عامًا، والتي تعيش في جنوب لبنان. حيث لم تر هذه الجدة ابنتها التي تعييش في نفس القرية. وعادة، ما يعود بعض إخوانها وأخواتها الذين يعيشون في أفريقيا أو أوروبا إلى قريتهم في هذا الشهر الكريم. وتقول السيدة اللبنانية: "مع فيروس كورونا، تم حظر الجميع في المنزل، إنه أمر محزن".

ومن خلال "تخفيف الضغط الاجتماعي"، أفاد الحجر بلا شك أولئك الذين لا يصومون، والذين عادة ما يضطرون للاختباء أثناء هذا الشهر. لكن بالنسبة لأولئك الذين يتمسكون بالفريضة كان عليهم أن يجدوا طريقة لأدائها بالرغم من افتقاد الدعم المجتمعي. أما "فاطمة أبو أوصبة"، امرأة متدينة وأم تعيش في صنعاء، ففضلت عرض "تسجيلات قديمة لتلاوات القرآن في المسجد الحرام بمكة" بدلاً من مشاهدته فارغًا على شاشة التلفزيون. كما استغلت أيضًا شهر رمضان لنشر التعليمات حول مكافحة فيروس كورونا في محيطها.

تجاوز الفراغ الناتج عن الحجر

في المسجد، حيث كان زوجها قادرًا على الذهاب إليه، طُلب من المؤمنين التحرك مسافة متر واحد. ولكن في بلاده التي تعيش صدمة نفسية بسبب خمس سنوات من الحرب، يبدو الفيروس في بعض الأحيان بعيدًا، خاصة عن الأكثر فقرًا. وبالنسبة لصالح عبد المجيد، الجد البالغ من العمر 45 عامًا، يبقى البرنامج كما هو: "نوم خلال النهار لتقليل الشعور بالجوع، ثم الإفطار على المنتجات القليلة التي عاد بها ابنه من السوق من خبز منقوع في زبادي بنكهة مع الزعتر وقليل من السلطة والطماطم والفلفل".

التضامن والمشاركة

وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمة الاقتصادية وينفجر الفقر والتضامن والمشاركة، فإن الأبعاد الأساسية لرمضان قد تأثرت سلبًا بسبب الحجر. يقول هاكان بيلجين، المنسق المحلي لأطباء العالم في تركيا: "يعد هذا الشهر بمثابة فرصة يزور فيه الناس بعضهم البعض، وتصنع المساجد موائد مفتوحة في المساء للفقراء". ومن بين العواقب الوخيمة للحجر: "وجد السوريون أنفسهم في عزلة في منازلهم الأكثر عزلة. وجرى منعهم من الاختلاط مع الأتراك حتى باتو غير قادرين على العثور على وظائف تدعمهم. وباتت العواقب هائلة، اقتصاديًّا ونفسيًّا وحتى بشريًّا".

ومن العراق، يقول جهاد الأسدي: "في العراق، حيث تعصف البطالة، لا يزال مئات المتطوعين قادرين على التعبئة من أجل توزيع السلع الأساسية على الفقراء". أما فيما يخص الزيادة في أسعار المواد الغذائية المعتادة خلال هذا الشهر، قالت مها من جنوب لبنان: "هذا العام الزيادة لا تصدق. وأعرف من بعض أصدقائي أن بعض القرويين بالكاد لديهم ما يكفي من الطعام. وعندما أستطيع، أرسل الأطباق التي أعددتها للعائلات التي أعرفها حتى يتمكنوا من الإفطار بشكل كريم".

وفي تلمسان بالجزائر، قام متطوعون، معظمهم من النساء، بالطهي في المنزل وجمعوا الأموال من جيرانهم أو عبر الإنترنت لطلب وجبات ساخنة يقدمونها كل ليلة إلى المستشفى في حالة من التضامن الجميل الذي يجب بلا شك أن يستمر إلى ما بعد رمضان.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا