المنطقة الآمنة بسوريا.. تحرك تركي منفرد

محمود طلعت

رؤية – محمود طلعت

تسعى تركيا لإقامة “منطقة آمنة” بطول 480 كم شمال شرق سوريا على امتداد الحدود التركية، وإخلائها من وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها أنقرة تنظيمًا إرهابيًا.

ويرى مراقبون أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، له أهدافه الخفية من وراء مشروعه الخاص بإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، وذلك لتحقيق مكاسب اقتصادية على الأرض.

وفي أغسطس الماضي توصلت واشنطن وأنقرة إلى اتفاق لإقامة منطقة آمنة بين الحدود التركية والمناطق السورية، شرقي نهر الفرات، الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية.

وترى الولايات المتحدة في وحدات حماية الشعب الكردية حليفا لها في معركتها ضد تنظيم داعش، لكن أنقرة تعتبر الفصيل الكردي مجموعة “إرهابية” على صلة بحزب العمال الكردستاني المحظور.

عبء اللاجئين السـوريين

وسائل إعلام تركية قالت: إن أردوغان يخطط لإنشاء بلدات وقرى في المنطقة الآمنة تستوعب مليون نسمة بشكل مبدئي، ونشرت تفاصيل المشروع السكني الذي يريد أردوغان إنشائه، للتخلص من عبء اللاجئين السوريين في بلاده.

أردوغان وفي كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تناول الحديث عن مشروع المنطقة الآمنة، ودعا جميع الدول لدعم مجهودات أنقرة ومساعينا الخاصة بسوريا.

وقال أردوغان: “ننوي إقامة ممر سلام بعمق 30 كيلومترًا وطول 480 كيلومترًا، كمرحلة أولى، وتوفير مساكن ووحدات سكنية لنحو 2 مليون سوري فيها، بدعم من المجتمع الدولي”.

ومن المعلوم أن الرئيس التركي يرغب عبر مخطط “ممر السلام” في القضاء على الوجود الكردي بالمنطقة، ومنع قوات سوريا الديمقراطية من إقامة كيان يتمتع بالحكم الذاتي في المنطقة.

تفاصيل خطة أردوغـــان

ووفق المخطط سيتم في المنطقة الآمنة إنشاء 10 بلدات بتعداد سكاني 30 ألف لكل منها، و140 قرية بتعداد سكاني يبلغ 5 آلاف لكل منها.

حسب الخطة التي أعلنها أردوغان، لتسكين نحو مليون سوري، تضم القرية الواحدة وحدات سكنية مستقلة، كل وحدة منها على مساحة 100 متر مربع، تتكون من 3 غرف وصالة واحدة، بإجمالي عدد 1000 وحدة سكنية.

إضافة إلى مسجدين، و16 مدرسة كل منها بطاقة استيعابية 16 فصلًا، ومركز شباب واحد، وصالة رياضية مغطاة. كما سيتم منح كل أسرة قطعة أرض زراعية بمساحة فدان واحد.

أما البلدات فتتكون البلدة الواحدة من 6000 وحدة سكنية، كل منها على مساحة 100 متر مربع، تتكون من غرفتين وصالة أو ثلاثة غرف وصالة.

إضافة إلى جامع مركزي، و10 مساجد صغيرة في الأحياء، و8 مدارس كل منها بطاقة استيعابية 16 فصلًا، ومدرسة ثانوية، وصالتين رياضيتين، و5 مراكز شباب، و4 ملاعب كرة قدم، ومستشفى بسعة 10 أسرة لـ8 بلدات، ومستشفى أخرى بسعة 200 سرير في بلدتين، ومنطقة صناعية صغيرة، وجامعة.

تركيا.. استغلال اقتصادي 

وعن التكلفة الإجمالية لبناء الوحدات الكافية لإسكان مليون شخص، فتبلغ بنحو 150 مليار و965 مليون و400 ألف ليرة تركية.

ويشير الخبراء إلى أن أردوغان يريد استغلال قضية المنطقة الآمنة اقتصاديا، عبر طلب المشاركة الدولية في “إعادة إعمار” شمال شرق سوريا.

يشار إلى أن مخطط أردوغان سبق تنفيذه في شرق وجنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، حيث دمر أولاً المناطق السكنية بدعوى مكافحة العناصر التابعة لحزب العمال الكردستاني، ومن ثم قام بإعادة تصميم المدن الكردية.

الخلاف التركي الأمريكي

الخلاف الحالي بين تركيا والولايات المتحدة حول المنطقة الآمنة، يكمن في عمقها الذي لا يريد الأمريكان زيادته عن 20 كيلومترا، وكذلك رفضهم مغادرة عناصر القوات الكردية المدعومين منهم، وعدم الموافقة على طلب أنقرة بوضع المنطقة الآمنة تحت إدارتها.

بدوره قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أمس الجمعة، إن بلاده “غير راضية” عن وضع المحادثات الجارية مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة المزمع إقامتها في شمال سوريا.

وعقب اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، كرر أوغلو تحذير أنقرة من أنها “ستعمل من جانب واحد إذا لم تحقق المحادثات نتائج”.

ويرى حسن أونال الأستاذ في جامعة مالتيبي أن أنقرة وواشنطن تواجهان صعوبة أيضاً في التوصل إلى اتفاق، وقال: “يبدو إنه ليس هناك اتفاق واضح وجلي بين الطرفين، والتسوية تبدو هشة”.

بالإضافة إلى ذلك يرى المحلل أن أردوغان عاد من نيويورك بدون التمكن حتى من لقاء ترامب وبالتالي “خالي الوفاض” إلى حد ما.

تــــحرك تركـــي منــفرد 

المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا جيمس جيفري، وعلى هامش الاجتماعات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد أن الرغبة التركية للتحرك من طرف واحد لإقامة المنطقة الآمنة لن يكون مفيدًا.

ووجه تحذيرا للجانب التركي بأن التحرك من طرف واحد لن يؤدي إلى تحسن أمن أحد، معتبرا أن الأتراك لديهم بالطبع خيار التحرك عسكريا.

أهداف أنقرة وواشـــنـطن  

يرى أردوغان أن منظور المنطقة الآمنة لدى الإدارة الأمريكية يختلف عن أهداف تركيا، من حيث مساحتها والقبول بالسيطرة التركية الكاملة عليها، والسماح بتواجد القوات الكردية بها.

ومؤخرا وعقب استضافة أنقرة قمة حول سوريا بمشاركة طهران وموسكو، قال أردوغان: إن البلدان يدعمان المنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا، ما يشير إلى توصله لداعم بديل عن الولايات المتحدة.

وأوضح أن هناك دوريات مشتركة بين قوات أمريكية وأخرى تركية مع غطاء جوي من أربع طائرات هليكوبتر على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، قائلًا: “هذه الدوريات ستستمر وستتوسع.

ويرى الخبير في شؤون سوريا فابريس بالانش أن هدف أردوغان كما يبدو إقامة “حزام عربي” مؤيد لتركيا على الحدود التركية عبر إبعاد الأكراد عن تلك المنطقة”.

ويضيف “إذا كان أردوغان يريد وضع اللاجئين على الحدود، آلاف أو حتى مليون شخص، فسيؤدي ذلك إلى تشتيت لحمة السكان الأكراد، كما أن الأراضي التي تخطط تركيا أن تبني فيها “تعود ملكيتها لجهات أخرى على الأرجح”.

ربما يعجبك أيضا