الطوفان الصيني يداهم هونج كونج.. اعتقال جيمي لاي مجرد بداية

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

اعتقلت سلطات هونج كونج، صباح اليوم الإثنين، قطب الإعلام جيمي لاي، بموجب قانون الأمن القومي الجديد الذي فرضته بكين يونيو الماضي، في عملية هي الأولى من نوعها ضد وسائل الإعلام المحلية، وفي خطوة وصفت بأنها مجرد بداية لقمع حرية الصحافة في الجزيرة التي ظلت لعقود طويلة رمزا لحرية الصحافة في آسيا وملاذا للصحفيين الهاربين من قمع بكين.

بموجب قانون الأمن القومي الصيني المثير للجدل، داهمت الشرطة صباحا، مقر صحيفة Apple Daily الشهيرة وقامت باعتقال مالكها جيمي لاي 71 عاما وهو أحد أكثر الشخصيات المؤيدة للديمقراطية في هونج كونج، كما اعتقلت 6 آخرين من طاقم الصحيفة، بتهمة التواطؤ مع قوى خارجية.

تفاصيل المداهمة والاتهامات

سار لاي مقيد اليدين داخل غرفة أخبار “أبل ديلي”، محاطا بالعشرات من رجال الشرطة، وبعد ساعات من اعتقاله داهم المئات منهم مقر الصحيفة للمرة الثانية وقاموا بالتفتيش في كل زاوية، وصادروا وثائق عدة، وطالبوا الصحفيين بإظهار “الهوية”، في مشهد غير مسبوق بهونج كونج.

كما قامت الشرطة بمنع العديد من المؤسسات الإخبارية بما في ذلك وكالة رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية وأسوشيتد برس من حضور مؤتمر صحفي عقدته للإعلان عن أسباب وتفاصيل عملية المداهمة.

وقالت شرطة هونج كونج – في بيان- إن جيمي لاي ورفاقه اعتقلوا بتهمة التواطؤ مع دول أجنبية وعناصر خارجية – وهي تهمة جديدة بموجب قانون الأمن القومي الصيني وعقوبتها قد تصل للسجن مدى الحياة- وأشارت إلى أن التحقيقات ما زالت جارية ويمكن خلال الأيام المقبلة اعتقال المزيد من الصحفيين.

وبحسب البيان لاي متهم أيضا بالتحريض على المشاركة في تظاهرة غير مصرح بها خلال وقفة احتجاجية سنوية لإحياء ذكرى مذبحة ميدان تيانانمين عام 1989، التي حظرتها شرطة الإقليم هذا العام.

تأتي هذه العملية بعد أيام من فرض واشنطن لعقوبات جديدة على رئيسة السلطة التنفيذية بهونج كونج كاري لام – الموالية لبكين-  و10 مسؤولين صينيين، وأكدت الخارجية الأمريكية أن السبب الرئيس للعقوبات هو سعي هؤلاء المسؤولين لتقويض الحكم الذاتي الذي تمتع به المستعمرة البريطانية السابقة منذ أن تسلمتها بكين عام 1997 وتعهدت بمنحها الحكم الذاتي.

وللتذكير سعت بكين منذ العام الماضي الذي شهد تظاهرات واسعة في هونج كونج مؤيدة للديمقراطية ورافضة لتدخلها في الشؤون الداخلية للجزيرة إلى بسط نفوذها في هونج كونج وتحديدا تشديد قبضتها الأمنية، عبر خطوات عدة كان أخرها إقرار قانون الأمن القومي أواخر يونيو.

هذا القانون الذي واجه معارضة شديدة داخل هونج كونج واعتبر بمثابة سقوط حر لمبدأ بلد واحد بنظامين الذي يضمن لهونج كونج الحكم الذاتي حتى عام 2047، إذ يتضمن القانون العديد من العبارات الفضفاضة التي تتحدث عن تهم التحريض ضد بكين ونشر الفتنة والأعمال العدائية والتواطؤ مع قوى أجنبية.

لاي الخائن في نظر بكين بداية لقمع أكبر
بحسب صحيفة الجارديان جيمي لاي يحمل أيضًا الجنسية البريطانية ويدعم شخصيات نافذة في أمريكا علنا مثل وزير الخارجية بومبيو، وفي حال صدور قرار اتهام نهائي ضده بالتواطؤ مع قوى أجنبية فسوف يواجه عقوبات محتملة بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث إلى عشر سنوات – أو بالسجن المؤبد.

لاي من أشد المعارضين لبكين، وفي العام الماضي وصف من قبل وسائل إعلام صينية حكومية بأنه أحد أفراد عصابة جديدة تتآمر ضد بكين، فيما وصفه تقرير نشرته صحيفة “جلوبال تايمز” الناطقة بلسان الحكومية الصينية أخيرا، بأنه “خائن العصر الحديث”.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الصين تصنف ضمن أسوأ البلدان على مؤشر حرية الصحافة، وبالعام الماضي كان لديها أكبر عدد من الصحفيين المحتجزين بالسجون، لذا كان من البديهي مع إقرارها لقانون الأمن القومي، أن تبادر عدة مؤسسات إعلامية عالمية تتخذ من هونج كونج مقرا لها للبحث عن مكان أخر أكثر أمانا لصحفييها، على سبيل المثال أعلنت نيويورك تايمز الشهر الماضي أنها ستنقل ثلث موظفيها في هونج كونج إلى سيول، إذ باتت تواجه صعوبات في العمل الميداني والحصول على تأشيرات لطاقهمها.

فيما اشتكت العديد من الوسائل الإعلامية من رفض السلطات لطالباتها الخاصة بتجديد تأشيرات الصحفيين الأجانب، وذكر موقع “ستاندرد” الإخباري أن إدارة الهجرة أنشأت وحدة للأمن القومي لفحص طلبات التأشيرات، بما في ذلك الطلبات المقدمة من الصحفيين!،  هذا كله على الرغم من وعود بكين بأن قانون الأمن لن يمس الحريات المدنية للمدينة، بما في ذلك الصحافة المستقلة.

واعتبر نادي المراسلين الأجانب في هونج كونج اعتقال جيمي لاي خطوة تؤكد عدم صدق هذه الوعود الصينية، فيما قال رئيس نقابة الصحفيين في الجزيرة كريس يونج: إن مداهمة اليوم كانت “مروعة”، لم أتوقع حدوث ذلك في هونج كونج.

 بنديكت روجرز رئيس منظمة “هونج كونج ووتش” قال لصحيفة الجارديان: إن القبض على أحد أكثر الأصوات اعتدالًا وسلمية واحترامًا للديمقراطية بتهمة” التواطؤ” مع قوى أجنبية يرسل رسالة مفادها أنه لا أحد آمن في هونج كونج ما لم يلتزم الصمت تمامًا ويفعل تمامًا كما يقول نظام شي جين “الوحشي”.

إلى ذلك حذر عدد كبير من صحفي هونج كونج عبر حساباتهم الشخصية على “تويتر”، من أن القبض على جيمي لاي سيكون خطوة لمزيد من القمع الصيني لحريات بالجزيرة، مؤكدين أن قانون الأمن القومي الصيني سيكون له أثر مخيف على حرية الصحافة خلال الفترة المقبلة. 

كيث ريتشبورج رئيس كلية الإعلام بجامعة هونج كونج اعتبر أن مداهمة مقر “أبل ديلي” والاعتقالات التي طالت لاي ورفاقه عملية “شائنة”، وقال: أعتقد أن هذا هو اليوم الذي يمكن أن نقول فيه أن حرية الصحافة ماتت رسميًا في هونج كونج، ولم تمت موتًا طبيعيًا، بل قتلتها بكين وكاري لام وشرطة هونج كونج.

ربما يعجبك أيضا