بعد تراجع نفوذها بإفريقيا.. هل تكون رواندا ملاذ فرنسا الأخير؟

إسراء عبدالمطلب

الالتزام الجديد مع رواندا يعكس جهود ماكرون لإيجاد حلفاء وشركاء في قارة تتنافس فيها دول مثل الصين وروسيا على النفوذ.


تواجه فرنسا استياءً عميقًا من الاستعمار في مختلف أنحاء إفريقيا، ولكنها وجدت شريكًَا في رواندا، التي بدأت تحتضن النفوذ الفرنسي رغم سنوات العداوة.

وبعد عقود من ممارسة القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية في مختلف أنحاء إفريقيا، تعمل فرنسا على تقليص وجودها بالقارة السمراء في ظل الاستياء الشديد الذي تواجهه في العديد من البلدان الإفريقية، لكن برزت روندا فقط كاستثناء.

فرنسا تقرر سحب قواتها وإعادة سفيرها من النيجر — سبق برس

الأمل الوحيد لفرنسا

حسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، تسعى دول إفريقية أخرى إلى الحد من نفوذ فرنسا، وتحتضن رواندا هذا النفوذ، وتحتفل بالثقافة واللغة والطعام الفرنسي، رغم عقود من العلاقات الفاترة مع باريس بسبب دورها في الإبادة الجماعية عام 1994، تعمل الشركات الفرنسية على زيادة استثماراتها في رواندا.

وجعلت هذه الانفراجة، التي يدافع عنها زعيم رواندا منذ فترة طويلة بول كاجامي، فرنسا شريكًا أمنيًا ضروريًا للغاية في إفريقيا، وضمنت لرواندا ملايين الدولارات من أموال التنمية والتجارة، كما تعد العلاقات الدافئة بمثابة أخبار جيدة نادرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي واجه موجة من السخط في إفريقيا.

بداية فصل جديد

قال وزير الدولة الفرنسي، هيرفي بيرفيل، في مقابلة أجريت في العاصمة الرواندية كيجالي: “لدينا شريك في كاجامي”. وأضاف بيرفيل، الذي ولد في رواندا، وتبنته عائلة فرنسية أثناء الإبادة الجماعية، “إنها في الحقيقة بداية فصل جديد”.

وعلى مدى عقود من الزمان، اتسمت العلاقات بين البلدين بالعداء والضغينة الدبلوماسية، واتهم كاجامي فرنسا، وخاصة حكومة فرانسوا ميتران، الرئيس آنذاك، بتمكين المسؤولين الروانديين الذين أشرفوا على الإبادة الجماعية التي وقعت عام 1994، والتي قُتل فيها ما يقدر بنحو 800 ألف شخص.

تقارب فرنسي روندي

توترت العلاقات إلى حد كبير في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لدرجة أن رواندا تخلت عن اللغة الفرنسية لصالح الإنجليزية في الفصول الدراسية، وطردت السفير الفرنسي، وأغلقت المدرسة الفرنسية الدولية والمركز الثقافي، وحظرت هيئة الإذاعة الفرنسية الحكومية.

ولكن الأحداث بدأت تتغير عندما تولى ماكرون السلطة. ففي عام 2021، خلص تقرير كلف بإعداده إلى أنه في حين لم تكن فرنسا متواطئة في الإبادة الجماعية، فإنها تتحمل مسؤولية “خطيرة وساحقة” عنها. ونشرت رواندا تقريرها الخاص بعد أسابيع واتهمت باريس بتقديم “دعم ثابت” للحكومة التي نفذت الإبادة الجماعية من أجل الحفاظ على نفوذها.

وبعد وقت قصير من صدور التقارير، زار ماكرون رواندا ، مما أدى إلى بدء سلسلة من الأحداث التي أدت إلى التقارب بين البلدين. وبحلول منتصف عام 2021، عينت فرنسا سفيرًا جديدًا لها في رواندا. كما افتتحت الوكالة الفرنسية للتنمية مكتبًا جديدًا لها في كيجالي. وتبرعت فرنسا بمئات الآلاف من جرعات لقاح كوفيد-19 أثناء الجائحة.

التزام جديد

استثمرت الشركات الفرنسية ملايين الدولارات في العقارات والتكنولوجيا والترفيه والسياحة. وفي الشهر الماضي، حضر قادة أكثر من 50 شركة فرنسية منتدى الرؤساء التنفيذيين الأفارقة في كيجالي، حسبما قال مسؤولون فرنسيون. والتقى بعضهم بما في ذلك رئيس شركة توتال إنيرجيز بكاجامي شخصيًا.

وفي رواندا، أعيد تدريس اللغة الفرنسية في المدارس. وافتتح ماكرون مركزاً ثقافياً فرنسياً تم بناؤه حديثاً. والآن يتناول الشباب الروانديون الطعام في المطاعم التي تقدم المأكولات الفرنسية. ويؤدي الفنانون ومصممو الأزياء الروانديون أعمالهم ويعرضونها في المؤسسات الثقافية الفرنسية الكبرى.

وبالنسبة لفرنسا، فإن الالتزام الجديد مع رواندا يعكس جهود ماكرون لإيجاد حلفاء وشركاء أعمال في قارة تتنافس فيها دول متنافسة مثل الصين وروسيا على النفوذ، ولكن الهدف من ذلك أيضًا هو إشراك الأجيال الشابة في محادثات حول الماضي، وذلك “لتجنب التكرار”، كما قال بيرفيل، وقال لمجموعة من الطلاب الفرنسيين والروانديين في كيجالي في فترة ما بعد الظهيرة مؤخرًا، مرتديًا ربطة عنق داكنة فوق قميص أبيض، على طريقة ماكرون : “نحن بحاجة إلى أن نكون يقظين”.

خلافات رغم التقدم

رغم تحسن العلاقات بين البلدين، لا تزال هناك خلافات بينهما. إذ اتهمت فرنسا رواندا بدعم المقاتلين المتمردين الذين يثيرون الفوضى في جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة، وهو ما نفته كيجالي منذ فترة طويلة.

ولا تزال رواندا تشعر بالاستياء من حقيقة أن فرنسا لم تعلن مسؤوليتها عن الإبادة الجماعية. وقد ظهرت هذه التوترات خلال الذكرى الثلاثين للإبادة الجماعية في أبريل، عندما تراجع ماكرون عن الاعتراف بفشل فرنسا في وقف الإبادة الجماعية. ولكن رواندا وفرنسا عززتا تعاونهما الدفاعي، حتى مع طرد القوات الفرنسية من عدة دول إفريقية، بما في ذلك مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

البديل الوحيد في إفريقيا

رغم صغر حجم رواندا، فقد استخدمت جيشها لتعزيز نفوذها على الصعيد الدولي، وخاصة من خلال بعثات حفظ السلام. وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ترييستي، فيديريكو دونيلي، الذي كتب على نطاق واسع عن الجيش الرواندي، إن فرنسا، التي تخشى أي تدخل عسكري آخر، نظرت إلى رواندا كبديل لنشر قوات على الأراضي الإفريقية.

وأضاف دونيلي إن فرنسا روجت أيضًا لمشاركة رواندا في موزمبيق داخل الاتحاد الأوروبي. وقد مول الاتحاد مهمة رواندا بمبلغ 20 مليون يورو، أو 21.4 مليون دولار. لافتًا إلى أن “فرنسا ترى في رواندا شريكاً مثالياً في أجندتها الإفريقية الجديدة. فالتكاليف السياسية التي تتحملها باريس، سواء على المستوى المحلي أو القاري، أقل. ومن المتوقع أن تكتسب كيغالي سمعة طيبة وفوائد اقتصادية”.

وبعيداً عن الأمن، زادت فرنسا تمويلها التنموي لهذه الدولة غير الساحلية. فقد أنفقت وكالة التنمية الفرنسية نصف مليار يورو على خلق فرص العمل وتجديد المرافق الصحية. وفي إبريل، وقعت الدولتان شراكة إنمائية بقيمة 400 مليون يورو، أو نحو 429 مليون دولار.

ربما يعجبك أيضا