“بلومبرج”: “السعودية 2030” تحول كبير غير مسموح له بالفشل

ولاء عدلان

كتبت  – ولاء عدلان

المعتاد على زيارة المملكة العربية السعودية من وقت لأخر، يمكنه أن يلمس بسهولة خلال هذه الفترة التحول الكبير الذي تمر به سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي، ولمعرفة كلمة السر وراء هذا التحول يكفي أن ينظر زائر المملكة حوله ليشاهد صور ولي العهد الجديد محمد بن سلمان في كل مكان ومع الجميع أطفال وجنود وحكام، ففي أواخر الشهر الماضي تم تعليق صورته على أعلى ناطحة سحاب في الرياض، بمناسبة اليوم الوطني السعودي.

هذه الحفاوة بالأمير الشاب تجعله يواجه تحديا كبيرا لتنفيذ خطته الطموحة لتغير وجه المملكة النفطي “رؤية 2030” التي أعلن عنها في يونيو 2016، وهي خطة من الصعب التراجع عنها، وفي الوقت نفسه لا يمكن السماح لها بالفشل، فمستقبل المملكة في عصر ما بعد النفط مرهون بها وسط استمرار مأزق تدهور أسعار النفط التي يبدو أنها لن تتعافى على المدى القريب، رؤية 2030 التي استقبلها المجتمع السعودي منذ عامين بكثير من التفاؤل الحذر تسعى إلى تطوير القطاعات غير النفطية والاعتماد على خطط التنمية المستدامة وإعادة هيكلة وخصخصة العديد من القطاعات والشركات الوطنية، بهدف توفير مبلغ 30 مليار دولار بعد 3 أعوام من الآن، إلى جانب رفع الإيرادات غير النفطية إلى 100 مليار دولار، واستثمار 50% من ممتلكات صندوق الاستثمارات العامة في استثمارات خارجية بحلول عام 2020، لمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي بزيادة قدرها نحو 800 مليار دولار.

تقول “بلومبرج” -في تقرير نشر اليوم الإثنين- برز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 32 عامًا، كزعيم لا مثيل له في المملكة، وأصبح الآن في وضع أفضل لقيادة المرحلة الانتقالية للتحول من اقتصاد يعتمد كليا على البترودولار إلى اقتصاد ما بعد القرن الـ21، لكن منذ نحو عامين من بداية الإصلاح الاقتصادي هناك مسألة هامة تشغل مسؤولي المملكة تتعلق بكيفية توفير الأموال لدعم خطة التحول، وذلك بالتزامن مع تسريع خطى الإصلاح الاجتماعي، والذي بدأ بمزيد من التمكين للمرأة في مختلف القطاعات ورفع الحظر عن قيادة النساء الشهر الماضي.

واعتبر الرئيس التنفيذي لشركة جولدمان ساكس لويد بلانكفين -خلال مشاركته في فاعليات منتدى الأعمال العالمي في نيويورك سبتمبر الماضي- أن السعودية تواجه تحديا ضخما في طريقها للتحول الاقتصادي، موضحا أن هذا التحول بات ضرورة لتحقيق الاستقرار على المدى البعيد لكنه يتطلب الحذر من مسؤولي المملكة، للحصول على الإجابات الصحيحة دون إثارة قلق المواطن السعودي فيما يتعلق بأسعار الخدمات الحكومية وخطط خفضها لمواجهة عجز الموازنة.

من جانبه أكد وزير المالية السعودي محمد الجدعان، لـ”بلومبرج” الأسبوع الماضي، أن الحكومة ستخفض دعم الطاقة لتحقيق التوازن في ميزانيتها بشكل تدريجي وبدون تسرع، تجنبا لتفاقم التداعيات الاجتماعية لمثل هذه التوجهات، مبينًا أن أسعار بعض منتجات الطاقة قد لا تصل إلى المستويات الدولية هذا العام، لكنها ستزداد تدريجيًّا خلال فترة زمنية طويلة.

فيما عبر تركي الرشيد وهو رجل أعمال سعودي، عن أمله في أن تحقق رؤية 2030 نقلة نوعية في الاقتصاد السعودي، وإلا يكون مصيرها الفشل كآخر محاولة للإصلاح الاقتصادي الشامل والتي أدت إلى إنهيار عائدات النفط عام 2014، وما تلاه من خفض للإنفاق الحكومي وإلغاء للعديد من مشروعات التنمية والبنية التحتية، مؤكدا هنا أن قطاع الأعمال في السعودية لا زال يعاني من تخفيضات المدفوعات الحكومية للمقاولين ووقف المخصصات للمشاريع العقارية.
أما ميلي هوثورن -وهو محلل أمريكي متخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- فيقول لـ”بلومبرج”، يعيش السعوديون لحظة حاسمة في تاريخهم، إذ تبدو فرص إنقاذ أسعار النفط ضئيلة للغاية، لذا الأمير الشاب في حاجة ماسة إلى خلق فرص عمل للشباب في القطاع الخاص بعيدا عن القطاع العام المتضخم وبصورة تساعد على خفض عجز الموازنة الذي بدأ يتراجع بالفعل بحسب بيانات صندوق النقد المعلن عنها في يوليو الماضي، إذ تراجع إلى مستوى 17.2% من إجمالي الناتج المحلي في 2016 إلى 9.3% في 2017.

ويؤكد ياسر بن عثمان الرميان، المشرف على صندوق الاستثمارات العامة، التقدم السريع في تنفيذ خطة التحول الاقتصادي، موضحا أن التفاؤل بنجاح رؤية 2030 يزداد يوما بعد يوم، بعد ما شهدته من مقاومة في البداية، إذ باتت تستقطب المزيذ من المؤمنين بأهدفها الطموحة.

وبحسب العديد من الخبراء تحاول الحكومة السعودية جاهدة ضمن هذه الرؤية تشجيع الشباب على العمل بالقطاع الخاص، عبر وسائل عدة مثل دعم صندوق الاستثمارات العامة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة بنحو 1.1 مليار دولار، وسعودة بعض القطاعات بقصرها على المواطنين فقط، هذا فضلا عن محاولات رفع تكلفة العمالة الأجنبية عبر خطوات عدة كان أخرها فرض رسوم على المغتربين وأسرهم.

ويرى البعض أن الحكومة السعودية لديها استعداد للتعلم من أخطائها بدلا من التستر عليها،  وهذا ما تثبته اجتماعات مسؤوليها المتكررة مع رجال الأعمال، وتراجعها في أبريل الماضي عن قرر وقف مكافآت وبدلات موظفي القطاع العام، الذي أدى إلى خفض الرواتب وبالتباعية الانفاق الاستهلاكي.

يبدو أن الأمير محمد بن سلمان في حاجة إلى مشاركة المزيد من السعوديين لتنفيذ خطته الطموحة والخروج منتصرا من هذا التحدي في ظل عدة عوامل تبدو مقيدة بعض الشيء مثل تراجع أسعار النفط والتزام المملكة، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم بخفض سقف الإنتاج ضمن اتفاق أوبك لدعم استقرار الأسواق، وارتباط رؤية 2030 بخطوات للإصلاح الاجتماعي قد تواجه بمعارضة من التيار المحافظ أو المتشدد بالمملكة العربية السعودية، هذا فضلا عن وجود بعض الأصوات المعارضة للخطة برمتها، إذ يعتبرها البعض خطة تعتمد على الإصلاح السريع بدلا من التحول التدريجي إلى اقتصاد ما بعد النفط، ما قد يعرض المجتمع السعودي إلى العديد من الاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية.

ربما يعجبك أيضا