المعهد الأفريقي للدراسات الأمنية | تنظيم داعش يعزز موقعه في حوض بحيرة تشاد

بسام عباس

رؤية

ترجمة – بسام عباس

لقد فتح مقتل “أبو بكر شيكاو”، الزعيم القديم لجماعة أهل السنة للدعوة والجهاد، الباب واسعًا لإعادة تشكيل القوات في حوض بحيرة تشاد، كما سمح أيضًا لتنظيم داعش بتعزيز موقعه في المنطقة من خلال ولايته في غرب إفريقيا.

ووفقًا لأبحاث معهد الدراسات الأمنية الجارية، يستعد تنظيم داعش لإنشاء أربع ولايات في ولاية بورنو، شمال شرق نيجيريا، للإشراف على أنشطته في منطقة حوض بحيرة تشاد وما حولها. وبحسب ما ورد، قدمت ولاية غرب إفريقيا، في يونيو الماضي، خططًا لإنشاء ولايات جديدة في بحيرة تشاد وسامبيسا وتمبكتو وتومبوما، وسيكون لكل منها والٍ وهيكل إداري خاص بها.

ومع ذلك، ستكون الولايات الأربعة تحت سيطرة تنظيم داعش الرئيسي بقيادة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي؛ ما يشير إلى سيطرة مركزية للتنظيم الإرهابي، ولذلك ستظل بعض المواقع مركزية في حوض بحيرة تشاد ولن تتكرر في كل ولاية.

وتشمل هذه المناصب في مجلس الشورى وأمير الجيش. كما سيكون لكل خلافة ممثلين اثنين على الأقل في مجلس الشورى وقادة عسكريين لكل منها. وسيقدمون تقاريرهم إلى أمير الجيش، الذي سيشرف على جميع الأنشطة العسكرية في المنطقة.

وفي الوقت الحالي، يُقال إن هناك واليًا معينًا جديدًا، وهو “با لاوان”، المسؤول عن تومبوما. فيما سيرقى زعيم ولاية غرب إفريقيا “أبو مصعب البرناوي”، الموجود في سامبيسا منذ وفاة شيكاو، ليصبح رئيس مجلس الشورى الجديد. وسيقدم جميع الولاة الأربعة تقاريره إليه. أما “سعد”، أمير الجيش الحالي، فهو يشرف على جزر بحيرة تشاد ريثما يتم تعيين والٍ جديد هناك. ويقدم قادة ولاية غرب إفريقيا المرشحين الجدد، ويتم تعيينهم بعد موافقة تنظيم داعش.

وكجزء من عملية الدمج، عاد مقاتلو بوكو حرام السابقون الذين غادروا إلى ليبيا لأسباب مختلفة إلى حوض بحيرة تشاد للانضمام إلى ولاية غرب إفريقيا، حيث كشفت مقابلات مع أفراد مطلعين على هذه الحركات عن وصول نحو 80 مقاتلًا على دفعتين إلى نيجيريا قادمين من ليبيا في أبريل الماضي. ومن بين أسباب أخرى، فر البعض بعد انقسام بوكو حرام عام 2016، بعد أن خاب أملهم مما اعتبروه أنانية القادة في كلا الفصيلين.

وبدعم من تنظيم داعش، تعتمد ولاية غرب أفريقيا على شبكة معقدة من الاتصالات والطرق التي تمتد عبر غرب وشمال إفريقيا (ليبيا– الجزائر– مالي– النيجر– نيجيريا) لتسهيل تحركات المقاتلين. ومن المتوقع الآن أن يأتي من ليبيا نحو 120 آخرين، بمن فيهم العرب الذين سيتمركزون بشكل دائم في المنطقة كجزء من القيادة.

وعلم معهد الدراسات الأمنية أن بعض المقاتلين العائدين– من نيجيريا والنيجر ومالي– كانوا جزءًا من فريق ولاية غرب أفريقيا الذي هاجم سامبيسا في مايو؛ ما أسفر عن مقتل شيكاو.

وبعد عودتهم من ليبيا، تمركزت المجموعة الأولى في شوارام في منطقة الحكومة المحلية في كوكاوا بولاية بورنو، نيجيريا، للسيطرة عليها. ثم تم نشرهم في تمبكتو (غابة ألاغارنو) في منطقة الحكومة المحلية في دامبوا، حيث انضم إليهم فيما بعد مقاتلون من جزر بحيرة تشاد.

وقد أثبتت ولاية غرب أفريقيا على مر السنين أنها أحد أكبر وأنجح الجماعات التابعة لتنظيم داعش، بإقرار صريح من القيادة المركزية، وأتاح موت شيكاو لهذه الولاية السيطرة على مزيد من الأراضي والمقاتلين والأسلحة.

وتبرز عودة المقاتلين السابقين والدور المتزايد الذي يسعى تنظيم داعش ليلعبه ضمن أكبر التحديات الحالية لجهود تحقيق الاستقرار وخطط التصدي للتطرف العنيف في المنطقة وخارجها، حيث يواصل التنظيم الإرهابي مهاجمة المبادرات الإنسانية والحكومية وقتل وخطف العاملين في المجال الإنساني ونهب وحرق مكاتبهم. وقد أدى ذلك إلى زيادة أعداد النازحين، 54٪ منهم من الإناث، لا سيما في شمال شرق نيجيريا.

وفي ولاية بورنو، الولاية الأكثر تضررًا في منطقة حوض بحيرة تشاد، لا تستطيع الدولة والجهات الفاعلة الإنسانية الوصول إلى 19٪ من الأراضي كليًّا بسبب انعدام الأمن.

وفي السياق ذاته، يدعم تنظيم داعش الإصلاحات داخل ولاية غرب أفريقيا لإرضاء مقاتليه وتأمين ولائهم، وهذا يشمل اتخاذ خطوات لضمان معاملة القادة لهم بإنصاف، كما سمح للمقاتلين الآن بحرية التصرف في نصيبهم من غنائم الحرب؛ ما يزيد من الحافز الاقتصادي للقتال من أجل التنظيم.

وتشمل الإصلاحات أيضًا حماية ودعم سبل عيش المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم. وتعد هذه استراتيجية فعالة، حيث تُترجم سبل العيش المحلية الأفضل إلى زيادة الإيرادات من خلال الضرائب، كما أنها تضفي مزيدًا من الشرعية على التنظيم وأنشطته.

كذلك يعتبر التنظيم الجهود الإنسانية وجهود تحقيق الاستقرار تهديدًا مباشرًا لهدفه المتمثل في تقديم نفسه على أنه الحكومة الوحيدة ذات المصداقية أمام المدنيين. ولا يمكن لمثل هذه المبادرات أن تتم أو تنجح في حالة استمرار الهجمات وانعدام الأمن.

هناك حاجة إلى مزيد من التعاون العملي بين الدول داخل وخارج حوض بحيرة تشاد، خاصة في مجالات جمع المعلومات الاستخبارية وتبادلها، والتحقيقات والبحوث المشتركة التي أصبحت حاسمة بشكل متزايد ولا يمكن للدول التعامل معها بشكل فردي.

ويمكن أن يساعد أيضًا تحسين إدارة الحدود والأمن، إذ إن من المعروف أن الجماعات المتطرفة تستغل الحدود المليئة بالثغرات وغير الخاضعة للرقابة من أجل التنقل والملاذ؛ نظرًا لأنه من المستحيل عمليًا مراقبة هذه الحدود الطويلة ماديًا، كما يمكن أن تلعب التكنولوجيا، مثل الطائرات بدون طيار وأجهزة الاستشعار والذكاء الاصطناعي، أدوارًا حيوية في هذه العملية. ومع ذلك، يجب نشرها كعنصر مكمل للذكاء البشري وتحسين العلاقات بين الدولة والمجتمع.

ولا يقل أهمية عن ذلك الاستثمار في جهود الوقاية التي تعرقل حملة تجنيد ولاية غرب أفريقيا للعناصر الجديدة، سواء كان هذا التجنيد أيديولوجيًّا أم غير ذلك، وجهودها المستمرة لإنشاء دولة موازية في المنطقة. كما يجب على حكومات المنطقة أن تدرك أن التهديدات التي تشكلها ولاية غرب أفريقيا لن تختفي إلا بعد تقلص مساحة نشاطها؛ وبالتالي يجب أن تكون هناك بدائل ذات مصداقية وأفضل لما تقدمه الجماعة الإرهابية لكسب قلوب وعقول المدنيين.

ومن ناحية أخرى، ينبغي على الدول مراجعة علاقاتها الاجتماعية مع شعوبها، إذ إن تعزيز هذه الأمور لأمر بالغ الأهمية لمنع المزيد من الناس من الانضمام إلى الجماعات المتطرفة. وهو ما يتطلب زيادة التواجد الحكومي في المناطق النائية، وهو ما ينبغي أن يترجم إلى مزيد من الأمن، وتوفير سبل عيش بديلة، واحترام حقوق الإنسان والوصول إلى الخدمات الأساسية والجيدة مثل الرعاية الصحية والتعليم والمياه الصالحة للشرب.

لقراءة النص الأصلي.. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا