العودة للخلف .. داعش يتخلى عن حلم الدولة ويعود لمرحلة التمرد

أميرة رضا

ترجمة بواسطة – بسام عباس

من المؤكد أن هزيمة داعش في سوريا والعراق ستؤدي إلى زيادة التركيز على العمليات العالمية للتنظيم الإرهابي. وستظل أوروبا هدفًا لجميع الهجمات المنسقة والعفوية، مع ظهور مخاطر جديدة في الدول الاسكندنافية وألمانيا وسويسرا والنمسا.

وبينما يخسر تنظيم داعش الأراضي التي يسيطر عليها في الشرق الأوسط، يتحول إلى أساليب أكثر تمردًا. وبالتوازي مع ذلك، فإنه يعزز أيضا لأنشطته في أوروبا. وكما توقعت المبادرة العالمية لإعداد التقارير، سيشهد عام 2017 ارتفاعا في حجم الهجمات الإرهابية التي ينفذها مسلحو تنظيم داعش أو متطرفون يتبنون أيديولوجية التنظيم. وعلى الرغم من تطور قدرات أجهزة الاستخبارات المحلية في مراقبة التهديدات، فإن تكتيكات داعش في أوروبا من المرجح أن تتكيف باستمرار.
 
داعش: العودة إلى التمرد
يفقد داعش سيطرته على الرقة ودير الزور، وهما آخر مدينتين كبيرتين كان له فيهما قوة قتالية كبيرة. ويأتي ذلك بعد هزائم كبيرة في حلب والموصل وتدمر ووسط وجنوب شرق سوريا. ومع تقلص أراضيه في الشرق الأوسط، فمن المرجح أن يتخلى داعش عن مشروع بناء الأمة ويعود إلى التمرد المسلح. وقد اختفت الهياكل القانونية والإدارية التي تشكل جزءا كبيرًا من الجهاز الحكومي لتنظيم داعش في شمال سوريا وغرب العراق.

وفي المقابل سيحافظ التنظيم على قوة قتالية أصغر وأكثر ديناميكية على دراية جيدة باستخدام المتفجرات ومتدربة على الهجمات المفاجئة. وسيزداد حجم الهجمات الإرهابية على أهداف مدنية سهلة حيث يسعى عناصر داعش إلى زيادة عدم الاستقرار وانعدام الأمن في سوريا والعراق. وكانت التفجيرات المنسقة في منطقة الناصرية في 14 سبتمبر مثالا على هذا النهج. وهذا التحول في التكتيكات سيمكن تنظيم داعش من البقاء نشطا من الناحية العملية، وينشد انتصارات دعائية دورية.
 
التركيز على العمليات الخارجية
وفي الوقت نفسه، ستحول خلايا داعش اهتمامها بشكل متزايد إلى العمليات خارج الشرق الأوسط. وستظل أوروبا ساحة المعارك الكبرى لنشطاء داعش والمتعاطفين معه. وسيسعى التنظيم لتخطيط هجمات معقدة في أوروبا الغربية، فضلا عن نشر برامج دعائية لجذب مزيد من الذئاب المنفردة من ذوي الدوافع الذاتية. وأكد تسجيل أبو بكر البغدادي الصوتي في 28 سبتمبر الماضي، الاهتمام الذي أولته القيادة الأساسية للتنظيم لتشجيع مؤيديها على تنفيذ هجمات إرهابية في الدول الغربية.

يعتبر تدهور البيئة الأمنية في أوروبا الغربية جزءًا من استراتيجية داعش لخلق حالة من الانقسام داخل المجتمعات الأوروبية، والحفاظ على مصداقيته في أعين أتباعه، وجذب المزيد من العناصر المقاتلة. كما أن أي هجوم، حتى وإن فشل، سيتم بثه في القنوات الإعلامية للتنظيم.

ومنذ عام 2014، سعى التنظيم صراحة إلى دق إسفين بين المسلمين وغير المسلمين في أوروبا بهدف زعزعة استقرار المنطقة. وسيواصل استخدام أساليب الدعاية المتطورة باللغات الأوروبية، من أجل جذب الشباب الأوروبيين المسلمين.

ومن المرجح أيضا أن يلتحق الإسلاميون المتطرفون في الشبكات الإجرامية المحلية ، خاصة تلك المرتبطة بتهريب الأسلحة والمخدرات، من أجل الحفاظ على حرية نسبية للعمل في مناطق أوروبية محددة مثل الضواحي الشمالية لباريس أو الأحياء الشمالية الغربية من بروكسل.

ولما كان من المؤكد أن يواجه التنظيم مشاكل في نقل المقاتلين المهرة عبر الحدود الدولية، فمن المرجح أن يعتمد داعش على التعاون غير الرسمي المتنامي بين المتطرفين والجماعات الإجرامية العالمية التي لها علاقات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط لتجنيد المسلحين وتخطيط الهجمات المستقبلية. ومما يؤكد ذلك أن الجماعات الإجرامية التي لها مصالح في شمال أفريقيا تلجأ بشكل متزايد إلى الدعاة المتطرفين لاكتساب شرعية في تلك المناطق، مدعية أن عمليات السرقة وغيرها من أعمال العنف جزء من جهادهم.
 
استخدام مزيج من التكتيكات
وبما أن داعش يكرس موارد إضافية لتنفيذ عملياته الخارجية، فإن استراتيجيته المتطورة ستستند إلى مزيج من التكتيكات. ومن المرجح أن يواصل محاولة تنفيذ هجمات معقدة تسبب وقوع خسائر جماعية من خلال اعتداءات وتفجيرات منسقة تنفذها فرق صغيرة، فضلا عن الحفاظ على التنسيق بين الجماعات عبر الحدود. ومع ذلك، فمنذ عام 2015، أصبحت أجهزة الأمن الأوروبية أكثر قدرة على تعطيل المخططات المعقدة.

وعلى هذا النحو، فمن المحتمل جدا أن يقوم مقاتلو تنظيم داعش بدفع أتباعهم إلى التخطيط لهجمات يكون لها فرصة أكبر نسبيًا للنجاح. ومن أجل ذلك، سيواصل تنظيم داعش تشجيع أتباعه على شن هجمات منفردة تشمل استخدام المركبات والسكاكين والأسلحة النارية والمتفجرات محلية الصنع. ومن المرجح أيضًا أن يحاول التنظيم القيام بعمليات في الدول التي لم تشهد أي حادث إرهابي كبير خلال السنة الماضية.

وستمكن الهجمات على هذه المواقع التنظيم من التخفي عن أعين قوات الأمن المحلية، وإظهار قدرته على ضرب أي مكان في أوروبا واكتساب مجالات جديدة للتجنيد والدعم. وقد أظهرت الهجمات في برشلونة وازدياد عمليات العنف في المملكة المتحدة في عام 2017 هذه الاستراتيجية بوضوح. وربما يحاول التنظيم دفع أتباعه إلى شن هجمات في الدول الاسكندنافية، وكذلك في ألمانيا والنمسا وسويسرا. ومع ذلك، سيواصل أيضًا استهداف فرنسا لأسباب أيديولوجية وعملية.
 
تفضيل الحجم على النوعية
ومن المؤكد أن استراتيجية التنظيم في استهداف أوروبا تفضل الكمية على النوعية في السنوات القادمة. ومع تراجع قدراته جراء الخسائر في الأراضي والعدة والعتاد في الشرق الأوسط، سيكون لدى داعش قدرة أقل على تدريب قواته الخاصة على ضرب المدن الأوروبية، كما فعل في هجمات نوفمبر 2015 في باريس. ومن المؤكد أن التنظيم سيحاول الاستفادة من حجم الهجمات ذات التأثير المتباين.

وكما يتضح من تفجير بارسونز جرين الفاشل، ومحاولة طعن العسكريين في بروكسل، والهجمات الفاشلة في فرنسا وبلجيكا، وطعن مرسيليا، فإن داعش سيظل قادرًا على التسبب في إحداث اضطرابات وخلق شعور بعدم الأمان بغض النظر عما إذا كانت هجماته ناجحة أم لا.  ومع ارتفاع حجم العمليات في أوروبا، سيحقق تنظيم داعش أهدافه المتمثلة في البقاء في الأخبار الرئيسية وغرس الخوف في المجتمعات الأوروبية. وبينما تتسبب الهجمات الفردية والمهاجمة في خسائر أقل من العمليات المعقدة، فإنها ستظل تؤثر سلبا على البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدول الأوروبية المتضررة.

المصدر – جلوبال ريسك إنسايتس

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا