بوليتيكو | روسيا تُعزز من ترسانتها النووية.. ما الذي يجب على الولايات المتحدة فعله؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

كشفت الحكومة الروسية مؤخرًا للعالم عن صاروخ "أفانغارد" الأسرع من الصوت؛ ما يزيد من حدة النزاع بشأن مستقبل اتفاقيات الحدّ من السلاح التي عقدتها الولايات المتحدة مع موسكو. إن النقاش الدائر وسط خبراء الأمن الوطني في الإعلام والكونغرس، يتمحور حول ما إذا كان يجب تمديد أجل معاهدة "ستارت الجديدة"، أي المعاهدة الهادفة للحدّ من الأسلحة النووية بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي جرى التوقيع والتصديق عليها عام 2010 ومن المقرر تجديدها في عام 2021.
مع هذا، فإن الجدل الدائر حول مصير معاهدة "ستارت الجديدة"، يفترض أن هناك مسارين وحيدين محتملين: إما تمديد المعاهدة لخمس سنوات من دون شروط، أو السماح لها بالانقضاء أملاً في التوصل لاتفاقية أكثر شمولًا.
يسعى الأعضاء المشاركون في اتفاقيات نزع السلاح في تحقيق الخيار الأول، فيما عبّر بعض صقور الدفاع عن اهتمامهم بالخيار الأخير.

وهناك خيار ثالث أكثر واقعية وسهولة في تحقيقه: يجب على الولايات المتحدة تجديد المعاهدة، بشرط أن توافق روسيا على التفاوض بشأن اتفاقية جديدة.
 
إن معاهدة "ستارت الجديدة" هي نتاج عصرها، وكانت انعكاسًا لآمال الولايات المتحدة وروسيا الكبيرة في السنوات الأولى لعهد أوباما لتقليل خطر الأسلحة النووية. وبالرغم من أن المعاهدة زادت في الواقع من عدد الأسلحة النووية المسموح للطرفين بامتلاكها، مقارنة مع المعاهدة السابقة لها (معاهدة موسكو 2002)، غير أنه يمكن القول إنها ساهمت مساهمة متواضعة في تحقيق الاستقرار: واصلت المعاهدة وضع قيود على الأسلحة النووية الاستراتيجية التقليدية للولايات المتحدة وروسيا، وسمحت باستئناف عمليات التحقق الميدانية.

إن الوضع الأمني اليوم يختلف كثيرًا عن الوضع الذي واجهته الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ عقد مضى، بالإضافة إلى تحديثها لقواتها النووية الاستراتيجية في السنوات التسع الماضية، وهو إجراء بدأت فيه الولايات المتحدة منذ وقت قريب فقط، نشرت موسكو طيفًا واسعًا من القوات النووية الجوية والبحرية والبرية قصيرة المدى، التي تهدد حلفاء الناتو لكنها غير مقيّدة بموجب اتفاقية "ستارت الجديدة". في الواقع، دعا مجلس الشيوخ بوضوح، في قراره بالتصديق على المعاهدة عام 2010، لإجراء مفاوضات مستقبلية مع روسيا لمعالجة أوجه التفاوت بين الجانبين فيما يتعلق بالأسلحة النووية الأقصر مدى، ولم تحدث هذه المفاوضات بعد، كما ابتكرت روسيا أيضًا عقيدة عسكرية تدعو فيما يبدو لاستخدام هذه الأسلحة في أرض المعركة ضد حلف الناتو لتحقيق نصر مبكّر في زمن الحرب.

علاوة على هذا، تطوّر موسكو أسلحة نووية جديدة وغريبة عابرة للقارات – من بينها طوربيد عابر للمحيطات، وصاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية، وصاروخ انسيابي فرط صوتي. إن هذه الأسلحة الجديدة، التي لا يوجد مثيل لها في الولايات المتحدة، غير مقيّدة بمعاهدة "ستارت الجديدة" أيضًا، بالرغم من أنها تمثل بشكل واضح تهديدًا مباشرًا على الأراضي الأمريكية.

بالتالي فإن أي تمديد بسيط لمعاهدة "ستارت الجديدة" سيتجاهل تلك التهديدات النووية الجديدة المتزايدة، وسيساهم في توسّع تصنيعها بشكل غير مقيّد. بعبارة أخرى، سيقوضّ هذا التمديد الأمن الغربي وسيمنحنا شعورًا مزيفًا بالاستقرار. لكن الانقضاء القريب لمعاهدة "ستارت الجديدة"، يمكن أن يكون أداة مفيدة للتوصل لمعاهدة جديدة يمكنها معالجة التهديدات الجديدة.

لأجل هذا الهدف، ينبغي للإدارة اقتراح تمديد النسخة الراهنة لمعاهدة ستارت الجديدة على أساس متجدد مشروط بقبول موسكو لشرطين.

أولًا: ستوافق موسكو على البدء فورًا في مفاوضات جديّة للتوصل لمعاهدة جديدة تشمل جميع الأسلحة النووية الأمريكية والروسية بغض النظر عن مدى هذه الأسلحة، وستحل هذه المعاهدة محل معاهدة "ستارت الجديدة". هناك منهج يمكن اتباعه في هذا المضمار يتمثل في وضع حدّ شامل على المخزون النووي لكل طرف، فضلًا عن وضع حدّ أقصى فرعي على عدد الأسلحة النووية العابرة للقارات بجميع أنواعها.

ثانيًا: لتجنب مماطلة روسيا، ستحتفظ الولايات المتحدة بالحق كل عام بأن تجعل مواصلة التزامها بمعاهدة "ستارت الجديدة" مشروطًا بالتقدم المحرز- أو غيابه – على مائدة المفاوضات في العام الماضي.
يشكك البعض في أن تقبل روسيا بهذه الشروط. لكن الحكومة الروسية تبدو قلقة من أن تسمح إدارة ترامب بانقضاء أجل معاهدة ستارت الجديدة، ولا يكاد يمر يوم من دون صدور بيان – هدفه التأثير على الرأي العام الغربي – من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته "سيرغي لافروف" أو مسئول روسي رفيع آخر بشأن مخاطر انقضاء أجل المعاهدة، واستعداد روسيا لتمديدها.
تدرك الحكومة الروسية جيدًا أيضًا أن برنامج الولايات المتحدة للتحديث الاستراتيجي، سيبدأ في النهاية في إنتاج أسلحة جديدة في الأعوام القليلة المقبلة، وهي قلقة من أن خطوط الإنتاج المفتوحة الجديدة هذه، في حال لم تُوضع قيود عليها، يمكن أن تُنتج أسلحة نووية أمريكية متفوقة عدديًّا في العقود المقبلة. عندما تحدث الرئيس ترامب مع الرئيس بوتين يوم الأحد، قيل إن الرئيسين ناقشا "الجهود المستقبلية لدعم نظام فعّال للحدّ من الأسلحة النووية". إن موسكو لديها مصلحة في التعامل بجديّة مع المقترح.

وهناك مَن يجادلون بأن الولايات المتحدة ينبغي أن تلغي معاهدة ستارت الجديدة في عام 2021 واستبدالها بمعاهدة جديدة مع روسيا. لكن هناك جوانب سلبية لهذا النهج. أولاً، هناك خطر كبير بأن يستخدم الروس – مع انقضاء أجل معاهدة ستارت الجديدة – خطوط إنتاجهم النشطة لإنتاج صاروخين جديدين يمكن نصبهما على عربات متحركة، بالإضافة إلى صاروخ باليستي ثقيل عابر للقارات لتعزيز مخزونهم من الصواريخ الباليسيتة العابرة للقارات، كل هذا بينما لم تبدأ الولايات المتحدة بعد في إنتاج جيل جديد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
هناك أيضًا حقيقة مفادها أنه في الماضي أصرّ الروس على أن أي مفاوضات جديدة يجب أن تشمل الصين وبريطانيا وفرنسا؛ ما سيؤدي بالتأكيد لإبطاء أي مفاوضات للتوصل لمعاهدة جديدة، أو حتى جعل إمكانية التوصل لاتفاق نهائي أمرًا مستحيلاً. أخيرًا، لم توافق روسيا بعد على وجوب إدارج أسلحتها الجديدة في أي مفاوضات جديدة. نتيجة لهذا، فإن محاولة الاستفادة من اهتمام الروس بتمديد أجل معاهدة ستارت الجديدة، ربما يكون أفضل للولايات المتحدة من السماح بانقضاء أجل هذه المعاهدة.
هناك نهج بديل طرحه البعض، من بينهم ترامب، يقترح بأن تلغي الولايات المتحدة معاهدة ستارت الجديدة، وتسعى عوضًا عن هذا لعقد معاهدة جديدة تضم الصين والولايات المتحدة وروسيا. لكن احتمالات التوصل لمعاهدة ثلاثية للحدّ من السلاح النووي ضئيلة نسبيًّا. إن قوات الصين النووية أصغر كثيرًا من قوات الولايات المتحدة وروسيا، كما أن موسكو وواشنطن سينظران بارتياب لأي اتفاق يضع الصين على قدم المساواة معهما. هذا قد يدفع الصين للتعبير عن رفضها التقليدي لـ "المعاهدات غير المتساوية". كما أنه من غير المرجح أن تقبل الصين، التي تتحاشى دائمًا الشفافية، خضوعها لعمليات تحقق اقتحامية. كل هذا طبعًا يُضاف إلى الصعوبات المتأصلة التي تعرقل التوصل لاتفاق ثلاثي متفاوض عليه بين ثلاث دول. نتيجة لهذا، فإن أي اتفاق ثلاثي لا ينبغي أن يقف في طريق الهدف الأكثر إلحاحًا المتمثل في وضع قيود على أسلحة روسيا النووية كافة.
كل ما يمكن قوله في هذا الصدد أنه ينبغي على الولايات المتحدة وروسيا السعي لضم الصين في محادثات الحدّ من السلاح في مرحلة ما. وبالرغم من المحاولات الدؤوبة خلال حكم ثلاث إدارات سابقة لتعميق الحوار والشفافية فيما يتعلق بالأسلحة النووية، يظل نهج الصين غامضًا بصورة كبيرة، وهذا أمر مقلق لموسكو ولواشنطن أيضًا.
ما نعرفه هو أن الصين، مدفوعة بتطوراتها التكنولوجية وظهور منافسين إقليميين لها، مثل الهند، بدأت برنامج تحديث نوويًّا كميًّا ونوعيًّا، يشمل نشر صواريخ باليستية عابرة للقارات جديدة منصوبة على عربات متحركة، وصواريخ باليسيتية تُطلق من غواصات، وصواريخ كروز تُطلق من الجو. إن ظهور هذه الأنظمة الجديدة يدفع الصين لإعادة التفكير في استراتيجيتها التقليدية القائمة على مبدأ الحد الأدنى من الردع. ولو سُمح للصين بمواصلة تعزيز قدراتها النووية من دون مراقبة، فإن هذا قد يقوّض من ضمانات الردع الموسّعة التي تعهّدت بها الولايات المتحدة لحلفائها في آسيا، من بينها اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلاندا. 

ما الذي قد يجعل هذه المفاوضات المتعددة الأطراف أمرًا يسهل التفكير فيه في المستقبل؟ هناك خطوة أولى جيدة يمكن اتخاذها تتمثل في إصدار الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين لبيان مُلزم سياسيًّا – أي غير قابل للتحقق منه – تعلن فيه كل دولة على حدة حجم مخزونها النووي، والتزامها بتجميد مخزوناتها النووية عند هذاالمستوى لفترة محددة من الزمن.

نحن على أعتاب عصر من منافسات القوى العظمى، تسعى فيه جميع القوى النووية العظمى لتحديث ترسانتها، وتضفي فيه القدرات العسكرية الجديدة المزيد من التعقيد على منافسة متعددة الأقطاب غير مسبوقة بالفعل لإنتاج أسلحة نووية. ولمواجهة هذا التحدي، سيكون من الضروري تبنّي نُهج جديدة والتخلي عن نُهج الحرب الباردة للحدّ من السلاح النووي.  

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا