المركز الفرنسي لمكافحة الإرهاب | دخول تركيا على خط الأزمة الليبية: الدوافع والأهداف

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية
المصدر- المركز الفرنسي للبحوث ومكافحة الإرهاب والتطرف

منذ اندلاع الازمة في ليبيا في العام 2011، تحولت ليبيا إلى ملاذ آمن للتنظيمات الارهابية والمليشيات المسلحة ذات الولاءات المختلفة والتي انتشرت في البلاد وحولتها الى ساحة حروب أهلية، تؤججها تدخلات خارجية، تتصدرها تركيا التي لم تتوقف تحركاتها يوما عن دعم الجماعات المتطرفة في جنوب وغرب ليبيا خلال السنوات الأخيرة، وذلك لتعزيز نفوذ الجماعات المتشددة التي تدعم تيار الإسلام السياسي في ليبيا.

انخرطت تركيا في الصراع الليبي دعما للمتطرفين الموالين لها، وظهرت أولى دلائل الدعم التركي للمسلحين في ليبيا في يناير 2013، حين عثرت السلطات اليونانية على أسلحةً تركية على متن سفينةٍ متجهة إلى ليبيا بعد توقفها في اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية. وفي ديسمبر من ذات العام، اعترضت إدارة الجمارك المصرية أربع حاوياتٍ من الأسلحة قادمة من تركيا ويُعتقد أنها كانت موجهة للمليشيات الليبية ، وتكرر طيلة السنوات الماضية ضبط سفن السلاح القادمة الى المسلحين في ليبيا من تركيا بالرغم من الحظر الدولي على ليبيا، وتكرر معها نفي تركيا علمها بها.

لكن هذا التحفظ التركي سرعان ما سقط مع اطلاق الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال حفتر في الرابع من أبريل الماضي عملية “تحرير طرابلس” حيث سارعت أنقرة للتدخل بهدف حماية قوات حكومة السراج الموالية لها، وتتالت عقب ذلك الدلائل على التواجد التركي في ليبيا.
وعلى مدار الأشهر الماضية، انكشفت التدخلات التركية في لبيبا شيئاً فشيئا، إذ تم ضبط شحنات أسلحة تركية محملة على متن سفن، كان آخرها السفينة التي تحمل اسم “أمازون”، والتي خرجت من ميناء سامسون في التاسع من مايو الماضي، محملة بآليات عسكرية وأسلحة متنوعة، قبل أن تصل إلى ميناء طرابلس.

كما أشارت بعض تقارير وسائل إعلام مختلفة عن تورط الضباط الأتراك المباشر فى المعارك، وهو ما كشف عنه القبض على عدد من ضباط الاستخبارات التركية فى ليبيا، إذ سقطوا أسرى فى يد الجيش الليبى أثناء تقدمه فى طرابلس.
فيما تمكنت دفاعات الجيش الليبي منذ بدء العملية العسكرية من إسقاط ما يقارب من 10 طائرات تركية مسيرة، كانت تستخدم في توفير غطاء جوي لتقدم قوات الوفاق، كما نجحت قوات الجيش في تدمير غرفة التحكم الرئيسية بالطائرات المسيرة في مطار معيتيقة الدولي. ما يثبت التورط التركي في النزاع الليبي الداخلي.

من هنا أثُير التساؤل بأهداف الدخول التركي على خط الأزمة الليبية ودوافعه؛ والمساندة التي تقوم بها تركيا، عبر التسليح والتدريب، للقوات والميليشيات المسلحة التي تتمركز في طرابلس ومحيطها. صحيح أن الأسباب وراء دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني معقدة، إلا أن هناك عددا من السيناريوهات والتفسيرات في هذا الصدد.

دعم جماعة الاخوان المسلمين: تقول إحدى النظريات الأكثر شيوعا إن تركيا قد استُدرجت إلى الصراع بسبب تقاربها الأيديولوجي من عناصر جماعة الإخوان المسلمين البارزة داخل حكومة الوفاق الوطني. فما من أحد ينكر تأثير جماعة الإخوان المسلمين على العلاقات التركية مع دول مثل سوريا والسودان وفلسطين ومصر. ومع انهيار تنظيم “الإخوان المسلمين” في مصر، وانحسار تأثير فروعه في سورية، وحالياً في السودان، وإلى حد ما في تونس، تحاول تركيا إنقاذ ما يُمكن إنقاذه في ليبيا، خصوصاً بعد استعادة الجيش الوطني الليبي السيطرة على معظم أراضي البلاد، فيما لم يتبق سوى العاصمة طرابلس.

وقد أسفر دعم تركيا المستمر لحكومة الوفاق الوطني وميليشياتها عن وصول الطرفين إلى حد الاعتماد المتبادل على بعضهما البعض؛ فالإسلاميون يحتاجون إلى دعم أنقرة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الجيش الوطني الليبي، بينما تحتاج تركيا للإسلاميين إن كان لديها أي أمل في أن تكون لها كلمة مسموعة بالبلاد في المستقبل.

الضغط على الاتحاد الاوروبي : لعل أحد الأسباب التي تدفع أنقرة إلى التدخل في الصراع الدائر على الساحة الليبية، البحث عن “منطقة نفوذ”، تستطيع بها الضغط على أوروبا؛ وهو ما يمكن أن يتحقق عبر ورقة “المهاجرين”، باعتبار أن ليبيا تُشكل حالياً البوابة الرئيسة لوصول هؤلاء إلى أوروبا؛ وهي ورقة استطاعت تركيا استخدامها من قبل عبر المهاجرين السوريين. والواقع أن ورقة المهاجرين تُمثل مصلحة استراتيجية لتركيا، التي تسعى جاهدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، المُعرِض عنها، تتمكن من خلالها من تخفيف الضغوط الأوروبية عليها، خصوصاً تلك المتعلقة بـ”حقوق الإنسان”. بل، تزداد أهمية هذه الورقة بعد الإجراءات العقابية التي فرضها الاتحاد الأوروبي (على تركيا) بسبب أنشطة التنقيب عن الغاز الطبيعي التي تقوم بها أنقرة قرب سواحل قبرص.

التحالف والشراكة مع قطر: ترتبط سياسة تركيا تجاه ليبيا ارتباطا وثيقا بعلاقتها مع قطر، تلك الدولة الخليجية الصغيرة التي كان لها تأثير كبير على السياسة الخارجية التركية. كانت تركيا هي التي أنقذت قطر من أسوأ آثار للمقاطعة التي فرضتها السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين على الدوحة عام 2017، حين اتهمت الدول الأربع الحكومة القطرية بدعم جماعة الإخوان المسلمين. وفي حين تملك أنقرة القدرة العسكرية اللازمة للإمداد بالقوة في هذه العلاقة، كانت قطر ممولا مخلصا يمد الحكومة التركية بالأموال طوال فترة التدهور الاقتصادي الأخيرة، وتعاون البلدان في تناغم تام لتحقيق المصالح المشتركة في المنطقة. ومن بين تلك المصالح ليبيا، التي يُنظر فيها من جديد إلى قطر على أنها تمول حكومة الوفاق الوطني بينما تقدم لها تركيا المساعدة العسكرية.

الضغط على النظام المصري: لم يخف الرئيس التركي معارضته للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ أن أطاح بسلفه محمد مرسي عام 2013. كان مرسي صديقا حميما لأردوغان الذي ندد مرارا بالسيسي. ومن ثم ربما تكون المغامرة الليبية جزءا من خطة الرئيس التركي الرامية للنيل من السيسي الذي يدعم حفتر والجيش الوطني الليبي.

تجارة السلاح: تُعد بلداً مثالياً لاستيراد الأسلحة من تركيا، طالما استمر فيها الصراع العسكري؛ إذ تحظى مشروعات الصناعات العسكرية الدفاعية باهتمام الحكومة التركية، التي تخصص لها ما متوسطه 1.3 بليون دولار من الموازنة السنوية. وبالتالي، فإن تحقيق نوع من التوازن بين القوى المتصارعة على الساحة الليبية، أمر مهم بالنسبة إلى أنقرة، من حيث إن دعم القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني، وميليشيات مصراتة، يشكل فرصة لفتح سوق للسلاح التركي؛ هذا، فضلاً عن أن صراع هذه الميليشيات مع الجيش الوطني الليبي، يتيح الفرصة لاختبار السلاح التركي في مواجهة هذا الأخير

النفط والغاز: يأتي أهم تلك الأسباب، من منظور الأولويات التركية في دعمها تلك الميليشيات؛ فبالإضافة إلى محاولة الحصول على نصيب من الثروة النفطية الليبية، تضع أنقرة نُصب أعينها الفوز بحصة من الاحتياطي الهائل من الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط؛ وهو الهدف الذي يحتاج إلى حلفاء لتركيا في طرابلس. وهنا، لنا أن نلاحظ أن أنقرة التي تجد نفسها في عزلة إلى حد ما، بعدما دخلت دول الجوار في البحر المتوسط في اتفاقات لتقسيم مناطق التنقيب عن الغاز واستخراجه. وفي ظل المعارضة الأوروبية والمتوسطية للخطط التركية للتنقيب بشكل أحادي؛ تجد أنقرة نفسها مضطرة إلى محاولة التوصل لاتفاق مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، حول المشاركة الساحلية للحد من مطالبات اليونان بالسيادة البحرية على المنطقة؛ إذ، في حال الاتفاق بين طرابلس وأنقرة، تستطيع الأخيرة ترسيم حدود بحرية “غير سليمة”، لمواجهة الضغط الناشئ عن الكتلة “المصرية – اليونانية – القبرصية اليونانية”، وتستفيد من زيادة إجمالي مساحة منطقتها الاقتصادية إلى نحو 190 ألف كلم، متجاوزة بذلك اليونان وقبرص.

هكذا، تتبدى بوضوح الدوافع الاقتصادية التركية وراء تدخل أنقرة في الأزمة الليبية، ومحاولة تصعيد هذه الأزمة، عبر دعمها لحلفائها السياسيين والميليشيات المسلحة، التي تتمركز في طرابلس العاصمة؛ بداية من اللعب على ورقة المهاجرين للضغط على أوروبا، مروراً بمحاولة الحصول على حصة من عقود إعادة الإعمار في ليبيا، وكذلك تجريب السلاح التركي واختباره في مواجهة الجيش الليبي، وصولاً إلى غاز منطقة شرق المتوسط.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا