المونتور | تركيا وإسرائيل: مناوشات.. وخلافات.. ومصالح تجارية أيضًا

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

في حين أن الخلاف الدبلوماسي الأخير بين إسرائيل وتركيا يشير إلى مزيد من التدهور في العلاقات, تجنبت الحكومة التركية إتخاذ خطوات ملموسة والتي يمكن أن تضر إسرائيل بصورة مباشرة, بينما كان الرد الإسرائيلي على الخطاب التركي مضرًا ولاذعًا أكثر.

كانت القوات الإسرائيلية قد قتلت حوالي 62 فلسطينيًا وجرحت عشرات المدنيين بإطلاق النار عليهم أثناء مظاهرات على حدود غزة, والتي تزامنت مع افتتاح السفارة الأمريكية في القدس.

هذه المذبحة استدعت شجبًا قاسيًا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الموالي للفلسطينيين. مع هذا, يشير التدقيق عن قرب إلى أن أردوغان لم يكن يصيغ رده من أجل المجتمع الدولي, وإنما ليجذب الناخبين الأتراك قبيل الانتخابات المبكرة يوم 24 يونيو.

مع هذا, كان رد إسرائيل على الموقف التركي على النقيض تمامًا: كان يستهدف الرئيس التركي مباشرة, وليس المجتمع الإسرائيلي.

في رده على المذبحة, كان أردوغان -على نحو غير مفاجئ- سريعًا في مهاجمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو, متهمًا إياه بالقتل. وبتعبيرات قوية بشكل غير عادي, أشار إلى إسرائيل بـ"دولة إرهاب" وقال, "إن الاعتداء على المتظاهرين الغزاويين فضح وجه إسرائيل القبيح بكونها ترتكب أعمال إبادة جماعية في غزة."

لم يُعلن بشكل مباشر عن أن السفير الإسرائيلي في أنقرة إيتان نائيه "شخص غير مرغوب فيه," لكن طُلب منه مغادرة تركيا "لفترة." لقد تعرض للتفتيش على يد الأمن التركي في مطار إسطنبول أثناء مغادرته.

قال نائيه, "إنهم لم يوجهوا الإهانة لي وحدي, وإنما لدولة إسرائيل أيضًا – والأوامر جاءت من أعلى," في إشارة إلى أردوغان, حيث تحدث السفير إلى الصحفيين الذين تمت دعوتهم إلى المطار مسبقًا للتأكد من تغطية الضجة.

كان نائيه سفير إسرائيل في أنقرة منذ 2016. قبل تعيينه, لم يكن هناك تمثيلًا دبلوماسيًا على ذلك المستوى بين البلدين لمدة ستة أعوام, بعد أن وصلت العلاقات الثنائية للحضيض في 2010 عقب حادثة أسطول الحرية, التي قُتل فيها تسعة مواطنين أتراك على يد الكوماندوز الإسرائيلي.

ردت إسرائيل على طرد نائيه بطرد القنصل العام التركي في القدس. ردت وزارة الخارجية التركية بطرد القنصل العام الإسرائيلي في إسطنبول.

كان رد إسرائيل ملموسًا وموجعًا أكثر هذه المرة. ألغى الإسرائيليون الواردات الزراعية التركية, وهي خطوة ربما تضيف قليلًا إلى المحن الاقتصادية التي تمر بها تركيا. علاوة على هذا, حذروا مواطنيهم من السفر إلى تركيا.

قال وزير السياحة الإسرائيلي لموقع واي نت, "أنصحكم بعدم زيارة تركيا. طالما تركيا تعاملنا بهذه الطريقة, لا يوجد سبب للسفر إلى هناك." وأضاف, "إسرائيل ليست لديها رغبة في قطع العلاقات التجارية مع تركيا. إلا أن السفر إلى هناك ينفع الأتراك ماليًا".

كانت تركيا وجهة سياحية رئيسية للإسرائيليين. وفقًا للصحافة التركية, أكثر من 550 ألف إسرائيلي اختاروا تركيا لقضاء عطلاتهم في 2008. انخفض هذا الرقم بشكل كبير إلى 79 ألف عقب حادثة أسطول الحرية. ومع هذا في العام الماضي, ارتفع العدد إلى 380 ألف بعد تطبيع العلاقات بين البلدين.

بعد هذا الخلاف الأخير, من المرجح أن ينخفض العدد مرة أخرى.

ومثل أردوغان, كان لنتنياهو قوله في هذه المسألة.

كتب على تويتر, "الرجل الذي يرسل آلاف الجنود لاحتلال شمال قبرص ويغزو سوريا لن يعظنا. … الرجل الذي يداه ملوثتان بدماء عدد لا يحصى من المدنيين الأكراد في تركيا وسوريا هو آخر شخص يعظنا عن أخلاقيات القتال."

على الجانب الآخر, لم يصل غضب تركياإلى ذلك الحد. رفض حزب العدالة والتنمية الحاكم والمشرعون اقتراحًا في البرلمان طرحه حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للأكراد بتعليق العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل. إن عزوف الحكومة عن إتخاذ إجراءات ملموسة والتي يمكن أن تضر إسرائيل فعلًا يؤكد أن خطاب أردوغان القاسي والمسئولين الأتراك الآخرين هو للاستهلاك المحلي فقط.

لعل هذا هو السبب الرئيسي الذي لم يجعل الحكومة التركية تتمادى لتشجب إدارة واشنطن والرئيس دونالد ترامب, الذين, إلى جانب إسرائيل, يُعتبرون مسئولين عن الأحداث الدامية في غزة. إن اقتصاد تركيا مضطرب بشدة وهناك خوف شديد من الأزمة الاقتصادية الوشيكة لدرجة أن الحكومة التركية لا يمكنها أن تفتح جبهة جديدة ضد واشنطن. إن خطاب أردوغان الناري المعادي لأمريكا هدأت حدته لفترة من الوقت. الآن, وسائل الإعلام الحكومية تطلق العنان لهذا الخطاب, لكن ليس أردوغان نفسه.

إن موقف تركيا الحذر ليس مقتصرًا فقط على الجانب الأمريكي. وفقًا لموقع أحوال نيوز, أحد أسباب ذلك هو حركة ناقلة النفط المستمرة بين تركيا وإسرائيل. في الشهر الماضي, بلغت صادرات النفط من ميناء جيهان التركي إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي حوالي 1,5 مليون برميل.

في مقال رأي على موقع واي نت للكاتب شيمون شيفر بعنوان "لماذا لا ينبغي أن تغلق إسرائيل الباب في وجه علاقاتها مع تركيا," يلقي الكاتب نظرة على دور النفط في حفظ العلاقة بين البلدين.

كتب شيفر, "إليكم بعض الحقائق التي يجب أن ندركها قبل أن نتوقف عن التصرف حسب القواعد مع أنقرة, والتي ستوضح لماذا ينبغي علينا أن نجز على أسناننا ونستمر في علاقاتنا بدلًا من غلق الباب. إن جزء كبير من إمداد النفط القادم إلى إسرائيل من الدول السوفيتية السابقة يصل إلى إسرائيل عبر أنابيب تمر خلال تركيا."

أكد شيفر أيضًا على التعاون المخابراتي الفعال وغير المعلن بين البلدين: "تستجيب تركيا لطلبات أجهزة المخابرات الإسرائيلية بمنع قادة حماس وغيرهم من تنفيذ هجمات إرهابية ضد أهداف إسرائيلية في أنحاء العالم."

الخلاصة هي إنه بالنظر إلى طبيعة المشاهد السياسية المحلية في تركيا وإسرائيل, لا يمكنهما أن يحظيا بعلاقة موثوقة وقوية إلا إذا حدث تغيير كبير في حكومتيهما, أو على الأقل تطور مغير للعبة على المستوى الإقليمي. لكن حتى إذا استمرت علاقتهما في التدهور في ظل الخطاب القاسي, تفرض مصالحهما المشتركة أن يحافظا على درجة من الوئام.

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا