الصحافة الفرنسية| هل تعني صفقة القرن تصفية القضية الفلسطينية؟ والاتحاد الأوروبي غير مقتنع!

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – محمد شما

خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط.. نحو مهزلة القرن

تصدرت "صفقة القرن" عناوين الصحف الفرنسية لهذا الأسبوع، فتحت عنوان: "خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط: نحو مهزلة القرن" استعرضت صحيفة "لوبوان" تحليلها لآخر مستجدات الوضع من انتخابات جديدة في إسرائيل وبداية الحملة الرئاسية الأمريكية، وعدم وجود ممثل للدولة الفلسطينية، وهي أمور تضع الخطة الأمريكية في مأزق.

انتظار طويل أوشك على الانتهاء؛ فبعد مرور عامين على إعلان دونالد ترامب عن "صفقة القرن" لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الشائك، كان من المفترض أن يتم الإفصاح عنها بداية شهر يونيو الجاري. وكان جاريد كوشنير مهندس الصفقة المبتدئ في الدبلوماسية، قد أعد كل شيء بعناية وسافر إلى القدس بعد موعد تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو نهاية شهر مايو.

وانتهى الاجتماع الذي عُقد بالفعل بين كوشنير ونتنياهو بإصدار بيان صحفي عن رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته قال فيه: "بالرغم من الحادث البسيط الذي طرأ في الليلة الماضية، إلا أن هذا لن يوقفنا"، في إشارة إلى تجاوز الفشل الذي لحق به في عملية تشكيل الحكومة من ائتلاف الحزب اليميني المتطرف والأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة؛ ما اضطره للضغط لحل الكنيست. الحدث الطارئ سيؤدي إلى إجراء انتخابات في شهر سبتمبر المقبل، بينما تبدأ بالفعل حملة دونالد ترامب الانتخابية الرئاسية في 18 يونيو الجاري.

من جانبه، قال "دينيس شاربيت"، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المفتوحة بإسرائيل: "لقد باتت استراتيجية دونالد ترامب وجدولها الزمني معرّضة للخطر؛ حيث لن تتشكل الحكومة الإسرائيلية قبل شهر أكتوبر أو نوفمبر من العام الحالي، بينما سيشهد العام المقبل الانتخابات الأمريكية". ومن الصعب تصور أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، المنشغل بالحملة الانتخابية القادمة، يتفاوض بشأن اتفاق سلام مع  الفلسطينيين، تمامًا كما يصعب أيضًا على الحكومة الأمريكية المجازفة برصيدها السياسي بالعمل على هذه المسألة المعقدة في السنة التي ستشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية".

"من السلام إلى الإزدهار"

وفي حين تأكد تأجيل الشق السياسي من "صفقة القرن"، فقد أشارت الولايات المتحدة إلى التزامها بالمؤتمر الخاص بالشق الاقتصادي للخطة والذي تنظمه البحرين يومي 25 و26 يونيو الجاري. وتهدف هذه المبادرة، التي تحمل عنوان "من السلام إلى الازدهار" إلى تبادل الأفكار ومناقشة الاستراتيجيات وتشجيع دعم الاستثمارات والمبادرات الاقتصادية المحتملة والممكنة بموجب اتفاق السلام المزمع". ويقول شاربيت إن "إسرائيل سوف تحضر إلى المؤتمر وهي في أوجّ استعدادها؛ لأن المؤتمر يصب في تحقيق غاياتها؛ ويرغب بنيامين نتنياهو في إظهار مدى استعداده لإقامة علاقات مع الدول العربية المعتدلة".

من جانبهما، أعلنت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اعتزامهما المشاركة في مؤتمر المنامة، حيث يقول كريم إيميل بيطار، أستاذ مساعد للعلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت، والباحث بالمعهد الفرنسية للعلاقات الاستراتيجية والدولية بفرنسا: إن "السعوديين يحاولون الآن جمع كل البلدان الخليجية تحت راية واحدة، ومع ذلك، فإن كلًّا من وليَّي العهد السعودي والإماراتي مستعدان لمتابعة خطة كوشنير، بخلاف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، اللذين سيترددان كثيرًا في تأييدهما لهذا النوع من القرارات ما دام لم يتم احترام الحقوق الأساسية للفلسطينيين".

معجزة أم سراب؟

لم يكن مستغربًا أن يعلن الفلسطينيون غيابهم عن اجتماع المنامة؛ حيث حذر صائب عريقات، الأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية، من أن "محاولات تعزيز تطبيع اقتصادي للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين سيكون مصيرها الرفض"، كما رفض العديد من رجال الأعمال الفلسطينيين الذين تمت دعوتهم الحضور أيضًا. يقول كريم إيميل بيطار: "يعود رفض الفلسطينيين لهذه المبادرة، لتكرار محاولات إيجاد حل اقتصادي يسهم في نسيان الأزمة السياسية: مع شيمون بيريز في أوائل التسعينات، وتحت قيادة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في الألفينيات، ومع ذلك تحولت المعجزة الاقتصادية الموعودة في كل مرة إلى سراب!
وسيظل الوضع على ما هو عليه مادامت القضايا الأساسية كاللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس لم تحل".

الإملاء

أما بالنسبة لجيسون جرينبلات، مستشار دونالد ترامب للشرق الأدنى، فسيرتكب الفلسطينيون "خطأ" إذا لم يأتوا إلى المنامة. حيث يقول: "ليس لديهم ما يخسرونه، وهناك الكثير ليربحوه في حال انضموا إلينا"؛ لأن الاجتماع يهدف إلى تغيير حياة الفلسطينيين كمرحلة أولى من العملية التي تهدف في الأخير إلى التوصل إلى اتفاق سياسي بين الطرفين.

بيد أن المشكلة هي أن دونالد ترامب أدار ظهره بالفعل للجانب الفلسطيني عبر استبعاده القدس من طاولة المفاوضات؛ وذلك عندما اعترف بالمدينة المقدسة عاصمةً لإسرائيل في شهر ديسمبر عام 2017؛ الأمر الذي علقت على إثره السلطة الفلسطينية جميع المحادثات، واتهمت الولايات المتحدة بالتحيز لإسرائيل، لذا قامت واشنطن بمعاقبتها وأنهت تمويلها للسلطة الفلسطينية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا). وبعد هذا الإجراء، تعتزم واشنطن إعادة النظر في أوضاع خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.

ويقول كريم إيميل بيطار: "لقد انحازت إدارة ترامب، بلا أخلاق، إلى أكثر مواقف السياسة الإسرائيلية تطرفًا دون أن تدرك أن الفلسطينيين، فضلًا عن ضعف موقفهم، لا يستطيعون قبول عرض في صورة إملاء، ومادام يتم التعامل مع كرامة الفلسطينيين باستخفاف فسيكون مصير صفقة القرن الفشل الذريع".

تسجيل مسرب

وبالرغم من عدم الإعلان بعد عن التفاصيل الدقيقة للخطة الأمريكية إلا أن جاريد كوشنير أفصح عن بعض خطوطها الرئيسية، حيث أعلن أن خطة السلام هذه ستختلف تمامًا عن خطط السلام الإسرائيلية – الفلسطينية السابقة، وستُنهي "حل الدولتين" الذي يطالب به المجتمع الدولي منذ سبعة عقود. وأكد كوشنير، الذي اشتهر عنه قربه من رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن خطته "تتناول العديد من الأمور بطريقة أكثر تفصيلًا من أي وقت مضى". كما تجاهل مرة أخرى اتفاقات أوسلو لعام 1993، مشككًا في قدرة الفلسطينيين على حكم أنفسهم بأنفسهم دون تدخل إسرائيلي.

لقد انقضت سنتان منذ أن نشرت الصحافة الأمريكية والإسرائيلية تسريبات للخطة تحمل تفاصيل دقيقة وتقدم فكرة عامة عن النص النهائي. ويقول أحد الخبراء في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني (رغب في البقاء مجهول الهوية): "الاتجاه العام للخطة هو عدم منح الفلسطينيين السيادة على القدس، وعدم تفكيك كتل المستوطنات الإسرائيلية وضرورة الحفاظ على الوجود الإسرائيلي على بقية الأراضي من أجل تأمين الفلسطينيين". لكنه استدرك: "لكن مع استحالة التفاوض مع الإسرائيليين في هذا الوقت، وضعف احتمال أن يعلن ترامب خطته بالتزامن مع حملته الانتخابية الرئاسية، وعدم وجود ضغط قوي من الجانب الفلسطيني، فمن المرجح جدًّا ألا ترى الخطة النور قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة." وقد تعززت الشكوك حول جدوى "صفقة القرن" بعد كشف صحيفة (واشنطن بوست) عن تسجيل مسرب لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو أعرب فيه، أمام المنظمات اليهودية الأمريكية، وعشية الإعلان عن حل الكنيست، عن مخاوفه من التشكيك في الخطة واعتبارها "غير قابلة للتطبيق".
 
خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط في مأزق

وبرز اهتمام الصحافة البلجيكية أيضًا البالغ بصفقة القرن، حيث نشرت جريدة ليكو البلجيكية تحليلًا لوجهات النظر المتباينة بين الجانبين الأوروبي والأمريكي بشأن الصفقة، وذهب جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي هو بالكاد مقتنع بخطة السلام بين إسرائيل وفلسطين، إلى بروكسل للدفاع عنها أمام المفوضية الأوروبية المتشككة أصلًا فيها. وفي حين يناسب الوقت إسرائيل لمناقشة الخطة، يُعرّض غياب الفلسطينيين والانتخابات المقبلة مشروع كوشنير للخطر. ومن البحرين سيعلن كوشنير الشق الاقتصادي في خطته لحل هذا الصراع العصيب، وبالنسبة للولايات المتحدة، يعدّ دعم أوروبا لهذه العملية أمرًا حيويًّا.

"أفكار" كوشنير

لقد بدأت تتضح الخطوط التفصيلية للخطة، حيث ستتوقف الولايات المتحدة عن الدعوة إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي خطوة للوراء في مسيرتهم التي استمرت لأكثر من عشرين عامًا سعيًا للسلام. ويخالف هذا الموقف موقف الأوروبيين الذين يُفضّلون حل الدولتين، وبالإضافة إلى ذلك، ستعترف الخطة بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، في حين يحصل الفلسطينيون في المقابل على عشرات المليارات من الدولارات لاستثمارها في إعادة إعمار غزة والضفة الغربية.

ولعدم قناعتهم بالخطة، لن يشارك الفلسطينيون في مفاوضات البحرين المقبلة بشأن الخطة، فيما يسافر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى البحرين، آخذًا في الاعتبار الاعتراضات التي قد تأتي من حلفائه من اليمين المتطرف؛ حيث تمثل الانتخابات الجديدة في إسرائيل تحديًا رئيسيًا. وسيتسبب غياب الفلسطينيين عن هذا الاجتماع في وضع الخطة الأمريكية في مأزق وتعطل أجندة دونالد ترامب، الذي وعد بإتمام الصفقة.

ولهذا يؤكد عوزي دايان، أحد المفاوضين في اتفاقية السلام مع مصر والنائب عن حزب الليكود الإسرائيلي، أنه من المؤيدين للخطة ولا يرى أن الفلسطينيين يرغبون بالعودة للمفاوضات حيث يقول: "أرى حلولًا للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولا أرى طرفًا للتقاوض. يجب على الفلسطينيين أن يعوا أهمية الحضور إلى البحرين والنقاش من أجل إيجاد حل، والتوقف الفوري عن الصراع. ومن الأمور الجيدة فكرة الرهان على الشق الاقتصادي لأن الجميع يعرف أن الصراع ليس اقتصاديًّا في الأساس، ولكن بوسع الاقتصاد تشكيل أداة للتوصل إلى حل". ويتابع دايان قائلًا إنه "يأمل في إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، شأنه في ذلك شأن 70 في المائة من الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن إذا لم يأت الفلسطينيون للتفاوض، فسيجانبهم الصواب". وإذا لم تشارك فلسطين في مفاوضات البحرين، فسيبقى الوضع الراهن، وستتأقلم إسرائيل عليه؛ حيث يتمتع اقتصادها بمستويات أداء جيدة بنسبة نمو بلغت 3.3 في المائة.

 ويضيف دايان قائلًا: "لقد تمكنت إسرائيل من التغلب على مشاكل المياه والطاقة التي تواجهها؛ ما يغنيها عن الحاجة لأموال النفط. أنا واقعي جدًّا، وُلِدتُ في الشرق الأوسط، ولديّ الكثير من الأمل في أننا نسير في الاتجاه الصحيح نحو الأفضل؛ وذلك لأن عدد سكان إسرائيل سيصل إلى نحو عشرين مليون نسمة في غضون ثلاثين عامًا".

ولم تعد التوازنات في الشرق الأوسط على ما كانت عليه في فترة ما بعد الحرب، وهذا أحد أسباب تجميد مفاوضات السلام بين إسرائيل وفلسطين. ويعتقد عوزي دايان، الذي عمل في السابق قائدًا لجيش الدفاع الإسرائيلي، أن القضية الفلسطينية لم تعد السبب الجذري للمشكلة في الشرق الأوسط، و"لم يعد الخلاف بين اليهود والعرب هو المشكلة. بل إن المشكلة باتت تكمن في تقسيم المنطقة بين جبهتين: الداعمون لإيران والرافضون لمحاربة الإرهاب من ناحية، والرافضون لامتلاك إيران أسلحة نووية والمحاربون للإرهاب من ناحية أخرى".

ويرى العضو البرلماني عن حزب الليكود أن مكافحة الإرهاب تظل أحد الشروط ذات الأولوية في عملية إبرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين حيث يقول: "مشكلتنا الكبرى هي الإرهاب. يجب أن نحاربه معًا، الإسرائيليين والفلسطينيين".
 
أوروبا غير مقتنعة بخطة كوشنير

خلال اجتماعه مع كوشنير، ذكر رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود جونكر" أن أي "حل سياسي ينبغي أن يأخذ في الاعتبار التطلعات المشروعة للفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍّ سواء، وكذلك المعايير المتفق عليها". ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي لا يزال ملتزمًا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، الأمر الذي يُثير الشكوك حول دعمه لخطة كوشنير.
 

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا