الفلسطينييون يلجؤون إلى الكهوف خشية وحش الاستيطان‎

محمود

كتب – محمد عبدالكريم

أن يلقي الأب بنفسه وبشريكة حياته وفلذات كبده في عراء لا وجود فيها إلا لوحش المخلوقات، وفي حياة بدائية بائسة في كهوف بأرض خلاء، فتلك هي حكاية 19 فلسطينيا يضعون أنفسهم وعائلاتهم أمام الموت لا لشيء إلا ليحموا أرضهم من براثن الاستيطان.

في خربة المفقرة الواقعة شرقيّ مسافر يطا بمدينة الخليل جنوبيّ الضفة الغربية المحتلة، تقاوم العائلات الـ19 بأجسادها وصمودها في أرضها أمام مخططات أعتى جيش في المنطقة، مصحوبا باعتداءات المستوطنين، وخططهم التوسعية في أرض المفقرة (التي كان لها من اسمها نصيب، وهي التي تعني الأرض البور الفقيرة).

الحياة في الكهوف قاسية، خاصة مع برد الشتاء وأمطاره الغزيرة التي تجتاح الكهوف مع كل مرة تمطر فيها السماء، الرطوبة تنخر أجساد قاطني الكهوف، فالشمس تعجز عن الدخول إلى قلب الكهف إذ لا نوافذ فيه والعتمة بداخله قاتمة، تعكس سوداوية الحال، حتى أن الإسمنت التي حاول أرباب تلك الأسر إسناد جدران الكهوف به، تشي تسطحاته بعجزه وضعفه أمام ثقل الصخور القاسية التي قد تتهاوى على قاطني الكهف.

وتعتبر خربة المفقرة، جنوب يطا، إحدى القرى الثماني في منطقة مسافر يطا المستهدفة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه والمهددة بالهدم والترحيل، حيث إنّ سكان الخربة جميعهم حاصلون على إخطارات هدم وترحيل، ومنازل عدّة تمّ ترميمها مهدّدة في الوقت الحالي بالدمار تحت عجلات الجرافات.

تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة مسجدًا هُدم مرات عدّة بذريعة البناء من دون ترخيص، أولاها في عام 2011 قبل أن يُعاد بناؤه ويُهدم ثانية في عام 2012.

وفي بداية العام الماضي، هُدم للمرة الثالثة وبُني من جديد، ليحصل أخيراً على إخطار بالهدم. وقد حرمت سلطات الاحتلال أهالي خربة المفقرة من التزوّد بالكهرباء عند محاولتهم مدّ شبكة خاصة من خربة التوانة القريبة، فخلعت أعمدة الكهرباء ودمّرتها.

تقع خربة المفقرة بين ثلاث مستوطنات، الأقرب إليها مستوطنة “أفيغال” التي تتميّز بمبانيها العصرية والحديثة وتمتد وتتوسع على حساب أراضي الفلسطينيين هناك. بالتالي فإنّ سلطات الاحتلال تطمع بالخربة وتسعى إلى طرد أهاليها والسيطرة على أراضيهم وسرقتها لصالح تلك المستوطنة.

ويقول منسق اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في جنوب الخليل، راتب الجبور، أنّ “سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسعى إلى طرد أهالي الخربة والاستيلاء على أراضيهم لمصلحة المستوطنات، بالتالي يجدون أنفسهم ملاحقين من قبل جمعية صهيونية مهمتها مساعدة عناصر الإدارة المدنية التابعة لقوات الاحتلال وتصوير أيّ عملية بناء جديدة في الخربة أو أيّ إضافة هناك. هكذا يُرسل إخطار إلى المعنيين ويُهدم البناء أو يُصادَر”.

من جهة أخرى، تُسجّل اعتداءات من قبل المستوطنين على رعاة الأغنام، ويُلاحقون في مراعيهم في حين تُحرَق محاصيلهم الزراعية وتُقطع الأشجار، كون تربية المواشي هي عصب الحياة هناك. هكذا، تسهّل قوات الاحتلال المهمة أمام المستوطنين لشنّ هجمات على نحو 60 شخصاً يعيشون هناك وتهديد حياتهم وملاحقتهم في أدقّ التفاصيل.

ويشير الجبور إلى أنّ “الاحتلال الإسرائيلي يصنّف موقع خربة المفقرة من ضمن المنطقة المصنفة 918، وهي مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين في مسافر يطا تُعَدّ مصادرة بموجب قرار عسكري بذريعة أنّها منطقة رماية وإطلاق نار. لكنّها تُصادر في الحقيقة لأنّها أراض تصلح لبناء المشاريع الاستيطانية”.

وأشار إلى الحياة البسيطة والقاسية التي يعيشها أهالي المقفرة والتي لا تتوفر فيها أدنى مقومات الحياة الضرورية، حتى ان الاطفال في خربة المقفرة يضطرون للسير مشيا على الأقدام حوالي 5 كيلومترات للوصول للمدرسة في القرية المجاورة لخربتهم والواقعة في بلدة لتواني.

ربما يعجبك أيضا