تطابق الإخوان اليهود والإخوان المسلمين

يوسف بنده

رؤية – ميدل إيست – طلعت رضوان

التصدي للأصولية اليهودية لابد أنْ يتزامن ويرتبط بالتصدي للأصولية في البلاد المحيطة بإسرائيل التي تساند وتدعم هذه الأصوليات، فالخطورة في أنّ الأصوليين يتشابهون في المنطلقات ويتجاهلون أسباب النزول.

الدين عند السياسيين المتدينين مجرد وسيلة وصول

يتشابه الأصوليون في كل دين، فهم يرون أنّ المرجعية الوحيدة في كل شئون البشر يجب أنْ تكون للنص الديني، حتى لو كان هذا النص كُتب لزمن غير زماننا ولمجتمع غير مجتمعنا. وإذا كان الفقهاء يختلفون في التأويل فإنّ الأصوليين يتمسكون بحرفية النص ويتجاهلون (باب أسباب النزول) ولذلك يتدخلون في حياة البشر، ويصرون على إعادة عقارب الزمن إلى الوراء في تجاهل تام لمسيرة البشرية وتطورها من عصر صيد الحيوانات وأكلها نيئة إلى عصر الصعود إلى القمر.

ورغم أنّ الأصوليين المسلمين يهاجمون دولة إسرائيل على أساس أنها قامت على مرجعيــــة دينية، فإنهم يتمسكون بذات المرجعية في تعاملهم مع مجتمعاتهم. ولو أنهم انحازوا للعقـــــــــــل لاكتشفوا أنّ مأساة الشعب الفلسطيني تكمن في تيار الأصوليين اليهود المتمسكين بالتطبيـــــــــق الحرفي للتوراة حيث نقرأ “في ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقًا قائلا: لنسلك أعطي هذه الأرض. من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات” (تكوين 15: 18) ويؤمنون بأنّ إلـــــه العبرانيين يملك حق توزيع أراضي الغير على بني إسرائيل وبالجملة، من ذلك “وكان فـــــــــي الأرض جوع غير الجوع الأول الذي كان في أيام إبراهيم. فذهب اسحق إلى أبيمالك ملـــــــــــك الفلسطينيين إلى جرار. وظهر له الرب وقال: لا تنزل إلى مصر. اسكن في الأرض التي أقـــــول لك فأكون معك وأباركك. لأني لك ولنسلك أعطي هذه البلاد” (تكوين 26: 1 – 5 5). أما العنف الذي يمارسه الأصوليون اليهود ضد غيرهم من الشعوب فهو مستمد من ذات المرجعية الدينية، حيث يحرّض إلــــــــــه العبرانيين على القتل فيقول: “اقتل كل بكر في أرض مصر من بكر الناس إلى بكر البهائـــــــم” (خروج 12: 29 وخروج 13: 15، مزمور 78: 51 وهي مجرد أمثلة)، وقبل أنْ يقتل المصريين، وحتى لايُخطـــــــئ بين بيوتهم وبيوت بني إسرائيل، فإنه يطلب من الأخيرين ما يلي: “ويكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها. فأرى الدم وأعبر عنكم. فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر. ويكون لكم هذا اليوم تذكارًا فتعيدونه عيدًا للرب في أجيالكم تعيدونه فريضة أبدية (خروج: 11).

والأصوليون العبرانيون يُصدقون أنّ إلههم حوّل “كل الماء الذي في النهر دمًا، ومات السمك الذي في النهر وأنتن النهر. فلم يقدر المصريون أنْ يشربوا ماء النهر. وكان الدم في كل أرض مصر”(خروج 7: 19- 22). كما أنهم يصدقون أنّ إلههم قضى على كل المصريين وفق الآية التي تنص على “فدفع الرب المصريين في وسط البحر. فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيوش الفرعون الذي دخل وراءهم في البحر. لم يبق منهم ولا واحد ” (14: 26- 31) ويكرر نفس المعنى بقوله: “فخلّص الرب في ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين. ونظر إسرائيل للمصريين أمواتًا على شاطئ البحر” (خروج 14: 30- 31) وهي نفس المعاني الواردة في القرآن في أكثرمن سورة وفي أكثرمن آية، هذا غير التحريض على سرقة المصريين حيث يقول لهم النص العبري في التوراة: حين تمضون أنكم لا تمضون فارغين. بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا وتضعونها على بنيكم وبناتكم. فتسلبون المصريين” (خروج 3: 18- 22).

لذلك وفي ضوء التمسك بالنص العبراني، فإنّ الأصوليين اليهود يتمسكون باغتصاب أرض الشعب الفلسطيني، فيقول الحاخام صموئيل حاييم: “إن القبس الإلهي لا يؤثر في الشعب اليهودي إلاّ وهو في أرضه. وعليه لا يمكن اعتبار إسرائيل أمة حية وهي تعيش في المنفى” ورفع شعار (التوراة والعمل)، أما الحاخام مائير بر إيلان فيرى أنه كما يهتم الدين اليهودي بالعبادة فإنه ينظم شئون الدولة. وليس في اليهودية فصل بين الدين والدولة (رشاد الشامي – القوى الدينية في إسرائيل – عالم المعرفة يونيو 1994 ص 91- 92).

وكتب د. رشاد إنّ فكرة العهد بين الله والشعب كانت بمثابة الأسطورة الشعبية لـ(بن جوريون) واستخلص منها برنامجًا سياسيًا. وقرّر حدود دولته مسترشدًا بمفاهيم العهد القديم التي لايؤمن بها هو نفسه. وبعد قيام الدولة كتب بن جوريون “على اليهودي من الآن فصاعدًا، ألاّ ينتظر التدخل الإلهي لتحديد مصيره. بل عليه أن يلجأ إلى الوسائل الطبيعية العادية مثل الفانتوم والنابالم” وقال أيضًا: “إنّ الدين هو وسيلة مواصلات فقط، ولذلك يجب أنْ نبقى فيها بعض الوقت لا كل الوقت” وقال أيضًا: “إنّ حياة اليهود لو تُركتْ لحاخامات اليهود، لظلوا حتى الآن كلابًا ضالة في كل مكان”، (المصدر السابق ص 53 – 54).

تتجاهل الثقافة السائدة الحقيقة التى تقول إنّ الصراع الرئيسي داخل المجتمع الإسرائيلي هو بين الأصوليين الرافضين لأي حق للشعب الفلسطينى في أرضه، وبين العلمانيين المؤيدين لحقوق الشعب الفلسطيني. وبالتالي فإنّ الفائز في هذا الصراع هو الذي سيشكل استراتيجية السياسة الإسرائيلية. ولذلك فإنّ الشاعر المبدع أحمد عبد المعطي حجازي لم يجاوز الحقيقة، عندما شبّه الأصوليين الإسلاميين بالأصوليين اليهود، وإنما رصد واقعًا لايتغافل عنه إلاّ أعداء لغة العلم وأعداء الإنتماء الوطني.

واذا كان البعض قد أقام دعوى ضد الشاعر المبدع، فإنّ رئيس تحرير مجلة العربي الكويتية كان أوسع أفقًا عندما نشر مقالتي بعنوان (الصهيونية: بذور سوداء داخل ديانة قديمة) عدد مايو 2001 والتي قلتُ في ختامها “إنّ خلاص الشعب الفلسطيني والدول المجاورة لإسرائيل، من الفكر الصهيوني المؤمن بالتوسع والاستيطان، لن يكون إلا بدعم وتأييد التيارات العلمانية في بلادها. ولن يكون إلا بالتفوق على إسرائيل في مجالات البحث العلمي والتعليم والتصدير والمستوى المعيشي. وصناعة السلاح ذاتيًا.

ورفع الوصاية من على الشعب الفلسطيني. وأنّ دعم التيارات العلمانية في إسرائيل وفي الدول المحيطة بها، هو السبيل الوحيد لهدم المشروع الصهيوني المؤمن بالتوسع على أسس من مرجعية دينية. وهو المشروع الذي يتبناه الأصوليون اليهود داخل إسرائيل وخارجها. فهل تقبل الدول التي لها مصلحة في التخلص من المشروع الصهيوني التحدي، من أجل مستقبل أفضل لسكان المنطقة؟ أم تظل على سياستها الحالية المتمثلة في العداء لقيم العلمانية. والمتمثلة -كذلك- في العداء لمعنى الانتماء الوطني لصالح الانتماء الديني، الأمر الذي يؤدي إلى تدعيم الأصولية في بلدانها وفي إسرائيل؟ ومع ملاحظة أنّ التصدي للأصولية اليهودية لابد أنْ يتزامن ويرتبط بالتصدي للأصولية في البلاد المحيطة بإسرائيل التي تساند وتدعم هذه الأصوليات.

تكمن الخطورة في أنّ الأصوليين في إسرائيل وفي البلاد المجاورة لها يتشابهون في الكثير من المعتقدات والمنطلقات، لعلّ أخطرها أنْ يكون الولاء للدين وليس للوطن”.

ربما يعجبك أيضا