بعد لقاء “بوتين – الأسد”.. التسوية السياسية في سوريا إلى أين؟

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

في ترقب لقرب التوصل لتسوية سياسية للنزاع السوري المستمر منذ 2011، كانت اللقاءات المفاجئة والاتصالات الداعمة والاستقالات المُعارضة في قلب الأحداث السورية، فبعد لقاء مفاجئ بين الرئيسين الروسي والسوري واستقالات بالمعارضة السورية والتوجه لتشكيل هيئة جديدة للمفاوضات، ذهبت كل الاحتمالات بحتمية حدوث تسوية سياسية عنوانها “بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية” بتوافق روسي إيراني تركي، دعمها ضعف ثقل المعارضة السورية والمصالح العليا لروسيا وإيران دون ممانعة تركية.

لقاء مُفاجئ

قبيل القمة الثلاثية المُرتقبة بين روسيا وإيران وتركيا غدًا الأربعاء، التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره السوري بشار الأسد، بالأمس في منتجع سوتشي جنوب غرب روسيا، تباحثا خلالها سبل التوصل إلى تسوية سياسية في الأزمة السورية.

تضمنت المحادثات الثنائية، النتائج التي حققتها سوريا في مكافحة الإرهاب بفضل الدعم الروسي، وسط محاولات لدفع عملية السلام بعد دحر تنظيم داعش في سوريا، وهو ما صرح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقرب الانتقال للعملية السياسية في سوريا.

التسوية السياسية بحسب المنظور الروسي، تعني مناقشة التسوية السلمية على الأمد الطويل في سوريا، والتي يفترض أن تلي الهزائم التي لحقت بالإرهابيين.

وتعد هذه هي المرة الثانية التي يزور فيها الرئيس السوري بشار الأسد روسيا بعد زيارة سابقة في أكتوبر 2015 قبيل العملية العسكرية الروسية في سوريا، وتأتي الزيارة الثانية لضمان موافقة الأسد على مبادرات سلام محتملة تم التوصل إليها بين روسيا وإيران وتركيا، وهو ما يعني بحسب التصريحات قرب انتهاء العمليات العسكرية الروسية.

ومن المقرر أن يجري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات هاتفية مع أمير قطر والرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبعض زعماء الشرق الأوسط، حول تسوية النزاع السوري، عشية القمة الثلاثية المرتقبة.

محادثات بوتين

أفادت مصادر في الكرملين، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيجري عدة مكالمات هاتفية مع الرئيس الامريكي دونالد ترامب وزعماء بالشرق الأوسط بينهم عاهل السعودية الملك سلمان وأمير قطر تميم بن حمد لاطلاعهم على فحوى لقائه بالأسد.

تأتي المحادثات الهاتفية لبحث المبادئ الأساسية لتنظيم العملية السياسية، ومؤتمر الحوار السوري، الذي تدعمه كلا من العراق،والولايات المتحدة ،ومصر،والسعودية ،والأردن ،لتقييم تطورات الأوضاع الحالية في سوريا، في الوقت الذي يعتمد فيه النظام السوري على الدعم الروسي لمنع تدخل اللاعبين الخارجين في العملية السياسية بحسب تصريحات الأسد.

لقاء مفاجيء ومحادثات هاتفية، تتزامن مع دخول الصراع السوري مرحلة جديدة باستعادة القوات الحكومية وحلفائها مطلع الأسبوع السيطرة على البوكمال، وهي أخر مدينة كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش.

يذكر أن القوات النظامية السورية تمكنت خلال الفترة الماضية من فرض سيطرتها على أرض الواقع، بفضل الدعم الروسي والإيراني ودحرها لتنظيم داعش الذي لم يعد يسيطر سوى على قرى وبلدات قريبة من نهر الفرات.

معارضة جديدة

في الوقت الذي تسعى فيه روسيا لضمان موافقة الأسد على أي مبادرات محتملة، أقدم “رياض حجاب” المنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات المسؤول عن أطياف من المعارضة السورية استقالته من منصبه، قبيل عقد مؤتمر الرياض بيومين والرامي لتشكيل هيئة جديدة تسبق انطلاق محادثات جنيف، دون تحديد الأسباب المباشرة لتنحيه.

قائلًا في بيان استقالته “أجد نفسي اليوم مضطرًا لإعلان استقالتي من الهيئة العليا للمفاوضات متمنياً لها المزيد من الإنجاز، ولبلدي الحبيب سوريا السلم والأمان والاستقرار”.

وعلى غرار حجاب، أعلن أعضاء آخرون في الهيئة استقالاتهم، أبرزهم الناطق الرسمي باسمها رياض نعسان آغا وعضو الوفد المفاوض سهير الأتاسي، بعدما استثنتهم وزارة الخارجية السعودية من الدعوة للمشاركة في مؤتمر الرياض.

وتنوي قوى المعارضة في اجتماعها المرتقب في الرياض تشكيل هيئة جديدة تشمل ممثلين لمنصة القاهرة التي تضم مجموعة معارضين مستقلين ومنصة موسكو القريبة من روسيا والتي تضم في صفوفها نائب رئيس الوزراء السوري الأسبق قدري جميل، حيث تشارك المجموعتان بشكل مستقل في محادثات جنيف.

يعد تشكيل هيئة مفاوضات جديدة للمعارضة وتوحيدها مطلبًا لجهات عدة بينها، الأمم المتحدة وروسيا حتى دمشق في ضوء التباين حول وجهات النظر خصوصًا حيال مصير “بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية”.

وبحسب المحللون، بذلت روسيا ضغوطًا كبيرة على المعارضة السورية للقبول بتسوية سياسية تعمل على انضاجها وتتضمن بقاء الأسد في منصبه.

ومن جانبها، اعتبرت روسيا على لسان وزير خارجيتها سيرجي لافروف أن استقالة شخصيات من المعارضة ستساعد على توحيد المعارضة في الداخل والخارج.

التسوية إلى أين؟

مع كثرة الحديث عن حدوث تسوية سياسية بتوافق دولي وإقليمي، يأتي تشكيل هيئة مفاوضات جديدة للمعارضة السورية تشمل منصتي القاهرة وموسكو ، لتحدث تغيرات في مبادىء المعارضة التي تمسكت فيها على مدار السنوات الماضية وعلى رأسها رحيل الأسد.

يضاف إلى ذلك ضعف ثقل المعارضة التي باتت مواجهتها للنظام السوري أقل، إن لم تكن تلاشت أمام التحركات العسكرية التي تمكنت من خلالها قوات الأسد على السيطرة على مدن وبلدات كانت خاضعة لتنظيم داعش، بالتزامن مع نجاح اتفاق “خفض التوتر” في مناطق الجنوب السوري برعاية روسيا.

وفي هذا السياق، قال الباحث البريطاني المتخصص في الشأن السوري، تشارلز ليستر، إن الصراع السوري سيشهد في الأشهر المقبلة تحولات كبرى بعد اجتماع القوى الكبرى لإيجاد تسوية مؤقتة ساهمت في نضوجها التفاهم الروسي الأمريكي الأخير بشأن الحل السياسي في سوريا.

وأضاف ليسترأن قبول تركيا بالضغط الروسي الإيراني بوجود الأسد في السلطة سيسيطر على المرحلة القادمة ، يقابله خروج الميليشيات الإيرانية من سوريا وفصل مناطق سيطرة القوات الكردية عن مناطق الأسد، بينما ستوضع المعارضة تحت سلطة الأمر الواقع في مناطق “إدارة مركزية” ستتلقى أموالًا لدعم عملية الإعمار.

أما المعارض والمحلل السياسي السوري، عبدالرحمن الحاج، فأوضح أن مسألة وجود تسوية من عدمها لاسيما مع بقاء الأسد “مرتبطة بمصالح الدول العظمى والإقليمية”، قائلًا إن “بعض الدول الكبرى حصل لديها تحول في بقاء الأسد؛ مثل فرنسا، ربما حتى إدارة ترامب، في إطار اتفاق مع الروس”، لاسيما وأن اتفاق وقف إطلاق النار ومناطق وقف التصعيد خلقت أجواء مناسبة لحدوث مثل هذه التسوية ومقترح “بقاء الأسد”  لكونها جردت المعارضة من سلاحها وهو ما أدى لإضعافها – على حد قوله.

وبناءً على تلك التطورات، فإن المعارضة التي سيتم تشكيلها في الرياض ستكون مضطرة للقبول ببقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، والتي ربما تشكل معضلة كبرى للشعب السوري أمام إصرار التحالف الإيراني والروسي على بقائه، في الوقت الذي لا تمانع تركيا (الحليف الأبرز للمعارضة السورية) من بقائه خشية تعاظم النفوذ الكردي في شمال شرق سوريا.

 

ربما يعجبك أيضا