بالخفاء والعلن.. توترات دبلوماسية فضحها الفيروس التاجي

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

يبدو أن جائحة كورونا المستجد دفع دول العالم لنعي شعارات العيش المشترك والتضامن الدولي، ليستبيح معها كل الأساليب المعلنة والخفية في حرب الحصول على الإمدادات والمعدات الطبية، فقد استطاع الفيروس التاجي توتير العلاقات الدبلوماسية بين دول العالم التي بدت ساعية للنزاع والتنافس للخروج من الأزمة، الأمر الذي تسبب في انتشار بؤر التفشي في أكثر من دولة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعاني اليوم من كارثة كبرى بحسب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

الصين وأمريكا

أدى تفشي فيروس كوفيد-19 إلى تصاعد النزاع بين الصين والولايات المتحدة، بدءًا من تبادل الاتهامات حول أسباب انتشار الفيروس، وما تبعه من انحسار للدور الأمريكي في المنطقة في دعم جيرانها، وهرولة الصين لمساعدة الدول المتضررة من وباء كورونا.

النزاع الصيني الأمريكي استحوذ على الاهتمام، لاسيما مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تجميد تمويل منظمة الصحة العالمية بزعم “انحيازها للصين”.

إسبانيا وتركيا

تعد إسبانيا من أكثر الدول المتضررة من وباء كورونا وهي في أشد الحاجة للمعدات الطبية، لكن الحكومة التركية أعاقت حصول إسبانيا على هذه التجهيزات حيث صادرت شحنة تضم المئات من أجهزة التنفس التي اشترتها مؤسسات صحية في ثلاثة أقاليم إسبانية.

وبعد نحو أسبوع من الأخذ والرد، نجحت وزارة الخارجية الإسبانية في تأمين وصول الشحنة لإسبانيا، وليست هذه سوى حلقة في مسلسل التوترات الدبلوماسية في أنحاء العالم التي سببها تفشي فيروس كوفيد 19.

إيطاليا والدول المجاورة

عندما ضرب الفيروس التاجي إيطاليا، طلبت من الدول المجاورة مساعداتها بالمعدات الطبية والإمدادات، ولكن ألمانيا وفرنسا فرضتا حظرًا على تصدير مثل هذه المنتجات.

رئيس الوزراء الإيطالي كونتي لم يرض عن الاستجابة الأوروبية لتفشي الوباء في بلاده، وكتب سفير بلاده في بروكسل على موقع بوليتيكو:”بالتأكيد ليس ذلك مؤشرًا طيبًا على التضامن الأوروبي”.

الصين والبرازيل

كانت البرازيل من الدول التي شككت في الموقف الصيني حيال إخفائها عدد الإصابات والوفيات منذ بداية تفشي الفيروس، ما أدى إلى تصادم بين الصين والبرازيل أكثر من مرة، ووصل لحد تلاسن دبلوماسيين صينيين وأعضاء في الدائرة المقربة من الرئيس البرازيلي على وسائل التواصل الاجتماعي.

وكان آخر هذه الحوادث سببها تغريدة لوزير التعليم البرازيلي، أبراهام وينتروب، أزعجت المسؤولين الصينيين ووصفوها بأنها “سخيفة وعنصرية”.

يذكر أن الصين هي أكبر شريك تجاري للبرازيل فهي تشتري 80 % من إنتاجها من الصويا على سبيل المثال، وكانت السلطات الصحية في البرازيل تناضل بالفعل للحصول على أجهزة تنفس ومعدات صحية من الصين قبل تدخل وينتروب.

روسيا والاتحاد الأوروبي

في 18 مارس الماضي تسرب تقرير من الاتحاد الأوروبي للصحافة يتهم وسائل الإعلام الخاضعة للنفوذ الروسي بنشر أخبار زائفة عن فيروس كوفيد 19 في الغرب، فيما وصف متحدث باسم الحكومة الروسية هذه الاتهامات بأنها “لا أساس لها من الصحة”.

فنزويلا وكولومبيا

الفيروس يصب أيضًا البنزين على نار التوترات الموجودة، كما هي الحال بين كولومبيا وفنزويلا. فالسلطات الكولومبية لا تعترف بنظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو كحكومة شرعية، وتنخرط الدولتان في نزاع بعد تدفق عدد كبير من المهاجرين الفنزويليين عبر الحدود.

وكان أخر صدام في الأول من أبريل الجاري، عندما عرض الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو جهازي فحص لتشخيص كورونا لنظيره الكولمبي إيفان دوكي، لكن قوبل العرض بصمت، وأزعج مسؤولين فنزويليين وعلى رأسهم ديلسي رودريغز نائبة الرئيس التي اتهمت حكومة كولومبيا بالاستهانة بصحة شعبها.

الهند وأمريكا

ومؤخرًا، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الهند برد انتقامي بشأن قرارها بحظر تصدير عقار الملاريا (hydroxychloroquine) الذي تجرى عليه تجارب كعلاج لفيروس كوفيد 19.

يأتي ذلك بعدما حظرت الهند تصدير عقار “هيدروكسي كلوروكين” غير المكلف الذي يستخدم لعلاج الملاريا، والذي وصفه ترامب بأنه يحتمل أن يغير قواعد اللعبة في مكافحة فيروس كورونا المستجد،

قرصنة معاصرة

وفي ظل انتشار وباء كورونا فى أوروبا والولايات المتحدة، كانت هناك هرولة عالمية على العتاد الطبي مثل الأقنعة التنفسية والقفازات. واتهمت دول عديدة الولايات المتحدة بمحاولة القرصنة على إمدادتها.

ألمانيا اتهمت الولايات المتحدة بمصادرة شحنة مكونة من 200 ألف قناع تنفسي كانت متجهة إلى شرطة برلين أثناء توقفها ترانزيت في بانكوك، لكن شركة 3M الأمريكية المصنعة نفت وجود سجل لديها لأي أقنعة تنفسية من الصين لشرطة برلين.

يأتي ذلك في وقت قالت فيه شركة أمريكية لتصنيع الأقنعة والكمامات أن الحكومة طلبت منها إيقاف تصدير أقنعة التنفس “أن 95″، المصنعة في الولايات المتحدة، لوجود تداعيات إنسانية جسيمة.

وواجهت روما مشكلة مماثلة مع باريس، حيث احتجزت السلطات الفرنسية كمامات اشترتها شركة الرعاية الصحية السويدية “مولنليكه” في الثالث من الشهر الماضي لصالح كل من إيطاليا وإسبانيا.

وبعد نحو أسبوعين من الجهود الدبلوماسية أرسلت باريس نصف كمية الكمامات المحتجزة فقط إلى إيطاليا وإسبانيا، فيما أعلنت الشركة السويدية أن طلباتها لشراء الكمامات لصالح إيطاليا وإسبانيا ستمر مستقبلا عبر بلجيكا، لتفادي تكرار ما حدث.

فما يحدث اليوم وضع فاقمه شعار دونالد ترامب “أمريكا أولًا” منذ توليه الرئاسة في 2016، وجاءت هذه الأزمة لتكشف أنه ليس بالضرورة أن تكون الدول المتقدمة هي صاحبة الخبرة، ولعل الطريقة التي تشاركت بها الصين مع إيطاليا لاحتواء تأثير تفشي الوباء مثالا ملموسا على ذلك.

وبحسب المحللين فقد كانت جائحة كورونا فرصة ضائعة خاصة للدول الغربية التي تشهد صعود النزعات الشعبوية والقومية، ففي هذا الوقت كان يجب أن تظهر قوة التعاون، وبدلا من ذلك أدت السياسات التنافسية إلى تدهور العلاقات بين العديد من الدول.

ربما يعجبك أيضا