تحولات موازين القوى.. كيف يسهم غاز شرق المتوسط في الصراع الإقليمي؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

جاءت اكتشافات شرق المتوسط منذ بروز حقل تمار الإسرائيلي 2009، لتزيد من حدة التنافس والصراع بين الدول بمنطقة الشرق الأوسط، ولا سيما الدول المتشاطئة على هذا الجرف. وسعى كل طرف لاكتساب أكبر قدر  من حصته البترولية خاصة في ظل غياب اتفاقيات ترسيم الحدود بين الدول.

قدرت وحدة المسح الجيولوجي الأميركية عام 2010 احتمال وجود ما يقرب من 122 تريليون م3 من مصادر الغاز غير المكتشفة في حوض شرق المتوسط، بالإضافة إلى ما يقارب 107 مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج، الأمر الذي وٌضع محل تنافس بين أطراف الحوض، ومنافسة بين شركات التنقيب الكبري، وميزة تنافسية أٌضيقت للموقع الجيواستراتيجي للمنطقة، بسبب قربها من القارة الأوروبية، واحتمالية اعتبار تلك الاكتشافات مصدر رئيسي لاحتياجات أوروبا من الطاقة.

مسار العلاقات

ناهيك عن أن تلك الاكتشافات وقعت بين دول مستوردة لمصادر الطاقة، ولذا فإن التكالب على استخراجها أمرًا متوقعًا لسد احتياجات كل دولة، و تصدير الفائض إلى الخارج. ومن المعلوم أن عدد من الدول المتشاطئة تعاني عجزًا اقتصاديًا مثل لبنان ومصر وسوريا، ولذا فأن تلك الاكتشافات ستكون طوق نجاة لها من مضاعفات التأزم الاقتصادي، وفجوات الميزان التجاري، كما سيكون له مزايا استراتيجية قد يحول المنطقة لنسخة أخرى من منطقة الخليج العربي المعروفة باحتياطاتها الضخمة من النفط والغاز.

اتخذت مسار العلاقات بين الدول منحنى صراعيًا للاختلاف حول ترسيم الحدود بينها، فمن ناحية نجد نزاعًا حدوديًا بين إسرائيل ولبنان والضفة الغربية، وآخر بين تركيا وقبرص حول أحقية قبرص التركية (المعترف بها من جانب تركيا فقط) وحقها في استخراج الغاز القبرصي. وتم تزكية هذا الصراع السعي نحو الهيمنة من الدول الإقليمية، لأن كل طرف يعلم جيدًا أن امتلاك ذلك السلاح سيمكنه من تحقيق انتصارًا اقتصاديًا وبلوغ  الهيمنة الإقليمية.

سوق غاز إقليمي

سرعان ما أوجدت الاكتشافات عزيمة للتحالف والاتفاق بين دول المتوسط والسير في مسار التعاون، والتقليل من حدة النزاعات الحدودية، والعمل في إطار مشترك للتحول لمركز طاقوي إقليمي، ولذا سعت الدول لإنشاء “منتدى شرق المتوسط”، مقره القاهرة، لتعزيز التعاون بين الدول، وإنشاء منظمة إقليمية  تراعي مصالح الأعضاء.

شمل المنتدى سبع دول مؤسسة هي إيطاليا، واليونان، وقبرص، والأردن، وإسرائيل، وفلسطين، أضافة إلى مصر. ككما فتحت العضوية لمن يرغب في الانضمام شريطة الالتزام بمبادئ وبنود المنظمة.

وتسعى المنظمة للتحول لسوق إقليمي يخدم أوروبا في احتياجتها من الغاز الطبيعي، ومد خطوط أنابيب تبدأها من الشواطئ المصرية مرورًا بقبرص واليونان ومنها إلى أوروبا، وذلك بعد إسالته ف معامل مصرية. وبرغم من أن ذلك المنتدى سيعود بالنفع على الأعضاء إلى أنه يقابله عدة تحديات تتمثل في الدول الأخرى المتشاطئة والتي لديها تحفظاتها بشأن ترسيم الحدود.

التكالب الإقليمي 

لم يعرف حوض شرق المتوسط أية اتفاقيات لترسيم الحدود بين أعضائه قبل بروز الاكتشافات على السطح، الأمر الذي عزز من الخلافات بين الدول، وبرغم الاتفاق على ترسيم الحدود، مصر وإسرائيل وقبرص واليونان، إلا أن عددًا آخر لم يعترف بتلك الاتفاقيات، ما يمثل أكبر تحد لنجاح منتدى شرق المتوسط، ومن المحتمل أن تصاحب تلك النزاعات الحدودية تحول في منحنى الصراع، وقد يصل إلى الحرب على الغاز ومصادر الطاقة.

عدة خلافات حدودية معقدة؛ فهناك خلاف بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، وخلاف آخر بين الأخير وقطاع غزة، بجانب ذلك هناك الخلاف الحدودي الأكبر بين تركيا من ناحية وقبرص من ناحية أخرى، بسبب الخلاف حول المناطق الاقتصادية التابعة لقبرص اليونانية والجانب الآخر التابع لتركيا، إذ إن تركيا هي الوحيدة التي تعترف بقبرص التركية، ومن ثم تمنع التنقيب على النفط في المناطق التي تزعم تبعيتها للجانب القبرصي التركي.

علاوة على ذلك، فهناك الخلاف السياسي بين مصر وتركيا إبان ثورة 30 يونيو في مصر، والتي اتخذت معها أنقرة مسار خلافي مع القاهرة بسبب دعمها لجماعة الإخوان الإرهابية، وتعززت تلك الخلافات إبان اكتشاف حقل ظهر 2015، وشرعت بعدها في إنشاء سوق إقليمي عبر منتدى شرق المتوسط. ويختلف الدولتان حول ممر أنابيب الغاز إلى أوروبا، إذ إن تركيا أرادت أن تمر عبر أراضيها الخطوط إلى أوروبا، مما يمنعها من حيازة مكاسب اقتصادية وأخرى سياسية (ثقل دولي وورقة ضغط على أوروبا) أما عن مصر، فحازت عبر منتدى المتوسط، تصدير الغاز إلى أوروبا بعد إسالته ليمر منها إلى قبرص واليونان.

وختامًا، يمثل غاز المتوسط تحولًا في موازين القوى الإقليمي عبر تحويل المنطقة لسوق طاقوي هام بتلك الاحتياطات الضخمة من الغاز الطبيعي، كما أنه يمثل مسار يناهض خط السيل الشمالي الروسي والذي يمتد من موسكو إلى برلين ويغذي أوروبا بنحو نصف احتياجاتها من الغاز، وبالتالي لغاز شرق المتوسط تداعيات اقتصادية وتحولات في بنية العلاقات الإقليمية والدولية المستقبلية. 

ربما يعجبك أيضا