المركز الفرنسي لبحوث وتحليل السياسات الدولية | كورنا هل نحن أمام نظام عالمي جديد؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية

بقلم – الباحث إسلام موسى
يقول الدكتور علاء أبو طه استاذ القانون والعلاقات الدولية: "تبدو فكرة السيادة للدول مازالت هي حجر الاساس لبناء العلاقات الدولية، مهما بدى تراخيها في بعض اشكال انسيابية الحدود في زمن العولمة، وأزمة كورونا. الان يتم التعاطي معها بجهود قومية وليست عالمية بشكل يوازي حجم الوباء، واختبار أهداف الترابط الدولي بدى اليوم أنها كارتونية لا ترقى لمستوى التحدي وما زالت النزعة القومية هي الغالبة في سلوك الدولة المعاصرة.
لذلك نقول العولمة كانت هدف الربح فقط وليس عولمة المصالح البشرية والانسانية كما كان يروج الليبراليون الجدد. مازال عالم اليوم اكثر تفتتا وانفصالا، وعدد الكيانات من الدول وغيرها في تزايد، والعولمة بشكلها الثقافي أدت الى ارتدادات الاحتماء بهوية قومية تمثلت بعودة اليمين وهوية دينية تمثلت في التطرف والطائفية".
اختفاء مفهوم تكامل الاتحاد الأوربي

تجاهلت دول الاتحاد وثيقته التأسيسية الخاصة بالتضامن وقت الكوارث وعمدت التقوقع الي على نفسها داخل حدودها القومية، في تصرف يشير الشكوك حول مصير معاهدة شنغن.

وتحت شعار حماية السكان، لم يتطرق أي رئيس دولة أوربية في خطابه وسلوكه أي توجه ودعوة  للوحدة في مواجهة الفايروس.

 أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 16 مارس 2020، عن إغلاق الحدود مع أوروبا لمدّة 30 يوما في ظلّ انتشار فيروس كورونا المستجد بالمنطقة. وقال ماكرون في خطابه: "نحن في حالة حرب صحية خطيرة.. وعلى الشعب والمسؤولين أن يتحدوا لمواجهة فيروس كورونا المستجد".

حتى أنجيلا ميركل التي اعتبرت نفسها أكبر المدافعين عن سياسة الحدود الأوربية المفتوحة وجدت نفسها في خطابها الأخير تنعي موقفها هذا بفرض الإغلاق الحدودي مع فرنسا والدنمارك والنمسا وسويسرا ولوكسمبورغ.
وتحت تسارع سياسة الدومينو للحماية من الفايروس التسلسلية، بدأت سلوفينيا بإغلاق جزئي للمعابر مع إيطاليا بالذات، بما فيها شبكة السكك الحديدية الحيوية، كذلك بولندا، أعلنت في 13 آذار بأنها ستسمح فقط للمواطنين والمقيمين بدخول أراضيها، وقال رئيس الوزراء مورافيتسكي "إن الدولة لن تتخلى عن مواطنيها"، مؤكدا أنه "في الوضع الحالي لا يمكننا أن نبقي الحدود مفتوحة للأجانب"، واتخذت العديد من الدول الأوربية نفس الاجراءات.
الاتحاد الأوروبي يتخلى عن إيطاليا ويتركها وحيدة

الدول الأوربية لم تكتفي بسياسة الانغلاق الحدودية، بل أيضا، لم تهب فيه الى انقاذ ايطاليا، ثاني دولة في العالم أصيبت بانتكاسة فايروس كورونا، قامت ألمانيا مثلا بمنع تصدير المعدات الطبية، وفعلت فرنسا الأمر نفسه، بينما كانت المساعدة الأمريكية هي اتهام إيطاليا وأوروبا بأنها خطر على الأمن القومي الصحي الأمريكي، كما جاء في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويعتبر قطاع الصحة في الاتحاد الأوروبي من ضمن المجالات التي تقع تحت سلطة وصلاحيات دوله، ورغم أنه لا توجد سياسات صحية مشتركة لعموم الاتحاد الأوروبي إلا أنه يتعيّن على دوله التحرك في إطار التضامن والتنسيق حال وقوع الأزمات.
كما يجب على المفوضية الأوروبية التي تعد بمثابة الجهاز التنفيذي بالاتحاد الأوروبي أن تتولى مهمة التنسيق في مثل هذه الحالات.
الوضع الراهن في الاتحاد الأوروبي أظهر عدم التزام الدول الأوروبية بمبدأ روح التضامن، كما أظهر ضعفاً بدور المفوضية الأوروبية التي لم تقم بالتنسيق كما ينبغي.
وقد علق سفير إيطاليا لدى الاتحاد الأوروبي ماوريتسو ماساري، على هذه الظروف الاتحاد الأوروبي لم يتخذ خطوات ملموسة مؤثرة وعاجلة  غير الاجتماعات وتبادل وجهات النظر”و أكد أن إيطاليا تُركت وحيدة في مواجهة فيروس كورونا، كما تركت وحيدة في مواجهة أزمة اللاجئين.  وكانت هناك ردة فعل مشابه من رئيس الوزراء النمساوي سبستيان كورز الذي قال إن "مبدأ التضامن والتكاتف لا يعمل في أوروبا في ظل هذا الوضع الخطير". دول الاتحاد الأوروبي تحرك منفردة دون تنسيق فيما بينها، وتطبق سياسات العزل.
في اطار سياسة التخلي والانغلاق هذه تقدمت الصين بدعم كبير لإيطاليا وأرسلت فريق طبي متخصص، بالإضافة الى  مليوني قناع طبي (كمامة)، وألف جهاز لتهوية الرئة و20 ألف لباس واقي.
 كذبة المجتمع الدولي ، ونهاية العولمة كما نعرفها

لقد كشفت أزمة كورنا أن كلمة "المجتمع الدولي" هو كذبة كبيرة،  ولي رأس المال مجرد وهم ومراكمة ربحية دون اعتبار لأدنى الأخلاقيات والمعايير الإنسانية القيمية. تضامن واتفاقيات وتحالفات واصطفافات اثبتت عبثيتها بمجرد أزمة جدية كشفت عورات السياسات.
عمليات سطو بحرية وسرقة اعانات طبية، هناك باخرة كانت قادمة إلى تونس محمّلة بكحول طبي تم قرصنتها في البحر من قبل إيطاليين. ومجهولين من التشيك هاجموا شحنة وسائل طبية قادمة من الصين إلى إيطاليا للسيطرة عليها كما يفعل قطاع الطرق، وصف المراقبون الحدث أنه بداية الانحدار الأخلاقي للدول التي أخذت تتحرر من الضوابط والقوانين في زمن الخطر، للحفاظ على نفسها في حياة تقترب من حياة الغابة التي يبحث فيها كل واحد عن نفسه. المؤشرات نحو الانحدار قليلة، لكنها بدايات كافية لتؤشر إلى بداية تفكك ما خلقته العولمة من المراكز والحدود.
 يتفق روبن نيبليت (المدير والرئيس التنفيذي لشركة Chatham House)  بأن قد يكون الفيروس هو القشة التي قصمت ظهر البعير للعولمة الاقتصادية.  وأن فايروس كورنا سوف يجرب الحكومات والشركات والمجتمعات على تعزيز قدرتها على التعامل مع فترات طويلة من العزلة الاقتصادية الذاتية.
يبدو من غير المحتمل إلى حد كبير في هذا السياق أن يعود العالم إلى فكرة العولمة المفيدة للطرفين التي حددت أوائل القرن الحادي والعشرين. وبدون حافز لحماية المكاسب المشتركة
كالاستجابة للضغط العام المتزايد لتحقيق أهداف خفض انبعاثات الكربون الذي تناسب عكسيا مع التكامل الاقتصادي العالمي، فإن بنية الحوكمة الاقتصادية العالمية التي تم إنشاؤها في القرن العشرين ستتدهور بسرعة. وسيتطلب الأمر عندئذٍ انضباطًا هائلاً للقادة السياسيين للحفاظ على التعاون الدولي وعدم التراجع إلى المنافسة الجيوسياسية العلنية.
وعندما يثبتوا لمواطنيهم أنهم قادرون على إدارة أزمة COVID-19 سيشتري السياسيون بعض رأس المال السياسي. ولكن أولئك الذين فشلوا سيجدون صعوبة في مقاومة إغراء إلقاء اللوم على الآخرين لفشلهم.
عولمة أكثر تتمحور حول الصين

يرى كيشور محبوباني (زميل متميز في معهد آسيا للبحوث بجامعة سنغافورة الوطنية، ومؤلف كتاب "هل فازت الصين؟" التحدي الصيني للأولوية الأمريكية) "أن جائحة COVID-19 لن تغير بشكل أساسي الاتجاهات الاقتصادية العالمية. وسوف تسرع فقط من التغيير الذي بدأ بالفعل: الانتقال من العولمة التي تتمحور حول الولايات المتحدة إلى العولمة التي تتمحور حول الصين.
  ويتساءل لماذا سيستمر هذا الاتجاه؟ لقد فقد الشعب الأمريكي ثقته بالعولمة والتجارة الدولية. واتفاقيات التجارة الحرة، سواء مع أو بدون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي المقابل، لم تفقد الصين إيمانها. لما لا؟ هناك أسباب تاريخية أعمق، حيث يعرف القادة الصينيون جيدًا الآن أن قرن الإذلال الذي عاشته الصين من عام 1842 إلى عام 1949 كان نتيجة لتهاونها وجهودها غير المجدية من قبل قادتها لقطعها عن العالم.
وعلى النقيض من ذلك، كانت العقود القليلة الماضية من الانتعاش الاقتصادي نتيجة للمشاركة العالمية. كما شهد الشعب الصيني انفجار الثورة الثقافية، ويعتقدون أنهم قادرون على المنافسة في أي مكان".
لقد طغى الصراع السياسي والقومي على المواجهة الموحدة لهذا الفايروس. ورغم كل ما حدث ورغم اتضاح خطر هذا الوباء على البشرية وانتشاره بين أغلب دول العالم وتهديده بالوصول إلى تلك الدول التي لم يصلها بعد، فإن كثيرا من إجراءات الدول هي إجراءات خائفة ومرتعشة ولم تتعامل مع هذه الجائحة حتى الان وفقا لمتطلبات العلم وبعيدا عن الأنانية والمصالح الذاتية.
لن ينجو العالم ولن تنتصر البشرية على هذه الجائحة إن استمر هذا التعامل الاناني والفردي مع هذه النكسة. ان العالم وخاصة الدول الكبرى مدعوه لإيجاد آلية دولية تتصدى لهذه الجائحة، ولكل نتائجها الاقتصادية والاجتماعية، بروح الوحدة والتعاون والتضامن الإنساني، لا يمكن الانتصار على هذا الفيروس دون القضاء عليه في كل دول العالم، فقيرها قبل غنيها.
هذا ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عندما قال: "نحن بحاجة إلى إنهاء مرض الحرب من أجل الانتصار في الحرب على المرض الذي يدمر عالمنا، يجب أن يبدأ الآن وقف القتال في كل مكان، هذا ما تحتاجه عائلتنا البشرية، الآن أكثر من أي وقت مضى.
من المؤكد أن الخريطة السياسية ما بعد الفايروس لن تبقى على حالها في العالم قبل الكورونا، الواضح أيضا أن معيار التقدم اليوم ليس الاستعراض العسكري وتخصيب اليورانيوم بل نظام الرعاية الصحية ومختبرات البحث وميزانية التعليم والبحث العلمي واستراتيجيات مجابهة الازمات ومدى الوعي الوطني.

 يبدوا أن النجم سيسطع في المستقبل من الشرق ومن الدول التي رغم التحديات الاقتصادية حافظت على الإرث الإنساني والبعد الاجتماعي والقيمي يبقى ديما حاضر.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا