بـ”علبة” شيكولاتة.. إسرائيل خارج اليونسكو

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

بـ”علبة شيكولاتة“.. أرادت إسرائيل أن تخفف حدة الانسحاب من اليونسكو، حيث قدم سفير إسرائيل لدى “اليونسكو”، “كرمل شامة” رسالة رسمية إلى المنظمة على الرغم من أن أبوابها مغلقة بمناسبة رأس السنة الجديدة، مما اضطر لتسليمها لحراس الأمن، الذين رفضوا الاستلام حيث إن “اليونسكو” لا تقبل أي حزم أو رسائل خلال عطلة الأعياد، مما أجبر “كرمل” على إرسال بريد إليكتروني، لتستلم بعد ذلك، “أودريه أزولاي” مديرة عام اليونسكو الإشعار الرسمي من الحكومة الإسرائيلية، المتعلق بانسحابها من المنظمة.

إسرائيل تتعرض لمؤامرة دولية” هذه هي النغمة التي طالما اعتادت إسرائيل ترديدها في المحافل الدولية خاصة بعد أن نجحت الدبلوماسية الفلسطينية في وضع أقدامها تارة داخل اليونسكو وتارة أخرى داخل “الإنتربول” وكأنها تدرك أنها بتلك النجاحات يمكن ان تفرض حلاً بديلا عن المفاوضات.

قرار إسرائيل بالانسحاب من منظمة “اليونسكو” ليس وليد اللحظة بل رتب له منذ انضمام فلسطين بشكل كامل لمنظمة اليونسكو التي نصرت الحق الفلسطيني في مجمل قرارتها الـ14 وإدانات انتهاكات إسرائيل بشأن القدس وأكدت إسلامية وعربية آثارها وأحقية الفلسطينيين بها، ومع قرارات الولايات المتحدة بالخروج من المنظمات الدولية والتي كانت بمثابة محرك لإسرائيل، أعلنت إسرائيل رسميًا انسحابها من منظمة اليونسكو، وذلك بعد قرار الأمم المتحدة برفض القرار الأمريكي بأيام قليلة.

أمريكا أولا

يقول “جوناثان ماركوس” مراسل “بي بي سي” للشؤون الدبلوماسية إن اليونسكو تعد هدفا سهلا بالنسبة لترامب، فالمنظمة جهة متعددة الثقافات ولها أهداف تعليمية وتنموية مثل المساواة ومحاربة الأمية والتعليم.

وسينظر الكثيرون للانسحاب الأمريكي من المنظمة الدولية، بحسب ماركوس، باعتباره تجسيدا لشعار ترامب “أمريكا أولا”، وتكمن المفارقة في أن اليونسكو جزء من البنيان الدولي الذي ساهمت الولايات المتحدة في تشكيله عقب الحرب العالمية الثانية.

وأضاف “ماركوس” أن الجزء الأهم في القصة يتمثل في الاتهامات الموجهة للمنظمة بالتحيز ضد اسرائيل، إذ نددت المنظمة في عددة مواقف بأنشطة قامت بها اسرائيل في الضفة الغريبة وغزة، وفي وقت سابق من العام الحالي أدرجت مواقع في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة ضمن مواقع التراث العالمي كمدينة فلسطينية إسلامية.

واتهمت تل أبيب المنظمة بتجاهل ما وصفته ارتباط الخليل باليهود منذ آلاف السنين، فهي محل ميلاد مملكة داوود، وفيها الحرم الإبراهيمي.

وبعد موافقة المنظمة على قبول فلسطين كعضو، أوقفت الولايات المتحدة، أكبر ممول للمنظمة، دعمها المالي لها.

السياحة الإسرائيلية

يرى مدير المعهد الإسرائيلي “ميتفيم” المتخصص بالسياسات الخارجية لإسرائيل والشرق الأوسط “نمرود جورن”، أن خطوة نتنياهو تأتي بتأثير من واشنطن التي انسحبت من اليونسكو، كما أنها تعكس التنسيق الوثيق بين إسرائيل وإدارة ترامب.

وعزا “جورن” الدوافع الإسرائيلية للانسحاب من اليونسكو إلى عوامل داخلية متعلقة بالسياسة الحزبية لإسرائيل التي تلوح بالقدس الكبرى “العاصمة الموحدة للشعب اليهودي”، وكذلك إلى القرارات الصادرة عن المنظمة خلال العامين الماضيين بشأن القدس التي تدين الاحتلال وتنفي وتشكك بالعلاقة التاريخية والدينية لليهود بالمدينة، وهو الأمر الذي أحدث إرباكا بالمشهد السياسي والمجتمع الإسرائيلي الرافض لهذه القرارات.

ويعتقد أن إسرائيل بتوجهها الانسحاب من المنظمات الدولية ترتكب خطأ فادحًا، كما أنها تتجه نحو توسيع عزلتها الدولية والبقاء تحت المظلة الأميركية، لتسجل بذلك انتكاسة دبلوماسية وخسارة سياسية لا يمكن تحديد ملامحها وتداعياتها بالمرحلة الراهنة، علما أن اليونسكو تعترف بالكثير من المواقع الأثرية والتاريخية داخل إسرائيل.

ليست المرة الأولي لأمريكا

ليست هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها من منظمة اليونسكو، حيث سبق وانسحبت قبل 33 عاما بعد أن اعتبرت أن “سياسة المنظمة تتعارض معها، وأن الإنفاق غير رشيد في برامج وأنشطة غير ذات أهمية” وذلك في عهد السنغالي “أحمد مختار إمبو” الذي كان يتولى منصب مدير المنظمة.

وقد تبني “إمبو”سياسة الدفاع عن حق التنوع والتعدد الثقافي في مواجهة الهيمنة الأمريكية فلم يقبل أن تفرض الولايات المتحدة هيمنتها الكاملة على اليونسكو، بحجة أنها تدفع ما يقرب من ربع ميزانيتها، وظلت منسحبة لمدة 19 عاما.

وبسبب انسحاب الولايات المتحدة عانت اليونسكو ماديا، إلا أن دول أخرى تطوعت لتعويض النقص المادي، واستغلت فرنسا غياب أمريكا وأقرت اللغة الفرنسية كلغة رسمية لليونسكو، وكان بمثابة فوز لها، خاصة أن مقر المنظمة يقع بعاصمتها باريس، ولكن عادت أمريكا إلى المنظمة عام 2003 وظلت تدفع حصتها التي تبلغ 60 مليون دولار، حتى توقفت عن السداد  فى الميزانية عام 2011، بعد أن صوت أغلبية أعضاء المنظمة البالغ عددهم 107 أعضاء، لصالح انضمام فلسطين إلى المنظمة.

ليتكرر الموقف الأن بعد أن اعتزام الولايات المتحدة انسحابها من المنظمة لتعاني المنظمة من نقص التمويل مجددا.

ومن المقرر أن يصبح الانسحاب الأمريكي ساريا بداية من ديسمبر 2018 ، وحتى ذلك الوقت ستظل عضوية واشنطن في المنظمة الدولية مستمرة.

تواجد فلسطيني

كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن احتمال تأثر السياحة الوافدة إلى إسرائيل في أعقاب الانسحاب من “اليونسكو”.

وقالت الصحيفة إن احتمال انسحاب “إسرائيل” من اليونسكو بعد الولايات المتحدة يلقي ظلالا من عدم اليقين بشأن الحفاظ على مواقع التراث العالمي في الأراضي المحتلة.

واعتبرت أنه من غير الواضح كيف سيؤثر تعيين اليهودية “أودري أزولاي” رئيسة للمنظمة، على استمرار العلاقات السيئة بين اليونسكو وتل أبيب، وأوضحت أن المنظمة أدرجت حتى الآن 9 مواقع موجودة في الأراضي المحتلة ضمن قائمة التراث العالمي، لم يكن يعرفها السياح إلا بعد إدراجها على قائمة اليونسكو.

وذكَّرت “هارتس” متخذي القرار في الكيان الإسرائيلي بالتهليل قبل 10 سنوات لإدراج اليونسكو 4 مواقع في صحراء النقب “جنوب فلسطين المحتلة” ضمن قائمة التراث العالمي، وإقامة حفل كبير بهذه المناسبة حضره كبار الوزراء والمسؤوليين في كيان الاحتلال .

 وقالت إن “هيئة الطبيعة والحدائق العامة” الإسرائيلية التي تتولى الإشراف على المواقع المدرجة كتبت على موقعها “إن الإعلان عن أحد المواقع كموقع للتراث العالمي يجلب شرف ومكانة للدولة ويؤدي في معظم الحالات إلى زيادة في عدد السياح الذين يزورونه”.

وأضافت الصحيفة أن “الافتراض الأساسي للعاملين بالسياحة في “إسرائيل” ودول أخرى في العالم هو أن هناك إمكانات كبيرة للسياحة الثقافية، وهذا يعني مجموعة كبيرة من السياح، ومعظمهم من أوروبا، يبحثون عن وجهات مثيرة للاهتمام ويسافرون باستمرار إلى مواقع التراث العالمي”.

ممارسة الضغوط

 في ورقة بحثية عن انتخابات اليونسكو لـ”ميخال ردوشيتسكي”، الباحثة بمركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ذكرت أن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من منظمة اليونسكو، وانتخاب سكرتيرة يهودية جديدة، أظهرت المكانة الحقيقية لـ”تل أبيب” وسياساتها فيما يتعلق بالمنظمة ومنظمات دولية أخرى، مبينة أن الأوضاع داخل المنظمات الدولية من سيئ إلي أسوأ، فخلال الشهر الماضي، وأثناء انشغال إسرائيل بأعياد رأس السنة العبرية، شهدت تلك المنظمات أربعة أحداث أثرت سلبًا على الحالة الدبلوماسية المصرية.

الباحثة “ميخال” أوضحت، إنه ومنذ يوليو العام الماضي، 2016، وحتى اليوم، حدثت العديد من التطورات المهمة، يومها تقدم الفلسطينيون مذكرة الترشح لقبولها عضواً في منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، وإن سحب فلسطين طلب تلك العضوية أدي إلي حرمان “تل أبيب” من ذلك الحق، مبينة إن فلسطين اعُتبرت الهدف السياحي الأكثر زيارة في العالم، في ظل زيادة غير طبيعية بلغت الـ85%، رغم تأجيل منظمة السياحة مناقشتها لضمها إلى عام 2019.

“الانضمام إلي منظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول” أهم تطورات التي طرأت علي طبيعة العلاقة بين المنظمات والدبلوماسية الاسرائيلية، هكذا رأت “ميخال ردوشيتسكيط، فوفقاً لها جاء قبول الفلسطينيون للانضمام لمنظمة الإنتربول، بتصويت أكثر من ثلثي المنظمة بكامل هيئتها، ما شكل إنجازاً دبلوماسياً فلسطينياً غير مسبوق، ما دفع “تل أبيب” و”واشنطن” لمعارضة تلك الخطوة، مبينة أن دوافع السلطة الفلسطينية للانضمام، والتي تؤكد أن الغرض فقط تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون في مكافحة الجريمة عبر الحدود.

جاء التطور الثالث، طبقا للورقة البحثية، حينما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية نيتها الانسحاب من منظمة اليونسكو بنهاية 2018، تلك الخطوة جاءت لسببين، الأول رغبة منها فى وضع حد لديونها المتراكمة تجاه المنظمة منذ 2011، تلك الديون جاءت نتيجة التوقف عن دفع مستحقاتها للمنظمة، منذ انضمام فلسطين لها، ما أدي إلي تراكم الديون إلي حوالي نصف مليون دولار شهريا، والثاني كشكل من أشكال الإحتجاج ضد سلوك المنظمة تجاه “تل أبيب”.

 أما التطور الرابع، أفردت له الباحثة “ميخال ردوشيتسكي”، قسماً خاصاً في البحث، فقد ربطته برحيل “إيرينا بوكوفا”، مدير عام اليونسكو السابق، وانتخاب المرشحة الفرنسية اليهودية الديانة، أودري أزولاي، مشيرة إلي إنه رغم استحالة معرفة مدي نجاح “أودري” وتأثيرها علي المنظمة، إلا أن إسرائيل تعول عليها كثيرا لعلاقاتها الجيدة معها.

حالة من القلق تنتاب الدبلوماسية الإسرائيلية أمام النجاحات المتتالية للدبلوماسية الفلسطينية، فيوم بعد يوم يجلس أحفاد “ياسرعرفات” علي كرسي دولي يكسبهم شرعية دولية جديدة، وهذا ما حاولت فيه الباحثة “ميخال ردوشيتسكي”، أن تؤكده، بل وتظهر مدى القلق والخوف الإسرائيلي، من أن تُجبر تلك النجاحات “تل أبيب” للتعامل مع فلسطين الدولة التي من حقها أن تطلب حق تقرير المصير لشعبها.

ربما يعجبك أيضا