تاريخ مُعقد.. لماذا من الصعب على أوكرانيا استعادة القرم؟

محمد النحاس

يحذر الكاتب الأمريكي، نيكولاي بيترو، من إشعال دائرة جديدة من العنف إذا ما حاولت أوكرانيا استعادة شبه جزيرة القرم.. لماذا؟


تعالت أصوات تنادي باستعادة سيادة الأوكرانية على شبه جزيرة القرم، على أثر انتصارات كييف الأخيرة في الحرب الروسية الأوكرانية.

ويُنظر إلى شبه جزيرة القرم على أنها أرض أوكرانية، سيطر عليها الروس عنوةً عام 2014، ما واجه رفضًا واستهجانًا دوليين، إلا أنّ تاريخ القرم مليء بالتعيقدات، التي تصعّب الاستعادة المرجوة.. فما الذي يخبرنا به التاريخ؟

حكم ذاتي

ذكر أستاذ السياسة بجامعة رود آيلاند، نيكولاي بيترو، أنه في عام 1954، أهدى الاتحاد السوفيتي إلى جمهورية أوكرانيا الاشتراكية شبه جزيرة القرم، على اعتبارها “هدية مقدمة للشعب الأوكراني”، وفي عام 1991، عندما بدأ تفكك الاتحاد، قررت الحكومة الإقليمية بشبه الجزيرة إجراء استفتاء لاستعادة الحكم الذاتي.

وحسب مقال بيترو، الذي نشرته مجلة “ريسبونسبل ستيتكرافت”، الجمعة الماضي 25 نوفمبر 2022، جاءت نتيجة الاستفتاء بتأييد الحكم الذاتي بـ93%، بمشاركة  قرابة 84% من إجمالي الناخبين.

ورغم اعتراف كييف بتلك النتيجة، شددت على أن تمتع القرم بالحكم الذاتي يأتي في سياق “السيادة الأوكرانية”، لكن هذا الاستفتاء فتح الباب أمام إمكانية استقلال القرم.

تفسيرات مختلفة

يرى الكاتب بيترو، الذي عمل سابقًا مساعدًا خاصًا لوزير الخارجية الأمريكي، أن كلا الجانبين كان له “تفسيرات مختلفة” لنتيجة الاستفتاء، فعلى الرغم من إقرار الأوكرانيون بنتائجه، أرادوا شكلاً ضعيفًا من أشكال الحكم الذاتي، تهيمن فيها الثقافة الأوكرانية على مناحي الحياة، وعلى النقيض رغبت إدارة الإقليم في “السيادة الكاملة”.

ويضيف أنه على أثر هذه الخلافات، أجرت إدارة القرم استفتاء جديدًا عام 1992، وأعلن برلمان شبه الجزيرة “الاستقلال التام عن أوكرانيا”، في حين أن برلمان كييف أعلن عدم شرعية الاستفتاء، معطيًا الرئيس “كل الصلاحيات لإجهاض الخطوة أحادية الجانب”.

وبعد أسبوعين من جمود المشهد السياسي، تراجع برلمان القرم عن الاستقلال، في مقابل حق إجراء الاستفتاءات داخل القرم محليًّا، والاعتراف الأوكراني بمنصبي الرئيس ورئيس الوزراء لشبه الجزيرة.

محاولة جديدة

يقول بيترو إنه رغم إجهاض محاولة الاستقلال، ظلت جذور الأزمة دون حل، وظل جزءٌ كبير من سكان شبه الجزيرة يعتقد أنها تابعة لروسيا، وليس أوكرانيا، ما أعاد ظهور النزاع من جديد بعد انتخابات 1994، التي فاز بها حزب “الكتلة الروسية” بقيادة يوري ميشكوف، بعد طرحه برنامجًا يدعو لإعادة الاتحاد مع روسيا.

لكن كييف أرسلت قوات خاصة بالتنسيق مع موسكو، وأجهضت مخطط حكومة ميشكوف، الذي ألقي القُبض عليه وجرى ترحيله إلى روسيا، وكذلك ألغت أوكانيا منصب رئيس القرم، وبعد 3 سنوات، مررت دستورًا جديدًا أقر بأن شبه الجزيرة “أرض أوكرانية”، وأن اللغة الأوكرانية “اللغة الرسمية والوحيدة”.

الأرقام تتحدث

على الرغم من أن نتائج استفتاء 2014 لاقت تشكيكًا واسعًا، بسبب الظروف المحيطة بها، اعتبر الكاتب الأمريكي الموافقة الكاسحة على الضم الروسي ليست مفاجأة، موضحًا أنه من بين 30 استطلاعًا أجريت بين عامي 1994 إلى 2016، جاءت نتائج 25 منها مؤيدة للانضمام إلى روسيا بنسبة 70%.

واعترفت عالمة الاجتماع البارزة بشبه الجزيرة، ناتليا كيسيلوفيا، أن أكثر من 50% من سكان القرم كانوا “يتوقون إلى روسيا”، ليس هذا فحسب، بل يعتقد أكثر سكان شبه الجزيرة أن استفتاء 2014 كان نزيهًا وعادلًا. وأشار بيترو إلى عدة استطلاعات أجرتها مراكز بحثية غربية جاءت نتائجها متوافقة مع ما سلف.

تحول لافت

نوّه نيكولاي بيترو، في مقاله، بما وصفه بالتحول اللافت للانتباه، بموقف تتار القرم، وهي عرقية ذات أغلبية مسلمة، مشيرًا إلى ارتفاع نسبة التتار الذين يعتقدون أنهم أحسن حالًا وهم جزء من روسيا، من 50% عام 2014، إلى 81% عام 2019، حسب ما جاء في تقرير لمجلة الشؤون الخارحية الأمريكية عام 2020.

ويعزو المحلل السياسي الأمريكي السبب في ذالك إلى ما قال إنه “نهج براجمتي” تبنته روسيا، عبر الاعتراف بلغة التتار لغةً رسمية، وبناء 150 مسجدًا، بعدما كانت السياسة الأوكرانية تُهمّش الأقلية العرقية، وتفرض الهوية الأوكرانية قسريًّا.

تغذية النزاع

يعتقد بيترو أن سياسة كييف عملت على تغذية منابع النزاع عبر الفرض القسري للهوية الأوكرانية، ما أسهم في تفتيت الدولة، في ظل شعور الأقليات بالتهميش، ويشير إلى ضرورة اعتراف القادة الأوكرانيين بهذا الدور، محذرًا من إشعال دائرة جديدة من العنف، إذا ما حاولت كييف استعادة شبه الجزيرة.

ويتفق مع هذا الرأي، أول رئيس لأوكرانيا، ليونيد كرافتشوك، في تصريح أطلقه عام 2019 ونقله المقال، شدد فيه على أن أزمة شبه جزيرة القرم تُغذيها سنوات من محاولة فرض “أيدولوجيا غرب أوكرانيا” على بقية المناطق.

ويرى أصحاب هذه الأيديولوجيا أن تصوراتهم هي الأفضل لأبناء الشعب، في حين أن كثيرًا من الأوكرانيين بمناطق أخرى يتبنى أيدولوجيات مغايرة.

ربما يعجبك أيضا