بماذا يشعرون وما هى أمنياتهم وعلى أي شيء يندمون.. مركز بوذي لرعاية المقبلين على الموت

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد

نحن نعلم أننا سنموت, ومع هذا نمضي معظم حياتنا ونحن نحاول جاهدين ألا نفكر في الموت. لكن هل من الحكمة أن نتجاهل الموت؟ هل سنعيش بطريقة أفضل إذا أمضينا المزيد من الوقت في التفكير في فنائنا؟

فرانك أوستاسيسكي هو مؤلف كتاب الدعوات الخمس: اكتشاف ما يعلمه الموت للأحياء، وساعد في تأسيس مشروع زين لمشفى المحتضرين, أول مركز رعاية بوذي في الولايات المتحدة, في سان فرانسيسكو. فتح المركز أبوابه أمام الأشخاص الذين يواجهون الموت, وقدم لهم الرعاية بغض النظر عن خلفيتهم أو دخلهم. كان مركز الرعاية مميزًا في اعتماده على ممارسة الوعي التام كأداة لمساعدة الناس في الموت بسلام.

في هذا الحوار, نناقش ما تعلمه أوستاسيسكي من الأحاديث التي أجراها مع أشخاص محتضرين. لقد أخبرني “بالنسبة لمعظم الأشخاص, يتعلق الأمر بالعلاقات. يتعلق الأمر بالإجابة على سؤالين: ’هل أنا محبوب؟‘ و’هل أحببت بطريقة جيدة؟‘ وبالتالي معظم ما يحدث في الفترة الأخيرة من الحياة يتلخص في هذين السؤالين”.

ويجادل بأن هذه الدروس المتعلقة بما يهم الناس فعلًا في اللحظة الأكثر تعمقًا من حياتهم قد تساعدنا جميعًا في عيش حياة أكثر سعادة في الوقت الحالي.

إليكم نص الحوار.

كيف تؤثر البوذية على نهجك الخاص بالرعاية في فترة الاحتضار؟
إن التعاليم البوذية لها تأثير مهم على حياتي وعملي المتعلق بالموت.

تعتبر مواجهة الموت أمر أساسي في التعاليم البوذية. يُنظر للموت على أنه مرحلة أخيرة في نمونا. إن ممارساتنا اليومية للوعي التام والتعاطف تنمي الصفات العقلية والعاطفية والجسدية التي تجهزنا لمواجهة المحتوم.

من خلال تطبيق هذه الوسائل البارعة, تعلمت ألا أشعر بالعجز من المعاناة, بل أن أسمح لها بأن تصبح أساسًا للتعاطف بداخلي. تنمي ممارسة التأمل رباطة الجأش التي سمحت لي بأن أصبح الشخص الهادئ في المواقف الأكثر صخبًا.

وأخيرًا, في الفكر البوذي, أحد جوانب التعاطف هو أنه بلا حدود ويحتضن الجميع. يمكننا أن نسمي هذا التعاطف العالمي. ثم هناك التعاطف اليومي. وهو التعاطف الذي نعبر عنه في حياتنا اليومية, عندما نغذي الجوع, أو نواجه الظلم, أو نصغى جيدًا لصديق يعاني من تجربة مؤلمة. ربما نكون فاعلين أو غير فاعلين في جهودنا, لكننا نفعل أقصى ما في وسعنا. يعتمد هذان الوجهان من التعاطف على أحدهما الآخر.

كيف تشرح العمل الذي تقوم به؟
ليس من السهل شرحه, لكنني أقوم بشيئين بصورة أساسية. الأول هو إنني أساعد الناس الذين يمرون بعملية الاحتضار, وأساعدهم في العثور على أفضل طريقة للموت.

الشيء الثاني هو أنني أدرس لأطباء الرعاية الصحية كيف يقدمون رعاية واعية ورحيمة. نحن نريد جانبًا إنسانيًا في العلاج. نحن لا نريد مجرد فني يجلس بجوار فراشنا, وخاصة عندما نحتضر. هذان هما الأمرين اللذين أركز عليهما أكثر شيء.

ماذا جذبك للموت والموتى؟ لماذا هذا النوع من العمل؟
عندما يحتضر الناس, يتجهون لأن يصبحوا صادقين. وأحب أن أحضر تلك اللحظات. أحب أن أكون بجوار الناس عندما يكونوا صادقين. عندما نقترب من نهاية حياتنا, نتجه لأن نركز على ما يهم أكثر, والباقي ينتحى جانبًا.

إذن ما هو هدفك: مساعدة الأشخاص في التحكم في موتهم أم مساعدتهم في التصالح معه؟
أنا أعتقد أن الموت لا يمكن التحكم فيه بشكل كامل. يبذل الطب مجهودًا كبيرًا في محاولة التحكم في هذه التجربة, وهي كبيرة وعميقة جدًا على الطب. أعتقد أن ما نفعله هو أننا نساعد الأشخاص في فعل الأمور العادية التي سيفعلها أي مركز رعاية آخر. وهي التأكد من التحكم في ألمهم على نحو جيد, وأن الأعراض التي يعانون منها تحت السيطرة, وأنهم لا يعانون.

ثم نحاول ونكتشف ما يهمهم حقًا. بالنسبة لبعض الأشخاص, العلاقات هي ما يهمهم. بالنسبة لآخرين, يتعلق الأمر بإلقاء نظرة على حياتهم ورؤية الإرث الذي يتركونه ورائهم. بالنسبة لغيرهم, يتعلق الأمر باكتشاف طيبة أو تسامح كانوا يبحثون عنه طوال حياتهم.

أظن أن هذا العمل يتعلق حقًا بالمرافقة. إنه يتعلق بأن تكون في علاقة مع هذا الشخص وتسير معه جنبًا إلى جنب بينما يقترب من الموت. أنا لا أرشدهم بقدر ما أرافقهم, ولكي أكون رفيقًا جيدًا, يجب أن أقوم بواجباتي. يجب أن أعرف ما هي علاقتي بهذه الأمور. بخلاف ذلك, إذا قلت “أنا أفهم,” سوف يشعر الشخص بالإفراط العاطفي وعدم الصدق.

معظمنا يحاول جاهدًا ألا يفكر في الموت, لكنه لا يزال أشبه بالطغيان على حياتنا اليومية. إلا أنك تعتقد إنه هناك الكثير لنكسبه عن طريق البقاء بالقرب منه. لماذا؟
عندما نقترب من نهاية حياتنا, الأشياء المهمة توضح نفسها. إنها ليست عدد السيارات الفارهة التي نمتلكها أو عدد الساعات التي نمضيها في المكتب. بالنسبة لمعظم الأشخاص, يتعلق الأمر بالعلاقات. يتعلق بالإجابة على سؤالين: “هل أنا محبوب؟” و”هل أحببت بطريقة جيدة؟” وبالتالي معظم ما يحدث في الفترة الأخيرة من الحياة يتلخص في هذين السؤالين.”

إذا كانت تلك الأسئلة مهمة, فلماذا ليست مهمة لنا الآن؟ لماذا ننتظر حتى وقت موتنا لنكتشف إجابات تلك الأسئلة أو حتى لطرحها على أنفسنا؟ هذا أول شيء يخطر بالبال.
الشيء الثاني هو أنني أعتقد أننا عندما نبدأ في إبقاء الموت قريبًا منا, نفهم إلى أي مدى هذه الحياة زائلة في الحقيقة. وعندما نرى ذلك… نرى كم هي ثمينة, ثم لا نرغب في تضييع أية لحظة. ثم نريد القفز في حياتنا. نريد أن نخبر الأشخاص الذين نحبهم إننا نحبهم. ونريد أن نعيش حياتنا بطريقة مسئولة, وهادفة, وذات مغزى.

هناك حديث حول, “ما الأمور التي يندم عليها الناس بينما تقترب حياتهم من النهاية؟” وأظن أنه من المفيد إلقاء نظرة على هذا. وأنا مهتم أكثر بـ”ما هي التحولات التي يقوم بها الناس في نهاية حياتهم؟” على ماذا ينفتحون؟ ماذا يرون عن حياتهم والذي لم يروه من قبل؟
يكتشف الناس في أكثر الأحيان وقت موتهم أنهم أكبر بكثير من النفس الصغيرة المنفصلة التي اعتادوا أن يكونوا عليها. لكن الأمر المذهل بالنسبة لي هو أننا نأخذ كل ما نحن عليه ونقلصه إلى قصة صغيرة. ثم نعيش في هذه القصة الصغيرة كما لو أنها حقيقية. وبنهاية حياتهم, يدرك الناس أنهم كانوا يعيشون في قصة صغيرة جدًا.

يتجه الفلاسفة للتفكير في الموت بواحدة من طريقتين: إما أنه يجعل الحياة سخيفة أو أنه يمنح الحياة معناها وشكلها. كيف تفكر فيه؟
أظن أنك تشير إلى شيء أساسي هنا. لدينا مصطلح نستخدمه, “لاحقًا.” إنه مريح جدًا, هذا المصطلح “لاحقًا.” سيكون دائمًا لاحقًا. “سوف أصل لذلك لاحقًا,” أو “الموت سيأتي لاحقًا.” أنا أعتقد أن هذا يمنحنا مسافة مريحة من هذه التجربة الغامضة بالنسبة لنا.

إن الموت لا يحدث لنا في نهاية طريق طويل. إنه معنا دائمًا. إنه في جوهر كل لحظة تمضي. أنا أسميه “المعلم الخفي الذي يختبئ على مرأى من الجميع” والذي يساعدنا على اكتشاف ما يهم أكثر.

فكر في كل ربيع, على سبيل المثال, في اليابان. تغطي أزهار الكرز الجبال. هناك مكان في أيداهو حيث توجد أزهار الكتان الزرقاء التي تستمر ليوم واحد. الآن, ماذا عن تلك الأزهار الجميلة؟ لماذا هي أجمل بكثير من الأزهار الصناعية التي قد تستمر للأبد؟ أليس قصر حياتها هو ما يساعدنا على تقدير جمالها؟

هل تعتقد أنه لإننا خائفون جدًا من الموت لا نستطيع مواجهته بصدق؟
هذا جزء منه. لقد أخبرونا قصصًا مرعبة حقًا عن الموت, ونحن نصدقها. لهذا السبب من المهم بالنسبة لي أن أخبر قصصًا حيث يكتشف الناس في الشهور, أو الأسابيع, أو اللحظات الأخيرة من حياتهم شيئًا جوهريًا عن أنفسهم وعن طبيعتهم.

هذه القصص من الناس, بالمناسبة, وليست من حكماء روحانيين. أنا أتحدث عن أشخاص عاديين, وفي أغلب الأحيان أشخاص يعيشون في شوارع سان فرانسيسكو, يتفاهمون مع هذا الشيء الذي أخافهم طوال حياتهم. لكن أثناء العملية, وجدوا أنه ليس مخيفًا كما تخيلوه من قبل.

أنت قلت منذ لحظة أن الناس, عندما تقترب حياتهم من النهاية, يهتمون بعلاقاتهم مع الأشخاص الآخرين أكثر من أي شيء آخر. ما السبب وراء ذلك في اعتقادك؟
أظن أنه بالنسبة لكثير من الأشخاص, التعاليم الدينية والممارسات الروحية تدور حول العلاقات. يولي معظم الناس إهتمامهم لذلك. ويشعرون بالحب الأعظم. ويتعلمون ويشعرون بأكبر قيمة في حياتهم.

الموت لغز غامض, والأشخاص الذين يحتضرون يتجهون نحو اللغز الغامض, واللغز الغامض هو هذه الأرض المجهولة, أرض الأسئلة غير القابلة للبت. لكي أكون رفيقًا صالحًا, يجب عليّ أن أكون مرتاحًا في تلك الأرض الغامضة أيضًا, وهذا لا يعني إنني أمتلك كل الإجابات. هذا يعني إنني مستعد للبقاء في الغرفة عندما تزداد الأمور صعوبة. وألا أتجه بعيدًا عن المجهول, وأن أدخل بنوع من الفضول والتعجب.

لقد أصابتك نوبة قلبية حادة منذ فترة قريبة, وأوشكت على الموت. هل علمتك تلك التجربة شيئًا لم تكن لتتعلمه بطريقة أخرى عن الموت؟
هذا سؤال رائع فعلًا. أشكرك عليه. لا أعلم إذا كان هناك شيئًا واحدًا, لكنه بالتأكيد كان التواضع. كان التواضع لرؤية إلى أي مدى كنت أشعر بالعجز, وكيف كنت خائفًا. إنه ليس أمرًا غريبًا أن يشعر الناس بعد النوبة القلبية بالإنهاك العاطفي أو الاكتئاب – وأنا شعرت بكل تلك الأمور.

ثم كان هناك ذلك الشيء الذي حدث لي, وهو أنني تحولت من الشعور بالضعف والاتكال على الآخرين إلى الشعور بالاسترخاء والنفاذية. تبدد الخوف. بدأ وضعي الافتراضي في أن يصبح أشبه بالانفتاح. في نهاية الأمر, مشيت بفهم أعمق للتعاطف.

إنه فشل ثقافي كبير أننا لا نعرف كيف نكون قريبين من الموت, ولا نعرف كيف نكون قريبين من الأشخاص الذين فقدوا شخص ما مؤخرًا. هل هذه مشكلة أمريكية أم مشكلة عالمية؟
أنا لا أظن إنها مشكلة أمريكية, على الرغم من أنها متفاقمة هنا. أنها تتعلق بفرديتنا الصارمة، وخوفنا من الاقتراب كثيرًا من الألم. عندما تموت أمك وتذهب إلى حفلة ولا أحد يذكر ذلك لأننا لا نريد أن نغضبك. ما نفعله هو أننا نترك الشخص الحزين في عزلة للتعامل مع ألمه أو جزعه بنفسه. أو أننا نحاول التحكم في الجزع.

لدينا مجموعات لمعالجة الجزع. إنها رائعة, لكننا في بعض الأحيان نفرض على الشخص المحتضر نموذجًا حول كيف ينبغي أن يتجاوز جزعه. إن الجزع لا يمكن التنبؤ به على الإطلاق. إنه يتضمن مجموعة كاملة من التجارب. الحزن مرحلة من الجزع, وكذلك أيضًا الخوف, وفقدان الإحساس, والتنفيس والغضب.

في بعض الثقافات, اعتاد الناس ارتداء نوع معين من الملابس أو شارة يد سوداء لكي يعلم الجميع, “انظروا, أنا في حالة متغيرة. لا تتوقعوا أن أتصرف بشكل طبيعي. ساعدوني على الجزع. فلتفهموا أنني أعيش في العالم بطريقة مختلفة تمامًا”.

أنا أعتقد أن الجزع هو أساسنا المشترك. أعتقد أننا في كثير من الأحيان نتحدث عنه كفقدان لشيء ما, مثل شخص نحبه, على سبيل المثال. لكنني أعتقد أيضًا أن جزعنا لا يتعلق فقط بما امتلكناه وفقدناه. إنه في كثير من الأحيان يتعلق بما لم نحظى به قط. أنا أظن أنه يوجد الكثير من ذلك يطفو في الثقافة وظهر على السطح عندما تكون هناك حالة وفاة أو خسارة كبيرة في حياتنا.

ليس علينا أن نكون تقنيين. ليس علينا أن نكون معالجين نفسيين. يمكننا أن نكون بشر ونتواصل في الظلام. نلمس بعضنا البعض.

هذا أمر طبيعي جدًا. الفكرة هي أننا أزلناه من حياتنا اليومية, ولذلك أصبحنا خائفين ونسينا ما نعرفه.

الاحتضار قد يعلمنا أن نثمن أن كل شيء يتغير باستمرار

ما الدروس التي يعلمها الاحتضار للأحياء حول كيفية عيش الحياة بطريقة أفضل؟
هناك أمور كثيرة جدًا, لذلك أشعر دائمًا بالتردد في تلخيصها في رد واحد. أعتقد أن الأمر الذي أصبح أكثر وضوحًا هو ما ذكرناه: كل شيء يتغير. عندما نحارب هذه الحقيقة, نعاني. هذا أول شيء تعلمته.

الشيء الثاني هو أننا جميعنا في نفس هذه المركب. جميعنا عرضة لهذه التجربة, وبالتالي إدراك ذلك يجعلنا أكثر طيبة مع بعضنا البعض, وأظن أنه يجعلنا لا نتمسك بشدة برغباتنا. نتخلى بسهولة أكبر، وهذا يخلق نوع معين من السماحة والامتنان في حياتنا.

كل شيء يتغير. فلتحيا في انسجام مع ذلك. كن ممتنًا لما هو موجود هنا أمامنا.

ولتحب بقدر ما تستطيع, لأنه في النهاية, هذا هو أكثر ما يهم.

المصدر – vox

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا