المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية | كيف تتسبب محاولة اغتيال الكاظمي في كسر الجمود السياسي؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

إن محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قد تكسر الجمود السياسي الذي يسيطر على البلاد منذ الانتخابات البرلمانية في أكتوبر. في الساعات الأولى من صباح يوم الأحد الماضي، أطلق المهاجمون ثلاث طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات على مقر سكن الكاظمي، الواقع في المنطقة الخضراء المحصنة بشدة في بغداد. أسقطت قوات الأمن العراقية طائرتين، لكن الثالثة ضربت منزل رئيس الوزراء. لم يُصب الكاظمي بأذى، لكن العديد من أفراد حراسته الأمنية أُصيبوا بجروح طفيفة. ومنذ ذلك الحين استفاد من موجة عارمة من الدعم الدولي والإقليمي، وإلى حد ما المحلي؛ ورد فعله التصالحي والذي يليق برجل دولة أضعف مصداقية خصومه وعزز قدرته على الاحتفاظ برئاسة الوزراء.

جاء هذا الهجوم بعد مقتل محتجين اثنين كانا يتظاهران اعتراضًا على نتيجة الانتخابات التي أقيمت يوم 10 أكتوبر؛ كان أحدهما شخصية بارزة في جماعة عصائب أهل الحق السياسية المتشددة. لقد قدمت الكيانات السياسية الموالية لفصائل سياسية في العراق أداءً سيئًا في الانتخابات، إلى حد كبير بسبب فشلهم في وضع استراتيجية لزيادة عدد الأصوات في سياق النظام الانتخابي الجديد. تحولت الاحتجاجات على النتائج إلى احتجاجات عنيفة في 5 نوفمبر عندما حاول المتظاهرون اقتحام المنطقة الخضراء، ما حث زعيم عصائب أهل الحق على إصدار تهديدات ضد رئيس الوزراء.  

إن هجوم يوم الأحد الماضي قد يمزق ائتلاف الجماعات الرافضة لنتائج الانتخابات. من المرجح أن يخشى الفاعلون السياسيون المنتمون للتيار الرئيسي مثل زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، وزعيم حزب بدر السياسي، هادي العامري، من أن ارتباطهم بالجماعات المسلحة المتطرفة مثل عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله سيُضعف مصداقيتهم في عيون الشعب العراقي. هذا قد يُنهي الاحتجاجات ويؤدي إلى المزيد من المشاركة البناءة في مفاوضات تشكيل الحكومة.

كشفت الأحداث الصادمة أيضًا حدود سيطرة إيران على الجماعات المسلحة التي تدعمها في العراق، وربما تدفع طهران إلى بذل المزيد لكبح الفصائل الأكثر تطرفًا. من المرجح أن يعمل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الآن بجهد أكبر لكبح أنشطتهم وربما يحد من إمكانية وصولهم إلى تكنولوجيا الطائرات المسيرة. لقد ضعفت السيطرة الإيرانية على الجماعات المسلحة في العراق بصورة كبيرة منذ يناير 2020 عقب اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس والقائد الفعلي لوحدات الحشد الشعبي العراقية، وهي ائتلاف من جماعات مسلحة استوعبته الدولة العراقية خلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. عقب الهجوم على مقر سكن رئيس الوزراء، هرع القائد الجديد لفيلق القدس – الجنرال إسماعيل قاآني – إلى بغداد لكي يدين الفعل بشدة وليوضح إلى الجماعات المسلحة أن الضربة تجاوزت الخطوط الحمراء الإيرانية.

ربما يصعد أيضًا النجم السياسي للكاظمي جزئيًّا بفضل الطريقة التي رد بها في الأيام الأخيرة، داعيًا إلى الهدوء وتحديد هوية الجناة سريعًا. لقد التقى بممثلين من مختلف الانتماءات السياسية، بما فيها عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، ويُقال إنه عقد اتفاقية لمحاكمة أولئك الذين نفذوا الهجوم على مقر سكنه مقابل محاكمة المسئولين عن موت المحتجين الاثنين. تلقى الكاظمي أيضًا دعمًا دوليًّا قويًّا، وحصل على ضمانات من الإيرانيين بأنهم سيقبلون أيًّا كان من يختاره العراقيون كرئيس قادم للوزراء. هذه التطورات قد تلطّف توجهات الجماعات المتشددة، التي رفضت في السابق فترة ثانية لرئيس الوزراء رفضًا قاطعًا.

إن اتجاه مفاوضات تشكيل حكومة جديدة يعتمد الآن على توجه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي ربح حزبه أكبر حصة من الأصوات في الانتخابات. تحدث الصدر عن رغبته في الابتعاد عن نموذج حكومات الوحدة الوطنية الذي هيمن على النظام السياسي للعراق منذ غزو العراق الذي قادته أمريكا في 2003. اتجهت هذه الحكومات إلى توزيع السلطة على مجموعة واسعة من الفاعلين السياسيين من خلفيات عرقية – طائفية مختلفة لتتجنب اندلاع العنف الذي قد ينتج عن الإقصاء السياسي، إلا أن هذه الإدارات فشلت في تقديم الخدمات إلى الشعب العراقي وسقطت فريسة لممارسات الفساد، حيث يسعى الفاعلون السياسيون إلى تحقيق أقصى استفادة من الدولة، بينما لا يمكن تحميل حزب سياسي واحد مسئولية أفعال الحكومة.

يزعم الصدر أنه يستطيع قلب هذا النظام الفاشل للحكومة عن طريق تشكيل ائتلاف حاكم مقيد أكثر، تاركًا الأحزاب السياسية الأخرى تعمل كمعارضة داخل البرلمان. ترفض الأحزاب التي قدمت أداءًا سيئًا في الانتخابات البرلمانية، والتي، كما ذُكر، يُصادف أنها مرتبطة بجماعات مسلحة، هذا النهج لتشكيل الحكومة. إنهم يخشون من أن إبعادهم عن الحكومة سيحرمهم من الموارد التي يحتاجونها لتمويل شبكات المحسوبية الواسعة التابعة لهم والحفاظ على جهازهم السياسي. هذا هو المأزق الرئيسي الآن في مفاوضات تشكيل الحكومة، ويبقى أن نرى إذا ما كان سيتم التوصل إلى حل وسط يمنع الفصائل المسلحة من عرقلة السلام مع منع إمكانية تشكيل حكومة أكثر فاعلية في بغداد.

ينبغي على الحكومات الأوروبية أن تتوخى الحذر الشديد في جهودها الدبلوماسية، كما يتعين عليها المشاركة مع الفاعلين السياسيين من مختلف الانتماءات لتشجيع الجهود البناءة باتجاه تكوين حكومة جديدة، والعمل لتحديد حلول وسط محتملة. بشكل حاسم، سوف تحتاج لتجنب الاتهامات بمحاولة التدخل في الشئون السياسية العراقية الداخلية. قد تصبح الجهود الأوروبية قيّمة على نحو خاص بسبب انخفاض قدرة الولايات المتحدة على المشاركة نظرًا لطبيعة التواجد الأمريكي في العراق التي تُعد موضع خلاف كبير. يظل الوضع السياسي والأمني في البلاد متقلبًا، ولذلك ينبغي على الأوروبيين مواصلة جهود الوساطة للحد من التوترات ولإيجاد طريق للمضي قدمًا بسرعة وحذر.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا