بعد التشديد النقدي.. هل من سبل أخرى أمام البنوك المركزية لكبح التضخم؟

شيماء عزيز
التضخم في منطقة اليورو

على الرغم من أن رفع أسعار الفائدة أحد الأدوات المعتادة للتعامل مع التضخم، فإنه يوجد طرق أخرى يمكن للبنوك المركزية الجوء إليها.


أطلقت البنوك المركزية بأنحاء العالم موجة من التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة، منذ مارس 2022، في محاولة لكبح معدلات التضخم المتسارعة.

وفي اجتماعه الأخير، في يوليو الماضي، رفع مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) الفائدة إلى نطاق بين 5.25 و5.5% لتسجل أعلى مستوياتها خلال 22 عامًا، مع استمرار مخاطر التضخم.. لكن هل يوجد طرق أخرى لكبح هذ الخصم العنيد؟

اقرأ أيضًا| السعودية والإمارات أكثر الدول استثمارًا في مصر

البنك المركزي الأمريكي

البنك المركزي الأمريكي

أولويات البنوك المركزية

أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أسامة عبدالخالق، في تصريح خاصة لشبكة رؤية الإخبارية، إنه في ظل التحديات الاقتصادية، التي تواجهها دول العالم، تعد مكافحة التضخم من أبرز أولويات البنوك المركزية، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن رفع أسعار الفائدة أحد الأدوات المعتادة للتعامل مع التضخم، فإنه يوجد طرق أخرى يمكن للبنوك المركزية الجوء إليها.

اقرأ أيضًا| بنوك الخليج تقتدي بـ«الاحتياط» الأمريكي في حربه ضد التضخم

ولفت إلى أن السياسات المالية تعد أداة قوية يمكن للبنوك المركزية استخدامها للحد من التضخم، ويمكن للحكومة زيادة الضرائب أو تقليص الإنفاق العام، للحد من الإنفاق الزائد والتضخم المحتمل، مضيفًا أنه يمكن للبنوك المركزية أيضًا التحكم في الكمية النقدية المتداولة في الاقتصاد، ما يؤثر في معدل التضخم.

زيادة الودائع بدلًا من الإقراض

أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة  أنه يمكن للبنك المركزي زيادة سعر الفائدة على الودائع المصرفية، وبالتالي تشجيع البنوك على زيادة الودائع لديها بدلًا من إقراضها، ما يقلل السيولة المتداولة. ولفت أيضًا إلى إمكانية تنفيذ سياسات نقدية أخرى، مثل شراء الأوراق المالية الحكومية أو سندات الخزانة، ما يزيد من الطلب على تلك الأصول، ويقلل من النقدية المتاحة في الاقتصاد.

وتابع أنه في حالة وجود تضخم مرتفع يعززه انخفاض قيمة العملة المحلية، يمكن للبنوك المركزية التدخل في سوق الصرف الأجنبي، لتعزيز قيمة العملة المحلية، عن طريق شراء العملة المحلية وبيع العملة الأجنبية، وكذلك يمكن زيادة قيمة العملة وبالتالي تقليل التضخم.

الدولار

رفع الفائدة ليس الطريق الوحيد

قال الخبير المصرفي، أحمد القاضي، في تصريح خاص لشبكة رؤية، إنه عندما مواجهة التضخم المستدام، يجب على البنوك المركزية النظر في جميع الطرق المتاحة، مشددًا على أن رفع أسعار الفائدة ليس السبيل الوحيد، بل يمكن الاتجاه إلى تنظيم السياسات المالية والنقدية، والتدخل في سوق الصرف لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، والحد من التضخم.

وأشار إلى أن البنوك المركزية يمكنها استخدام مجموعة متنوعة من الأدوات والسياسات لكبح التضخم بنحو أكثر فاعلية، دون الاعتماد على التشديد النقدي وحده، موضحًا أن رفع أسعار الفائدة يشجع الادخار ويقلل الإقراض، وبالتالي يقلص الطلب على السلع والخدمات وتضخم الأسعار.

البنك المركزي الصيني

البنك المركزي الصيني

تدخل البنوك المركزية للحد من التضخم

أشار القاضي أنه يمكن للبنك المركزي أن ينفذ سياسات العرض النقدي عن طريق زيادة أو تقليص الكمية النقدية المتداولة، ما يؤثر في توازن العرض والطلب ويساهم في تقليل التضخم.

وأضاف أن البنوك المركزية يمكنها أن تتدخل في سوق الصرف الأجنبي للحد من التضخم، عن طريق شراء العملة المحلية وزيادة قيمتها، كما يمكن تقليل تكلفة استيراد السلع والمواد الأساسية، وبالتالي تقليل الضغوط التضخمية.

سياسات الاحتياطي الإلزامي

أوضح الخبير المصرفي أنه بنحو عام، تعتمد الاستراتيجية التي يتبعها البنك المركزي على الظروف الاقتصادية والمالية للبلد، ودرجة التضخم، وأهداف السياسة النقدية المحددة، وقد يتطلب استخدام مجموعة متنوعة من الأدوات والسياسات بنحو متزامن لتحقيق أفضل النتائج.

وأشار إلى أنه يمكن للبنوك المركزية زيادة معدلات الاحتياطي الإلزامي للبنوك التجارية، ما يعني أن البنوك ستكون مضطرة للحفاظ على نسبة أعلى من الودائع كاحتياطيات، بالتالي ستكون أقل قدرة على إقراض الأموال، ويقلل من الطلب على السلع والخدمات ويكبح التضخم.

فرض قيود على الائتمان

أضاف القاضي أنه يمكن للبنوك المركزية التعاون مع الحكومة لتنفيذ سياسات ضريبية للحد من التضخم، على سبيل المثال، وزيادة الضرائب على السلع الاستهلاكية الفاخرة أو السلع ذات الطلب العالي، ما يؤدي إلى تقليل الطلب عليها.

وذكر أنه يمكن للبنوك المركزية تشديد التنظيم والرقابة المالية للحد من التضخم، على سبيل المثال، عبر فرض قيود على الائتمان والقروض، بغية تقليل الإقراض الزائد الذي قد يؤدي إلى زيادة التضخم.

التضخم في كوريا الجنوبية

التضخم في كوريا الجنوبية

التوجيه الاتجاهي

رأى الخبير المصرفي أنه يمكن للبنوك المركزية توجيه المستثمرين والجمهور بشأن توقعات التضخم عن طريق توجيه السياسة النقدية ونشر توقعات التضخم، بما يسمح بالتأثير في سلوك المستثمرين والمستهلكين، وتحقيق تأثير إيجابي في التضخم.

وأشار إلى أنه يجب توظيف هذه الأدوات وفقًا للظروف الاقتصادية والمالية الخاصة بكل بلد، وتحتاج البنوك المركزية إلى تقييم دقيق لتأثير كل أداة وتوجهها لتحقيق توازن مثالي بين تحقيق الاستقرار الاقتصادي ودعم النمو المستدام.

التضخم في المغرب

سياسات الفائدة أداة قوية

قال الخبير الاقتصادي، هاني كمال، لشبكة رؤية، إن سياسات التشديد النقدي أداة قوية في مواجهة ضغوط التضخم، خصوصًا أن خفض معدلات الفائدة يجعل الاقتراض أكثر توفرًا وأقل تكلفة، ما يعزز الإنفاق والاستثمار ويحفز النمو الاقتصادي.

وأضاف أن البنوك المركزية عند تحديدها لمعدلات الفائدة، تأخذ  في الاعتبار العديد من العوامل، أهمها مستوى التضخم الحالي وتوقعاته المستقبلية، إذا ما قد يتجاوز المستوى المستهدف.

وتابع أنه من بين العوامل الأخرى، الظروف الاقتصادية العالمية، وقوة سوق العمل، والنمو الاقتصادي، ومستوى الطلب العام على السلع والخدمات، موضحًا أنه إذا كان النمو الاقتصادي قويًا والطلب العام مرتفعًا، فقد يلجأ البنك المركزي إلى رفع معدلات الفائدة للحد من الطلب والتضخم.

ربما يعجبك أيضا