بين أوروبا وأمريكا.. هكذا أسهم الساسة في نشر “كورونا”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

السياسة.. لم تكن نعمة للشعوب بقدر ما كانت لعنة تطاردهم، لا تدخل في شيء إلا أفسدته ولا تدخل بين الجماعات أو الدول إلا فرقتهم وقسمتهم إلى أحزاب وفرق متشاحنة من أجل السلطة والنفوذ.. لكن في ظل تفشي وباء عالمي مثل “كورونا” هناك حاجة لتوحيد جهود الدول والشعوب معا، ويصعب تصديق أن الخلافات السياسية أسهمت في نشر هذا العدو الخفي لا الحد منه.. لكن هذا حدث بالفعل.

في غضون 20 يوما فقط، من تاريخ إعلان الحكومة الإيطالية في الـ30 من يناير الماضي عن تعليق الرحلات من وإلى الصين باعتبارها بؤرة ظهور الفيروس التاجي، قفزت حالات الإصابة في منارة المرح الأوروبي والموضة العالمية من حالة واحدة إلى أكثر من 12 ألف حالة، لتصبح ثاني بلد تسجل أكبر عدد من الإصابات والوفيات بكورونا بعد الصين!

الاستغلال السياسي الوباء الحقيقي

تحولت رمز الموضة والتسلية إلى الأولى أوروبيًّا من حيث انتشار فيروس كورونا، بتسجيلها أكثر من 14500 إصابة بالمرض، ونحو 3 آلاف حالة وفاة، وبالأمس فقط توفي أكثر من 475 شخصا، وسط انهيار تام لمنظومة الصحة، نتيجة نقص في غرف العناية المركزة المخصصة لاحتجاز المصابين في مراحل المرض المتقدمة.

إيطاليا لديها تاريخ طويل مع الصراع على السلطة والحكومات غير المتجانسة وغير المستقرة، وجاءت أزمة كورونا لتبرز هذا الأمر بوضوح، إذ تحولت إلى مادة للتراشق بين سياسي اليمين واليسار وحتى رئيس الحكومة نفسه وحكام الولايات استغلوا الأزمة لأغراض سياسية.

رغم إعلانها حالة الطوارئ لمدة 6 أشهر في نهاية يناير، إلا أن الثقة الزائدة لجوزيبي كونتي بأن حكومته اتخذت إجراءات صارمة للغاية لمواجهة خطر “كورونا”، دفعته لمنح استثناءات بعد إغلاق حدود المقاطعات لبعض الحالات التي يتوجب خروجها أو تنقلها للضرورة، ما جعل تنفيذ قرار الإغلاق دون جدوى نسبيا.

 ورغم هذا، خرجت التيارات المعارضة للحكومة لتنتقد القرار وتقلل من خطورة الموقف، على سبيل المثال النائب فيتوريو سجرابي “يمين وسط” شن حملة مكثفة ضد إجراءات الحكومة، وقال في تغريدات مطلع مارس: الموت هو الجوع وليس الفيروس، إجراءات الحكومة تعطيل للديمقراطية، أشك في الحكومة، لاحقا تراجع عن هذه التصريحات، لكن بعد فوات الآوان، حيث أسهمت حملته بحسب وسائل إعلام محلية في عدم تقيُّد الكثير من أتباع حزبه بالتدابير الصحية سواء المعلن عنها من قبل الحكومة أو التي انخرط الخبراء في تقديمها.

لكن قبل ذلك تهاونت الحكومة في تقدير حجم خطورة “كورونا”، فعندما طُلب منها في 20 يناير حجر العائدين من الصين رفضت، لأن الدعوة جاءت من خصم كونتي اليمني ماثيو سالفيني والذي لم يقصر بدوره واستغل الأزمة للترويج لسياساته المعادية للمهاجرين.

استمرارًا لمسلسل التسيس، قام رئيس  الحكومة بصب غضبه على حكام مقاطعات الشمال بعد اكتشاف أول حالة في 25 فبراير فيها، وزعم وجود حالة فوضى في مستشفياتهم، الأمر الذي ثبت عدم صحته وأن هدف كونتي كان تشويه سمعة خصومه السياسيين، بحسب “فورين بوليسي”.

 حكام الشمال ليسوا ملائكة.. حاكم لومبارد قلل – أمام البرلمان – من خطورة كورونا، وفي 26 فبراير قرر تخفيض قيود الحركة بالمقاطعة عقب ثلاثة أيام فقط من بداية تطبيقها، ولم تمر ساعات حتى أكد إصابة أحد مساعديه بالفيروس.

في ميلانوا، كسر زعيم الحزب الديمقراطي “يسار الوسط” نيكولا زينجاريتي قيود الحركة بالمقاطعة وظهر يتناول الطعام في مكان عام، داعيًا المواطنين لتجنب تدمير الحياة وبث الذعر، وبعدها بأيام أعلن إصابته بـ”كورونا”.

 التراشق السياسي جعل الأمور تتدهور للأسوأ في إيطاليا، لكن أيضًا كونها تمتع بأطول متوسط للعمر بين سكان العالم، وأكثر من ربع سكانها يتراوح عمرهم ما بين 65 عاما فما فوق، رفع من معدلات الإصابة والوفاة لديها باعتبار هذه الفئة العمرية الأكثر تضررا من الفيروس.

تقصير وتسييس أمريكي

حتى اللحظة تم تأكيد إصابة 9345، توفي منهم 150 شخصًا في أمريكا.. في بداية الأزمة هون الرئيس دونالد ترامب من الأزمة وقال في تغريدات مطلع مارس: ما يقارب 37 ألف حالة وفاة وقعت العام الماضي بسبب الإنفلونزا الموسمية، لا شيء سيغلق، الحياة والاقتصاد مستمران، حاليا هناك ٥٤٦ إصابة بكورونا و٢٢ حالة وفاة فكروا بالأمر.

في العاشر من مارس، أصبح هو نفسه معرضًا للإصابة بالمرض لمخالطته عائدين من الخارج، لكن الفحوصات أثبتت عدم إصابته، وبعد هذا التاريخ بدأت إدارته التحرك لاحتواء الأزمة، وعجلت من خطواتها أخيرا مع تفشي الوباء في نيويورك وتأكد إصابة أعضاء بالكونجرس والبنتاجون.

قبل هذا التاريخ بأيام، اتهم ترامب الديمقراطيين وبعض وسائل الإعلام بإثارة “الهلع” بشأن كورونا والتأثير سلبا على الأسواق، معروف أن الرئيس يركز في حملته الانتخابية لسباق 2020 الرئاسي على مكاسب الاقتصاد الأمريكي في عهده وتحديدا أسواق الأسهم.

زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر في نهاية فبراير، انتقد بشدة إدارة ترامب، قائلا: إن استجابتها حتى الآن محدودة للغاية، وكان وقتها الرئيس يتباهي خلال زيارته إلى الهند بأن الأمور جميعها تحت السيطرة.

فيما وصفت نانسي بوليسي رئيس مجلس النواب، تعامل إدارة ترامب مع الأزمة بـ”المعيب” وغير المقبول.

كما انتقد المرشحان المحتملان للرئاسة النائب بيرني ساندرز ونائب الرئيس السابق جو بايدن خلال مناظراتهم الحزبية على مدى الأسابيع الماضية، البيت الأبيض وافتقاده لخطة واضحة في مواجهة جائحة كورونا.

تسيس الأزمة تجاوز حدود أمريكا، ترامب لم يدع الفرصة ليسدد ضربة جديدة لمنافسته الاقتصادية “الصين”، وأطلق على “كورونا” مصطلح الفيروس الصيني، معتبرا أنه محق في ذلك باعتبار الصين هي بؤرة انتشاء المرض، لكن هذا أغضب بكين كثيرا.

 بكين التي قال المتحدث باسم خارجيتها تشاو لي جيان الأسبوع الماضي: إن الجيش الأمريكي ربما جلب كورونا إلى “ووهان”..  الولايات المتحدة تدين لنا بتفسير.

وبعدها انخرط المسؤولون في البلدين في حرب كلامية، وسعى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لتحميل الصين مسؤولية تفشّي الوباء، أطلق عليه مسمى “فيروس ووهان”.

جونسون في مرمى الجميع

بالأمس فقط سجلت بريطانيا 104 حالات وفاة بـ”كورونا”، وتجاوزت الإصابات الـ1140 حالة، وسط تراخي حكومة بوريس جونسون في تطبيق قيود السفر والحركة، فحتى اللحظة لم تغلق المدارس والجامعات ومراكز الرياضة والمطاعم في المملكة المتحدة!

جونسون اكتفى في البداية بدعوة المواطنين للحفاظ على استمرار الحياة اليومية والهدوء عند ظهور أعراض المرض والتزام المنزل، لكنه سرعان ما اعترف بأن استراتيجيته لبناء حصانة ذاتية عبر السماح للفيروس بالانتشار كانت خاطئة.

 كان جونسون يعتقد أن المملكة إذا تمكنت من تأخير “ذروة” الفيروس لبضعة أسابيع، فسيكون نظام الصحة لديها في وضع أفضل للتعامل معه، لكن هذه الاستراتيجية عرضته لانتقادات واسعة من أوساط المجتمع والصحافة وبالطبع الخصوم السياسيين.

زعيم حزب العمال جيريمي كوربين انتقد الحكومة لكونها “راضية” عن طريقة تعاملها مع “كورونا”، وأكد أن المملكة تواجه الأزمة بخدمات عامة “منهارة”، بعد سنوات من سياسة التخفيض التي اتبعها المحافظون.

وفي الوقت الذي نشرت فيه “الغارديان” وثائق مسربة لوزارة الصحة ترجح فيها انتشار الفيروس حتى ربيع العام المقبل، كما ترجح إصابة حوالي ثمانية ملايين شخص، ووفاة نصف مليون شخص، ما زالت الحكومة تركز على الفئات العمرية الأكبر سنا وتنصحهم بالعزل المنزلي، وتقصر فحص كورونا على الحالات التي تدهورت صحيا بعد تجاوزها مرحلة الأعراض الأولية للمرض والعزل المنزلي التطوعي!

 مساء اليوم، ينتظر أن تعلن الحكومة عن سلسلة إجراءات عاجلة للحد من انتشار المرض كإغلاق لندن، وسن قوانين طوارئ لحظر التجمعات وإغلاق المدارس والجامعات وتعليق كافة أنواع الفعاليات الرياضية والاجتماعية رسميا.

المشكلة هي إنكار الأزمة..  فبعد إعلان الصين عن رصد أول إصابة في نهاية العام الماضي، كان يتوجب على دول العالم التعامل بحذر أكبر مع الأزمة والتحرك بسرعة كافية لاتخاذ ما يلزم من التدابير الوقائية، إلا أن هذا لم يحدث والغالبية العظمى انتظرت إلى أن بدأت المشكلة لتتعامل معها، بينما حذرت منظمة الصحة العالمية من طبيعة الفيروس التاجي كعدو خفي يصعب رصده قبل انتشاره.

ربما يعجبك أيضا