تحول عكسي.. كيف أصبح المتصوفة في باكستان أكثر ميلاً إلى العنف؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – فريق رؤية

المصدر – capx
ترجمة -آية سيد

لثلاثة أسابيع، تحدى آلاف المتطرفين أمر الدولة عبر حصار أحد المداخل الرئيسية المؤدية إلى العاصمة إسلام آباد في احتجاج مزعوم على تعديل غير هام لقانون وُضع لإبقاء أقلية دينية مكروهة بعيدًا عن السياسة، تحدى الملالي الحكومة لفض مخيمهم غير القانوني.

فشلت محاولة الشرطة لإخلاء الموقع، يوم السبت، وأثارت أعمال شغب، وُجهت أوامر للجيش بإنهاء الاعتصام. رفض الجيش تنفيذ الأوامر, قائلًا إنه لن يستخدم القوة ضد المدنيين. بعبارة أخرى، أمام خيار إنفاذ سيادة القانون أو استرضاء المتعصبين، اختارت باكستان الخيار الأخير.

لقد قدمت للحشد وزير القانون زاهد حامد، الشخص المسؤول عن الإساءة الكبرى للإسلام، والذي أُجبر على الاستقالة، تم الإعلان أيضًا إنه لن تتم محاكمة أحد من المحتجين أو قاداتهم، سوف يُطلق سراح جميع من قُبض عليهم.

هذه الأحداث هي آخر إشارة على القوة والتطرف المتزايدين للبريلوية, وهو مذهب يميل إلى الصوفية و يمثل الأغلبية داخل المجتمع السُني الباكستاني. حتى وقت حديث, كان يُنظر لهم على إنهم الأشخاص الصالحون. الصوفيون الذين يعتنقون صورة غير عنيفة من الإسلام تقوم على التصوف والتضرع عند أضرحة الأولياء الصالحين. لفترة من الزمن عقب أحداث 9/11 قدمت لهم الحكومات الغربية الأموال على أمل تمكينهم في مواجهة الجماعات المسلحة في باكستان, مثل حركة طالبان الباكستانية, التي تستمد دعمها من المذهب الديوبندي. الديوبندية مذهب متزمت وأصولي – المقابل الجنوب آسيوي للوهابية السعودية.

والآن يتضح أن البريلويين ليسوا محبوبين كما كان يُعتقد من قبل. إن الأمر الذي يثير غضبهم هو التجديف على النبي محمد. لديهم رد فعل سريع تجاه أضعف نفحة من الإصلاح لقوانين التجديف سيئة السمعة في باكستان. تلك القوانين تحمل عقوبة الموت في بعض الحوادث وتتم إساءة استخدامها بشكل واسع. إن الإتهام بالتجديف يمكن أن يكون طريقة سهلة للتخلص من عدو: الاتهام، مهما كان كاذبًا أو سخيفًا, يمكن أن يكون كافيًا لاعتقال شخص ما أو قتله على يد حشود غاضبة. اُتهم رجل من قبل بالتجديف بعد أن رمى بطاقة أعمال تحمل اسم شخص يُدعى محمد.  

في 2011, وجد البريلويون قضية لينشغلوا بها عندما قام رجل شرطة بريلوي يُدعى ممتاز قدري بتفريغ خزنة سلاحه في رئيسه, رجل أعمال وسياسي يُدعى سلمان تيسير. تيسير, الذي كان حاكم إقليم البنجاب حينها, ارتكب خطأ مزدوجًا. لقد طلب عفو رئاسي عن امرأة مسيحية محكوم عليها بالإعدام بتهمة التجديف بالرغم من الأدلة الواهية ضدها. ووصف قوانين التجديف بإنها “قانون أسود.” أصبح قدري بطلًا. كان مكللًا بالزهور عندما ظهر في المحكمة. وأُطلق اسمه على مسجد واحد على الأقل. تدفق ما يزيد عن 100 ألف مشيع إلى مدينة راولبندي في شهر مارس من العام الماضي عندما نُفذ حكم الإعدام. تحول قبره في ضواحي إسلام آباد سريعًا إلى مزار كبير.  

يقول عارف جمال, الخبير في الموضوع, إنه لأن البريلويين ليسوا مدعومين من الدولة فإنهم لا يزالون “وراء الديوبنديين والسلفيين في التطرف والعنف.” لكنهم سيتحولون للتطرف مع هذا, “ببطء لكن بشكل مؤكد.”

تلك العملية ليست سيئة على باكستان فقط بل وعلى بريطانيا أيضًا, بسبب المجتمع الباكستاني الكبير في المملكة المتحدة. تنوير أحمد, الرجل الذي قتل صاحب محل تابع للطائفة الأحمدية في جلاسكو العام الماضي يُدعى أسد شاه, يعتبره المتشددون البريلويون بطلًا. كشفت بي بي سي أن أحمد أعد تسجيلات صوتية في زنزانته البريطانية يطالب فيها بقطع رؤوس المجدفين ويتم تداولها في باكستان.

ظاهريًا, أثير احتجاج إسلام آباد بتغيير تافه في القسم الذي يلقيه المرشحون البرلمانيون, والذي يؤكد على التمييز الذي يفرضه دستور الدولة ضد المسلمين المنتمين للطائفة الأحمدية. تتعرض الطائفة الصغيرة للازدراء لكونهم “مجدفين” لإنهم متهمون بالتعامل مع مؤسس الطائفة في القرن التاسع عشر كنبي, وبالتالي ينكرون أن النبي محمد هو خاتم الأنبياء, وهي نقطة أساسية في العقيدة الإسلامية.

في باكستان, هم ممنوعون من وصف أنفسهم بالمسلمين, أو حتى القيام بالأمور الإسلامية العادية, مثل التضحية في العيد أو العبادة في المسجد. من أجل منع أتباع الطائفة الأحمدية من الترشح للبرلمان, يجب على المرشحين للبرلمان أن يقولوا “أقسم بأن” محمد هو خاتم الأنبياء. بموجب المقترحات التي تسببت في الكثير من المشاكل, كانوا سيقولون “أؤمن” بدلًا من ذلك.

في الحقيقة, كان الأمر برمته حُجة للتأكيد الصريح على قوة البريلوية. كانت شوكة رجال الدين قد ضعفت بسبب جهود رئيس وزراء باكستان المعزول مؤخرًا نواز شريف لانتزاع بعض السم من المجتمع. بدلًا من تأجيل إعدام قدري, أقدمت عليه حكومته بجرأة. احتفل شريف أيضًا بعمل عبد السلام, عالم الفيزياء الحاصل على جائزة نوبل والمنتمي لطائفة الأحمدية. تحت حكم شريف, انتشرت شرطة البنجاب لإزالة لافتات في مركز تسوق في لاهور تمنع العملاء الأحمديين. من المشكوك فيه أن حزب شريف, حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-نواز, سيفعل أية لفتات رمزية أخرى. في شهر سبتمبر, جاء تحريك لبيك يا رسول الله, الحزب البريلوي الذي يقود إحتجاجات إسلام آباد, في المركز الثالث في الانتخابات الفرعية رفيعة المستوى لاختيار رئيس وزراء جديد خلفًا لشريف.

هل سيستطيع الجيش, أقوى مؤسسة في باكستان, التصدي لموجة الكراهية؟ لقد كان عازفًا عن التعامل مع المسلحين الديوبنديين عندما ظهروا كتهديد داخلي لأول مرة. أمضى الجيش معظم الثمانينيات في مساعدة الملالي الديوبنديين على تدريب المجاهدين في أفغانستان وتمجيدهم كأبطال جهاد. لفترة بعد هجمات 9/11, فضل الجيش عقد صفقات سلام مع جماعات طالبان المحلية. لكن موجة من الإرهاب الوحشي تغير التوجهات. اليوم الجيش سعيد بقتل واعتقال هؤلاء الأشخاص. إنه ينتج دعايا تُظهر الجنود الشجعان وهم يقاتلون الأصوليين الأشرار.

لكن تحدي البريلويين أصعب لأن موطنهم في البنجاب, المحافظة التي يجلب منها الجيش معظم مجنديه. في وقت اغتيال تيسير, أخبر قائد الجيش السفراء الأجانب بإنه لا يستطيع إدانة قدري علنًا لأن القاتل يتمتع بدعم واسع داخل صفوف الجيش.

يحب الليبراليون الباكستانيون مواساة أنفسهم بفكرة أن بلادهم أصبحت دولة إسلاموية متطرفة بسبب الطغيان الذي استمر لعشر سنوات تحت حكم الديكتاتور العسكري الجنرال ضياء الحق في الثمانينيات. ولقد تسبب في ضرر هائل بالتأكيد بدعمه للجهاد الأفغاني وتغييراته لقوانين التجديف المنطقية إلى حد كبير في عهد الراج.

لكن التطرف المناهض للتجديف له جذور أعمق. إن سلف ممتاز قدري هو علم الدين, وهو ابن نجار غير متعلم والذي قتل ناشر كتاب هندوسي في لاهور في 1929. كان الناشر يبيع سيرة ذاتية شنيعة عن الرسول والتي أثارت غضب مسلمي الهند البريطانية. مثلما حدث مع قدري, حوّل حادث الاغتيال علم الدين إلى بطل. كان محامي الدفاع عنه هو المؤسس المستقبلي لباكستان, محمد علي جناح. كان الرجل الذي قرأ التأبين في جنازته بعد إعدامه على يد البريطانيين هو شاعر باكستان القومي المستقبلي, محمد إقبال. إن المفارقة الأكثر إيلامًا هي: الرجل الذي ساعد في حمل جثة علم الدين كان والد سلمان تيسير. مثل قبر قدري, أصبح موقع دفن علم الدين ضريحًا هامًا. الحدائق, والشوارع وحتى المباني الحكومية تحمل اسمه.

إن تطرف البريلوية متأصل في الحمض النووي لباكستان, حتى لو كان يستعرض عضلاته الآن فقط

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا