القمة العربية الأوروبية.. دلالات الإحلال والتنافس

محمود رشدي

رؤية- محمود رشدي

للقمة العربية الأوروبية بمدينة شرم الشيخ المصرية عدد من الدلالات في ظل التغيرات الديناميكية الدولية الحالية. جاءت القمة؛ التي تعد الأولى من نوعها بين قادة الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، لتوحيد جهود المؤسستين ضد المخاطر التي تواجه الطرفين؛ من بينها صعود الدب الروسي، والاختراق الإيراني للدول العربية، بجانب عدد من القضايا الدولية مثل مكافحة الإرهاب، والتغير المناخي.

منذ الحرب الأهلية السورية وتواجه المنطقة العربية والقارة العجوز عدد من التحديات المتمثلة في الكم الهائل من اللاجئين السوريين، وصعود تنظيم داعش -استغل حالة الفراغ الأمني والهشاشة الحدودية بين الدول للتوسع والنفوذ- الذي توسع في المنطقة العربية ليستغل مساحة بحجم دولة بريطانيا، على مدار ثلاث سنوات؛ شهدت ذروة صعوده ليستولى على عدد من منابع النفط في سوريا والعراق، وخلق بيئة رعب بين المدنيين ونهب ثرواتهم، علاوة على العمليات الإرهابية المُنفّذة عبر أفراده والتي أودت بحياة الآلآف.

 قاسمت أوروبا المنطقة العربية عناء الإرهاب والتشدد في المنطقة والذي دخلها عبر لاجئي المنطقة، والاستقطاب الافتراضي -عبر شبكات الإنترنت- لمواطني أوروبا، ولا تزال الأخيرة تتخبط في سياستها جراء التعامل مع العائدين من إرهابي التنظيم عقب سقوطه في سوريا.

إحلال الفراغ الأمريكي

تضاربت التصريحات الأمريكية حول التواجد العسكري بمنطقة الشرق الأوسط، ولطالما صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن الانسحاب من سوريا، وبعدها تبدلت قرارته لتنسحب القوات الأمريكية إلى العراق لمواجهة إيران. نظراً للتضارب في تصريحات ترامب في الفترة الأخيرة، جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى الشرق الأوسط لتؤكد على التزام الولايات المتحدة بتواجدها في المنطقة.

كان لتضارب التصريحات الأمريكية أثر سلبي على المصالح الدول العربية والأوروبية معاً، فالجميع يعلم أن الانسحاب الأمريكي سيقابل ملء الفراغ من التمركز الروسي والإيراني معاً. ولذ سعت القمة العربية الأوروبية أن توحد جهودها لإعادة تمركز للدول الأوروبية بالمنطقة؛ أي إحلال أوروبا محل القوات الأمريكية.

مخاوف أوروبية من توسع نفوذ الصين وروسيا

ليس من الغريب أن تسعى القارة العجوز للبحث عن حليف آخر غير الأمريكي للحفاظ على مصالحها ضد التحديات الراهنة، ولاسيما عقب تصريحات ترامب المتكررة، التي تضر بالمصالح الأوروبية، منها رفع الجمارك على الواردات الأوروبية، ودعوته لاستقبال العائدين من تنظيم داعش، الأمر الذي يرعب قادة أوروبا من احتضان قنابل موقوتة قد تشن عمليات إرهابية مرة آخرى في بلادهم. وباختصار، ترى أوروبا أن القيادة الأمريكية الحالية تهدد مصالحها الدولية منذ انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني.

يسعى الأوروبيون من خلال القمة إلى المساهمة في تعزيز التعاون مع الدول العربية من أجل تثبيت التواجد الأوروبي في جنوب البحر الأبيض المتوسط في مواجهة روسيا والصين، اللتين تسعيان إلى ملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأمريكي من المنطقة.

وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك: إن المنطقتين الجارتين يجب أن تعملان سويا في مواجهة “قوى دولية بعيدة عن منطقتنا”. ولم يسمّ توسك هذه القوى، لكن مسؤول في الاتحاد الأوروبي أكد أنه يعني الصين وروسيا.

وقال مسؤول أوروبي: “لا نريد أن تملأ روسيا والصين الفراغ” الذي ستتركه الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن الأوروبيين يرون في هذه القمة فرصة للمحافظة على مصالحهم الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية.

مخاوف عربية من النفوذ الإيراني

سعت القمة لتقلل من زعزعة الأمن الإقليمية جراء التوسع الإيراني في دوله، وإثارة القلاقل عبر مليشياته، ولذا طالب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بموقف دولي موحد لوقف تدخلات إيران السافرة في شؤون الدول الأخرى، مؤكدا على ضرورة أن تلتزم طهران بقواعد حسن الجوار. ودان العاهل السعودي -خلال كلمته أمام القمة- إطلاق ميليشيات الحوثي صواريخ باليستية إيرانية الصنع تجاه السعودية.

بدوره، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، على أن “الأفعال الإيرانية والتحركات التركية هي تدخلات تفرز أزمات في المنطقة”. وأضاف: “لا حل عسكريا لنزاعات المنطقة، ويجب التوصل لحلول سياسية تشمل وحدة الدولة”.

تسعى أوروبا أن تجذب الدول العربية ناحية تأمين مصالحها بالمنطقة، لتكوين حائط صد عربي أوروبي أمام التوسعات الصينية- الروسية بدول العالم بوجه عام، والمنطقة العربية بوجه خاص، إذ يسعى القادة الأوروبيون ليحافظوا بشتى الطرق على النظام الحالي الذي تسعى موسكو لتغييره لصالحها، في وقت تتراجع فيه الولايات المتحدة عن مهامها الدولية، ولطالما اعتمدت أوروبا على التواجد العسكري الأمريكي لتأمين مصالح الطرفين.

والآن، ترى أوروبا أن مصالحها الدولية لابد وأن تسعى لتأمينها بنفسها بدون الولايات المتحدة. وكذلك من الناحة العربية، إذ وجدت الدول العربية نفسها أمام التهديد الإيراني والتركي لأمنها وسلامتها، ولذا فلابد لها من التحرك الدولي لتقييد النفوذ الإيراني بنفسها بعيداً عن المظلة الأمنية الأمريكية، والابتزاز الأمريكي بمقايضة الأمن العربي.

ربما يعجبك أيضا