بعد 9 قرون من بنائه.. القصف يدمر الجامع النوري

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

دمار وخراب كبير لحق بالتراث الثقافي العراقي والسوري، ليصبح الماضي أسودا والمستقبل غامض، لكن في جميع الأحوال النتيجة واحدة هى أننا خسرنا جزء من الذاكرة، ولن تجد الأجيال القادمة ما ينير طريقها وها نحن نستيقظ على تدمير مئذنة الحدباء بالجامع النوري في مدينة الموصل لتنتهي 9 قرون من الصمود .

الجامع النوري الكبير

هو من مساجد العراق التاريخية ويقع في الساحل الأيمن للموصل، وتسمى المنطقة المحيطة بالجامع محلة الجامع الكبير ، شيد عام 1173، من قبل نور الدين محمود بن زنكي بعد ان سيطر على المدينة ، ووكل نور الدين شيخه “معين الدولة عمر بن محمد الملاء” بأمر بناء الجامع، وباشر الشيخ عمر ببناء الجامع سنة 566 هـ ، فاشترى ارضه من أصحابها بأوفر الأثمان، وكان يملأ تنانير الجص بنفسه، وظل يعمل  في عمارة الجامع ثلاث سنوات، إلى أن انتهى منه سنة 568 هـ..

الانهيار هدد المئذنة عبر التاريخ بسبب الإهمال، وكانت هناك عدة محاولات لإصلاحها من قبل وزارة السياحة والآثار العراقية، إلا أن هذه المحاولات لم تكن بالمستوى المطلوب.

وبعد الاحتلال المغولى للموصل لاقى هذا الجامع كغيره الكثير من الإهمال والتخريب، ودُمرت الموصل تدميرا شبه كاملا سنة 1146 هـ ، 1734م.

وفي القرن الثالث عشر الهجري حاول محمد بن الملا جرجيس القادري النوري ترميم الجامع، واتخذ له في الجامع تكية عام 1281 هـ، 1865م.

قال عنه ابن بطوطة في رحلته، “وبداخل المدينة جامعان أحدهما قديم والآخر حديث وفي صحن الحديث منهما قبة في داخلها خصة رخام مثمنة مرتفعة على سارية رخام يخرج منها الماء بقوة وانزعاج فيرتفع مقدار القامة ثم ينعكس فيكون له مرأى حسن”.

وذكرها أيضا الرحالة الأجانب ومنهم جيمس سلك بكنغهام والذي زار المنطقة في بداية القرن التاسع عشر، وقال ان الجامع “كان سابقا كبيرا وجميلا، لكنها الان مدمرة بالكامل”.

تأثرت عمارة المآذن في الجزيرة بالمعمار الفارسي “السلجوقي تحديدا” ولكن اخذت طابعا خاصا محليا ويمكن مشاهدة ذلك في المدن القريبة للموصل ك‍أربيل وماردين وسنجار.

المئذنة الحدباء

قال عنها الرحالة الانجليزي “غراتان غيري” الذي زار الموصل في القرن الـ 19 عن المئذنة الحدباء “انها تميل عن الزاوية القائمة بعدة اقدام، رغم انها تنتصب من الارض بشكل سليم، كما تسترد استقامتها عند قمتها. إن شكلها يشبه رجلا وهو ينحني.”

ويشتهر الجامع الكبير بمنارته المحدَّبة، وهي الجزء الوحيد المتبقي في مكانه من البناء الأصلي ، وعادة ما تقترن كلمة الحدباء مع الموصل وتعد المئذنة أحد أبرز الآثار التاريخية في المدينة.

كان ارتفاع المئذنة عند انشائها 45 مترا، وكانت مستقيمة تماما، ولكن في الوقت الذي شاهدها الرحالة ابن بطوطة في القرن الـ 14، كانت بدأت بالميلان وحصلت على لقبها “الحدباء”، وتشبه المئذنة في هندستها مآذن ايران وآسيا الوسطى كما تشبه مآذن اخرى في ماردين وسنجار واربيل.

خضع الجامع والمدرسة الملحقة به لعملية تجديد وترميم من قبل الحكومة العراقية في عام 1942، ولكن المئذنة لم ترمم، وفي عام 1981 استقدمت شركة ايطالية وكلفت بتثبيتها.

الا ان المئذنة تعرضت للمزيد من الضرر خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، اذ تسبب القصف الجوي الإيراني في تحطم انابيب الماء الموجودة تحتها مما اضر بهذه الاسس ، وقد زاد ميلان المئذنة بحوالي 40 سنتمترا منذ ذلك الحين.

محاولات فاشلة

تردد اسم الجامع بعد استيلاء داعش على الموصل في”2014″ ،  حيث ترددت أنباء أن زعيم “داعش” أبو بكر البغدادي قد أعلن منه قيام دولة الخلافة ، على الرغم من أنهم قد استهدفوابعد استيلائهم على الموصل في يونيو 2014، ولكن سكان الموصل  الذين اغضبهم تدمير مسلحي التنظيم قبر النبي “يونس”، حموا المسجد ومئذنته ومنعوا مسلحي التنظيم من الإضرار به.

من فعلها ؟

ذكرت مصادر ميدانية من داخل مدينة الموصل أن طيران التحالف الدولي هو من قام بقصف جامع النوري ومنارة الحدباء التأريخية ، حيث أكد الإعلامي العراقي البارز “عثمان مختار”  أن تدمير الجامع النوري والمنارة الحدباء في الموصل جاء بقصف جوي أمريكي، وأكد أن المعلومات تتحدث عن استشهاد عشرات المدنيين في البلدة القديمة.

وفي ذات السياق أعلنت القوات العراقية أن عناصر تنظيم “داعش” أقدموا على تفجير جامع النوري ومنارة الحدباء التاريخية في المدينة القديمة بغرب الموصل.

وقال قائد عمليات “قادمون يا نينوى” الفريق الركن عبد الأمير رشيد يارالله في بيان “أقدمت عصابات داعش الإرهابية على ارتكاب جريمة تاريخية أخرى وهي تفجير جامع النوري ومئذنة الحدباء التاريخية” بالمدينة القديمة في غرب الموصل.

وجاء الرد على الفور حيث  أعلن تنظيم “الدولة” عبر وكالة “أعماق” التابعة له أن “الطيران الأمريكي دمر مسجد النوري الكبير والمنارة الحدباء في الموصل”، وليس عناصره كما قالت القوات العراقية.

بيد أن متحدثا باسم التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة نفى ضرب المنطقة التي يوجد بها المسجد التاريخي في الموصل.

https://www.youtube.com/watch?v=z0joe_lEBik

ربما يعجبك أيضا