المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية | قاعدة الصين العسكرية الجديدة في أفريقيا.. ماذا تعني لأوروبا وأمريكا؟

آية سيد

رؤية

ترجمة – آية سيد

في واحدة من أصغر دول أفريقيا، يبدو أن واحدًا من أكبر التحولات في الاستراتيجية العالمية للصين قيد التنفيذ. ورد أن مسئولين أمريكيين – لم يُذكر اسمهم – حذروا من أن بكين تخطط لإقامة منشأة عسكرية دائمة في غينيا الاستوائية. إذا كان هذا صحيحًا، فإن هذه الخطوة، بخلاف التحدي الاستراتيجي الواضح الذي تفرضه الصين بامتلاك قاعدة بحرية في الأطلسي للمرة الأولى، تشير إلى مرحلة جديدة في سياسة الدولة تجاه أفريقيا. يحمل هذا تداعيات جيوسياسية بعيدة المدى.

تُعد أفريقيا أكبر عنصر إقليمي في مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تبلغ قيمتها 1 تريليون دولار لإعادة تشكيل بنية التجارة العالمية، وتمثل الدول الأفريقية الـ46 التي وقّعت على المبادرة أكثر من مليار شخص وتغطي حوالي 20% من مساحة اليابسة على كوكب الأرض. إن توطيد القوة العسكرية الصينية في القارة في صورة هذه القواعد الجديدة – مصحوبًا بتوسع النفوذ الاقتصادي الكبير لبكين – سيغيّر ديناميكيات القوة العالمية، ويُضعف الهيمنة الأمريكية، ويحيل أوروبا إلى هامش الشئون الدولية.

يوجد بالفعل ما يقرب من 10 آلاف مشروع صيني في أفريقيا، والتي، بحسب تقرير ماكنزي لعام 2017، ولّدت عائدات بقيمة 180 مليار دولار في العام، وقد تصل إلى 250 مليار دولار بحلول 2025. هذه الفرص التجارية نتج عنها اتخاذ 1 مليون مواطن صيني أفريقيا موطنًا دائمًا لهم منذ عام 2000؛ وبالتالي، رسّخت الصين جهازها العسكري والأمني في أفريقيا، لكنها نجحت في فعل ذلك دون إثارة رد فعل دولي عنيف. في العِقدين منذ تأسيس منتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام 2000، تجنبت بكين بذكاء التواجد العلني المكثف للقوات على القارة، مثل فرنسا والولايات المتحدة. بدلًا من ذلك، دمجت بكين العنصر العسكري والأمني في شراكاتها الاقتصادية مع الدول الأفريقية، ما جعل التواجد الدفاعي للصين في أفريقيا جزءًا من نسيج تنمية القارة.

تنعقد قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي كل ثلاث سنوات، وتتفق كل واحدة على خطة عمل ليعمل عليها كل جانب حتى الاجتماع التالي. يكشف فحص محتوى هذه الخطط مسارًا واضحًا لبكين لإقامة بنية أمنية أفريقية تقع الصين في قلبها. ربما يشير إنشاء قاعدة بحرية في غينيا الاستوائية إلى بدء مرحلة جديدة في هذه الأجندة. 

كيف أصبحت غينيا الاستوائية جزءًا من المعادلة العسكرية الأفريقية للصين

على الرغم من كونها موطن ثالث أصغر عدد سكان في البر الرئيسي لأفريقيا، تفتخر غينيا الاستوائية بأعلى ناتج محلي إجمالي للفرد، بفضل امتلاكها لأكثر من 1 مليار برميل من احتياطيات النفط الخام المؤكدة. بعد اكتشافها لأول مرة في 1996، كانت الثروة الهيدروكربونية لغينيا الاستوائية الدعامة الاقتصادية لحكم الرئيس تيودورو أوبيانج نجويما مباسوجو الذي استمر لـ41 عامًا، والذي شهد اتهامات بانتهاكات لحقوق الإنسان وتُهم بالاختلاس له ولعائلته. يُصنِّف المؤشر السنوي للشفافية الدولية غينيا الاستوائية في المركز الرابع للدول الأكثر فسادًا في العالم. لقد جرى مؤخرًا إدانة نجل الرئيس وخليفته المحتمل، نائب الرئيس تيودورو (تيودورين) نجويما أوبيانج مانجو، بالاختلاس في فرنسا. جمدت الحكومة البريطانية أصوله ومنعته من دخول المملكة المتحدة.

وفي حين أن شركات النفط الأمريكية أجرت معظم عمليات التنقيب عن النفط وإنتاجه في غينيا الاستوائية، أصبحت الصين شريك التنمية الرئيس للبلاد. في 2006، وقّع بنك الصين للاستيراد والتصدير وحكومة غينيا الاستوائية اتفاقية تسهيلات ائتمانية للمشتري المدعوم بالنفط بقيمة 2 مليار دولار من أجل تطوير ميناء باتا ليصبح ميناء بحري عميق حديث، كما أكملت شركة الصين للاتصالات والإعمار أعمال البناء لتوسيع الميناء في ديسمبر 2014، وفي العالم التالي، وقّع البنك الصناعي والتجاري الصيني اتفاقية تمويل مشابهة بقيمة 2 مليار دولار لدعم تنمية البنية التحتية، والأنشطة المحلية للشركات الصينية، والحكومة نفسها، وأمد بنك الصين للاستيراد والتصدير الحكومة بخط ائتمان بقيمة نصف مليار دولار، وجرى افتتاح ميناء باتا أخيرًا في 2019.

طيلة الوقت، العائدات المنخفضة بسبب الفساد وسوء الإدارة، وفترات هبوط أسعار النفط، عنيت أن غينيا الاستوائية كانت ستصبح مدينة صينية على نحو متزايد. في 2020، أصبحت بكين الشريك الرئيس للبلاد في مكافحة جائحة كوفيد-19، حيث تبرعت بـ100 ألف جرعة من لقاح سينوفارم ثم باعت 500 ألف لقاح إضافي لحكومة أوبيانج. بحلول 2021، بلغت ديون غينيا الاستوائية للصين ما يُقدّر بـ49.4% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالرغم من التواصل الأمريكي في اللحظات الأخيرة مع غينيا الاستوائية، والذي تُوّج بزيارة لنائب مستشار الأمن القومي الأمريكي لبحث الأمن البحري، تبدو حكومة أوبيانج وكأنها تمضي قُدمًا في خطط استضافة القاعدة البحرية الصينية.

تطوير الصين لبنية أمنية أفريقية

يحمل تشييد قاعدة بحرية صينية في غينيا الاستوائية تداعيات أوسع من مجرد قصة تحذيرية من دبلوماسية فخ الديون التي تتبعها بكين. منذ 2015، كانت الصين تطور بالتدريج نهجًا أفريقيًّا ممنهجًا للأمن في القارة. في سبتمبر من ذلك العام، عند التحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أشار الرئيس الصيني شي شين بينج إلى تركيز بكين على المشاركة في الآليات الأمنية الأفريقية عن طريق التعهد بمساعدات أمنية بقيمة 100 مليون دولار للاتحاد الأفريقي لدعم إنشاء قوة احتياطية أفريقية والقدرة الأفريقية للرد الفوري على الأزمات. وفي قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي في ديسمبر 2015، أعلنت الصين أنها سوف تستثمر 60 مليار دولار في أفريقيا – وهي مضاعفة بثلاث مرات غير مسبوقة للمبلغ المُتعهَد به في 2012. وفي نفس الاجتماع، التزمت الصين بالمشاركة العسكرية المباشرة مع الشركاء الأفارقة وتوزيع 60 مليون دولار في صورة مساعدات عسكرية، وهي بنود جرى دمجها في خطة عمل منتدى التعاون الصيني الأفريقي (2016-2018).

في 2017، في منتصف الثلاث سنوات من زيادة المساعدات العسكرية والاستثمار الاقتصادي، أقامت الصين أول قاعدة عسكرية بالخارج في جيبوتي، على ساحل القرن الأفريقي. جيبوتي، التي تقع على المدخل الاستراتيجي لممر البحر الأحمر على الجانب الآخر من اليمن، تستضيف أيضًا منشآت عسكرية تنتمي إلى الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا واليابان والسعودية. ولكونها تتوافق مع الرسائل متعددة الأطراف للصين – تقدم الصين قوات لبعثات حفظ السلام التابعة لمجلس الأمن أكثر من كل الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن مجتمعين – استطاعت بكين تصوير تواجدها العسكري الأحادي كجزء من الجهد الدولي لمكافحة القرصنة وحماية التجارة العالمية التي تمر عبر قناة السويس. شاركت الصين في آلية الوعي المشترك وتفادي التضارب، التي تنسق جهود مكافحة القرصنة لقوة المهام المشتركة 151 متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة والقوة البحرية للاتحاد الأوروبي قبالة سواحل القرن الأفريقي. مع هذا، إقامة الصين لقاعدتها في جيبوتي، برصيف سفن قادر على استيعاب حاملات طائرات وغواصات نووية، يتماشى أيضًا مع رحلتها باتجاه تعزيز تواجد أمني على مستوى القارة.

أصبحت الأجندة الأمنية الأفريقية المنهجية للصين أكثر وضوحًا في قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي في 2018، الذي دعت خطة عمله (2019-2021) إلى إقامة 50 برنامجًا منفصلًا لتعزيز التنسيق الأمني بين الصين وشركائها الأفارقة في أنحاء القارة، مثل المنتدى الصيني الأفريقي للسلام والأمن والمنتدى الصيني الأفريقي لإنفاذ القانون والأمن. تنفق المشروعات المملوكة للدولة الصينية 10 مليار دولار على الأمن عالميًا، وجزء كبير منها يُنفق في أفريقيا على الاستعانة بالدعم الأمني الصيني، الذي يتراوح من الشرطة العسكرية والمدنية النظامية إلى شركات الأمن “الخاصة”.

ماذا بعد؟

يشير السعي وراء البنية التحتية التجارية واسعة النطاق إلى نية استراتيجية، وتوسع التواجد العسكري الصيني في أفريقيا في أعقاب مبادرة الحزام والطريق ليس مستبعدًا. إن مزج بكين البارع للقوة الناعمة الاقتصادية والقوة الخشنة أثمر عن تعايش بين العدد المتزايد للمشروعات التجارية الصينية في أنحاء أفريقيا وانتشار الترتيبات الأمنية الجديدة للصين في القارة. وفي حين أن الاقتصاد لعب الدور الرئيسي في هذا التطور العسكري – الاقتصادي، يبدو أن الديناميكيات تدخل في مرحلة جديدة.

انتشر خبر القاعدة البحرية في غينيا الاستوائية بعد أسبوع من قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي 2021 التي انعقدت في 29-30 نوفمبر في داكار، السنغال. وابتعادًا عن تأكيدها التقليدي لتطوير البنية التحتية، استخدمت بكين الاجتماع لتأكيد محور جديد ببناء “مجتمع صيني أفريقي بمستقبل مشترك في العصر الجديد”. وداخل إطار عمل تعزيز هذا “المجتمع الصيني الأفريقي”، تدعو خطة عمل منتدى التعاون الصيني الأفريقي 2022-2024 إلى تعزيز “تطبيق خطة السلام والأمن الصينية الأفريقية” التي تهدف إلى دعم “بناء بنية السلام والأمن الأفريقي”. عند النظر إليها في سياق خطتي العمل السابقتين للمنتدى، يبدو أوضح من أي وقت مضى أن بكين تهدف إلى تعزيز نظام على مستوى القارة للعلاقات الأمنية بين أفريقيا والصين.

قدّمت غينيا الاستوائية للصين فرصة لترسيخ تواجد عسكري على الأطلسي، لكن حكومة الدولة ليست الوحيدة في أفريقيا ذات المديونية العالية للصين وحيث تلعب بكين دورًا محوريًّا في التنمية الاقتصادية. من المحتمل أن تظهر قواعد بحرية صينية أخرى على الساحل الأطلسي لأفريقيا. وسواء شيّدت منشآت جديدة في المدى القريب أو لا، سوف يؤدي تعزيز بكين لبنية الأمن الأفريقية دون شك إلى بنائها في المدى البعيد. في مثل هذه الظروف، سوف تخدم قارة أفريقيا نفسها كقاعدة أمامية لبكين لاستعراض القوة مباشرة تجاه أمريكا الشمالية وأوروبا.

لقد علمتنا التجربة – كما ظهر في 2015 عندما بدأت بكين بعض الإنفاق العسكري الجاد في أفريقيا – أن المزيد من الاستثمار قد يشير أيضًا إلى مشاركة جديدة وتحولية في التنمية السياسية والاقتصادية لأفريقيا. وأيًّا كان ما يحدث، فإن عجز تنفيذ الولايات المتحدة وأوروبا المتواصل في المشاركة الاقتصادية مع أفريقيا مقارنة بالصين سيأتي بتكلفة جيوسياسية باهظة.

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا