بين نهاية الإرهاب والمعضلة الأمنية في العلاقات الدولية.. جولة في أبرز المراكز البحثية

علاء بريك

ما زالت المراكز البحثية تصب اهتمامها على الحرب الروسية الأوكرانية التي باتت أخبارها زادًا يوميًّا معتادًا وينشغل الكتاب في تفسير أسبابها.

وفرضت التوترات الأخير بشأن تايوان بين أمريكا والصين نفسها على ساحة الأخبار، كذلك إعلان الرئيس جو بايدن مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، فهل انتهت حقبة مكافحة الإرهاب وكيف يمكن تفسير تزايد التوترات الأمنية على الساحة الدولية؟

روسيا والمعضلة الأمنية

يوظِّف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفرد، ستيفن والت، في مادته المنشورة على صفحات “فورن بوليسي“، يوم الثلاثاء 26 يوليو 2022، مفهوم “المعضلة الأمنية” الشائع في نظريات العلاقات الدولية ليتحدث عن مخاوف روسيا من توسع حلف الناتو.

وأوضح الكاتب أن دول أوروبا الشرقية تسعى للانضمام إلى الحلف لتعزيز أمنها، لكنها بالمقابل تهدد أمن روسيا، ما يدفع الأخيرة إلى ارتكاب أمور مرفوضة تهدد أمن الدول الأخرى.. وهكذا دواليك، مشيرًا إلى أن هذه المعضلة تعمل على صعيد علاقات دول أخرى، مثل علاقة إيران والولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول الشرق الأوسط.

وأشار إلى حالة الصين، التي قال إن إقدامها على تغيير بعض قواعد النظام الدولي لتعزيز أمنها يهدد أمن جيرانها، وردًا على هذا تحالف تلك الدول مع بعضها سياسيًّا وعمقت علاقاتها مع واشنطن من أجل ردع التهديد الصيني.

كيف ساهمت الولايات المتحدة في اندلاع الحرب؟

أوضح والت في تقريره أن تعامل دولة ما مع مشكلة أمنية يعزز مخاوف أمنية عند الأطراف الأخرى، وفي الوقت نفسه يرى كل جانب أنه يسلك مسلكًا دفاعيًا، وليس عدوانيًّا، ويصف الآخر بأنه “البادئ بالاستفزاز”، مشددًا على أن عجز قادة الدول عن استيعاب مفهوم المعضلة الأمنية يعطل اختيار السياسات المناسبة لتخفيف الاحتقان.

ويرى الكاتب أن ما دفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى حرب مكلفة ومطولة في أوكرانيا كان إغراق إدارتي ترامب وبايدن لأوكرانيا بالأسلحة، ما عزز المخاوف الأمنية الروسية، ويضيف “حتى لو كان من المنطقي مساعدة أوكرانيا على تحسين قدرتها الدفاعية، فإن فعل ذلك دون طمأنة موسكو مهّد الطريق إلى الحرب”.

بيلوسي والأزمة غير الضرورية

جمعت “فورن بوليسي” على صفحاتها، في 29 يوليو 2022، الباحثة الزائرة في معهد المجلس الأطلنطي، إيما أشفورد، ونائب مدير مركز سكوكروفت للاستراتيجيات والأمن، ماثيو كروينج، لمناقشة العلاقات الأمريكية الصينية من منظار الزيارة المرتقبة لرئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إلى تايوان.

وترى أشفورد أن هذه الزيارة خلقت أزمة غير ضرورية، قائلة إنه كان على بيلوسي إبقاء مخططاتها طي الكتمان وإجراء زيارتها فجأةً على غرار ما فعل رئيس الوزراء البريطاني في كييف، وأضحت أن إعلان الزيارة وضع الإدارة الأمريكية في طريق لا يمكن التراجع عنه، لأن ذلك قد يعني إظهار الضعف أمام الصين.

المشكلة الكبرى بنظر أشفورد، تتمثل في أن زيارة بيلوسي لا يمكن النظر إليها بمعزل عن باقي السياسة الأمريكية الصينية، موضحة أن إدارة بايدن أبقت معظم التعريفات التجارية على الصين من عهد ترامب على حالها، وأخطأ بايدن مرارًا وتكرارًا في دعمه لتايوان بطريقة توحي بأنه لم يعد يدعم سياسة الغموض الاستراتيجي.

الصين بين الإدارة الأمريكية والكونجرس

من جانبه، رأى الخبير الاستراتيجي، ماثيو كروينج، أن الإدارة الأمريكية تريد نظامًا دوليًّا حرًا ومفتوحًا، ولكن المشكلة مع هذا الأمر تبرز عندما لا تريد دولة ما هذا النظام، وتكون كلفة ردعها مرتفعة.

وأوضح أن حالة تايوان تقدم إجابة نموذجية، فهذا البلد صار جزءًا من الاقتصاد العالمي ويتمتع بترتيبات سياسية يختارها بحرية، وهنا على الولايات المتحدة تسليحها للدفاع عن نفسها، بلكن في المقابل لا يجب على تايوان المجاهرة بأنها دولة.

ويضيف كروينج أن هذا الحل يلبي في الغالب المصالح الصينية والأمريكية والتايوانية، ولكن يبدو أن الكونجرس يرغب بالتحول عن هذا الموقف، وربما على الضد من رغبات إدارة بايدن.، مشيرًا إلى أن هذا التباين بين موقف الإدارة والكونجرس قد يخلق معضلة أمنية تقود التوترات الأمريكية الصينية إلى أسوأ.

روسيا والعزلة المزعومة

جذبت جولة وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في إفريقيا انتباه وسائل الإعلام، وبينت أن عزلة روسيا محدودة وأنه إذا أقفلت أوروبا الغربية أبوابها أمامه، فإن في إفريقيا من يمد السجادة الحمراء لاستقباله، بحسب الباحثة المتخصصة في الدراسات الإفريقية بمعهد العلاقات الخارجية، ميتشيل جافِن.

وتأتي هذه الزيارة عقب إعلان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، موعد قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا في ديسمبر المقبل في واشنطن، التي ستسعى الولايات المتحدة عبرها إلى تعزيز روابطها الاقتصادية مع القارة السمراء وإرساء السلم والأمن فيها. وفضلًا عن هذا، فإن نشاط المسؤولين الأمريكيين واضح بجلاء في القارة.

وتوصي جافن الإدارة الأمريكية إذا أرادت تحقيق تقدم إيجابي في علاقاتها مع القارة السمراء بتجنب تأطير علاقاتها ضمن إطار الحرب بالوكالة، أو تنافس القوى الكبرى، بل تنصح بتأطيرها وفق المصالح المشتركة والمستقبل الإفريقي ذاته.

أما التوصية الثانية، فأشارت إلى تجنب الإغراق في وهم أن الزيارات الرفيعة المستوى وحزم المساعدات تكفي لنسيان سنوات من التهميش الأمريكي للقارة، مششدة على أن الأمر يتطلب جهودًا مستدامة واستراتيجية شاملة تناسب مصالح واشنطن والقارة معًا.

نهاية الظواهري.. نهاية حقبة؟

رصد تقرير جماعي ردود أفعال خبراء المجلس الأطلسي على اغتيال زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، فقال مدير معهد رفيق الحريري التابع للمجلس، وليام ويشسلر، إن اغتيال الظواهري يمثل إنجازًا كبيرًا لإدارة بايدن، لا سيّما بعد قرارها الانسحاب من أفغانستان.

وتوقع ويشسلر أن سشهد التنظيم بعد خسارته زعيمه فترة من الاضطراب الداخلي تخدم الهدف الأمريكي الاستراتيجي المتمثل بتفكيك التنظيم. في حين حذر المدير التنفيذي لمتحف التجسس الدولي، كريستوفر كوستا، من التوقف عند هذا النجاح.

وطالب كوستا الحكومة الأمريكية بالمضي في سياسة مكافحة الإرهاب بناءً على هذا النجاح، وحشد الموارد اللازمة لمحاربة إعادة الظهور الجهادي في أفغانستان، مشددًا في الوقت نفسه على أن المؤشرات تشي بأن الحكومة تعي هذا وتعي ضرورته بالنظر إلى فرصة تزايد التهديد الجهادي بعد الانسحاب الأمريكي.

أما الباحث غير المقيم في المجلس الأطلسي، توماس واريك، فحذر من الاستعجال في استخلاص النتائج وبناء التحليلات عن عملية الاغتيال قبل ظهور المعلومات الكافية، ولكنه أدلى بالمقابل باستنتاج واحد وصفه بالأكيد مؤداه أن الغارة الأخيرة ليست آخر غارة في عملية مكافحة الإرهاب، وليست نهاية الظواهري نهاية الإرهاب، مثلما لم تكن نهاية ابن لادن نهايةً له.

ربما يعجبك أيضا