تعثر الحكومة التونسية.. الفخفاخ يقع في فخ “النهضة”

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

كشف رئيس الوزراء التونسي المكلف إلياس الفخفاخ، أمس السبت، عن تركيبة حكومته المقترحة، لكنه ترك الباب مفتوحا لمزيد من المشاورات السياسية، بعد انسحاب حركة النهضة -صاحبة أكبر كتلة برلمانية- وقراره بعدم التصويت لصالح الحكومة، قبل ساعات قليلة من موعد كشف الستار عن تركيبتها.

حكومة الفخفاخ، المعلن عنها، تضم 29 وزيرا ووزيري دولة، يتوزعون بواقع 6 وزراء لـ”النهضة”، و3 لـ”التيار الديمقراطي”، و2 لكل من “حركة الشعب” و”تحيا تونس” و”كتلة الإصلاح الوطني”، ووزير واحد لـ”نداء تونس”، والباقية من المستقلين.

انسحاب “النهضة”
قال الفخفاخ -في كلمة بثها التليفزيون الرسمي- إنه تم التوافق على تركيبة الحكومة مع أحزاب الائتلاف الحكومي، قبل أن تقرر النهضة الانسحاب بسبب عدم مشاركة حزب “قلب تونس”، مؤكدا أن هذا القرار يضع البلاد أمام خيارات صعبة، وقررنا مع سيادة الرئيس استغلال ما تبقى من آجال دستورية لأخذ التوجه المناسب بما يخدم مصلحة البلاد.

 وفي إشارة إلى مفاجئة “النهضة”، قال: أبلغت رئيس الجمهورية بحصيلة المشاورات التي شهدت تقدما مع كل الشركاء وإلى حدود هذا الصباح كانت الحكومة المرتقبة لها أغلبية مريحة قبل قرار النهضة.

“حركة النهضة” أعلنت قبل كلمة رئيس الحكومة المكلف، الانسحاب من التشكلية المقترحة، وعدم المشاركة في منح الثقة لها بالبرلمان، معللة ذلك بعدم استجابة الفخفاخ لمطالبها.

“النهضة” طالبت الفخفاخ، بتشكيل حكومة لا تقصي أيًّا من الأحزاب وتحديدا “قلب تونس” -ثاني أكبر كتلة برلمانية- كما كان لديها بعض التحفظات على أسماء بعينها في التشكيلة الحكومية، الأهم من ذلك أن الحركة اعتبرت التشكيلة غير مرضية لها ولا تعبر عن حجمها الحقيقي في البرلمان “54 مقعدا من أصل 217 في البرلمان”.

من جانبه أكد حزب “قلب تونس” -صاحب الـ38 مقعدا بالبرلمان وخصم مباشر لـ”النهضة”، أمس- أنه لن يصوت لصالح حكومة الفخفاخ، وكذلك حزب “الدستوري الحر”، وبالتالي باتت الحكومة محكومًا عليها بالفشل، ما لم تتوصل إلى توافق سياسي مع هذه الأطراف؛ إذ يلزمها الحصول على 109 أصوات في البرلمان لنيل الثقة.

سيناريو “الجملي” ومرشح الرئيس
كأننا نعود إلى مطلع هذا العام، عندما فشل حبيب الجملي -ووقتها كان مرشح “النهضة”- في تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان، بسبب رفض “قلب تونس” للحكومة وتأليفه لتكتل برلماني مع حزب “تحيا تونس” وكتلة الإصلاح الوطني، فضلا عن النواب المستقلين، في محاولة لمواجهة تأثير “النهضة” بالبرلمان.

في 21 يناير الماضي، وبعد فشل الجملي، تدخل رئيس الجمهورية قيس سعيد لتسمية الفخفاخ لرئاسة الحكومة، الأمر الذي حظي بترحيب “تحيا تونس” و”التيار الديمقراطي”، فيما اتخذت “النهضة” موقفا وسطيا، وتحفظ “قلب تونس” على المرشح وطريقة اختياره دون تشاور بشكل مباشر مع الأحزاب، فيما اتهمه “الدستوري الحر” بالميل لـ”الإسلاميين” في إشارة إلى “النهضة” المعروفة بأنها امتداد لـ”الأخوان المسلمين” في تونس.

إذن الفخفاخ منذ اللحظة الأولى نُظر له باعتباره مرشح الرئيس، وبالتالي من الطبيعي أن يحظى بعداء “قلب تونس” الذي يرأسه رجل الأعمال والمرشح الرئاسي السابق نبيل القروي، والذي رفض دعوات الفخفاخ المتكررة لحضور مشاورات تشكيل الحكومة بقصر قرطاج، ومن جهة أخرى “قلب تونس” يريد أن تكون له كلمة فاصلة كحزب قرر التمركز في موضع المعارضة والوقوف بوجهة “النهضة”.

أما حزب النهضة فيريد أن يكون له الثقل الأكبر في الحكومة ولا يناسبه 6 وزراء فقط ربما يريد أكثر، وربما كلمة السر هي اختيارات “الفخفاخ” لوزراء النهضة، اللافت للنظر أن أحدهم هو عبداللطيف المكي المكي الأسم المقترح لحقيبة “الصحة”، وفي هذا تحدِ شبه مباشر لـ”الغنوشي”.

المكي هو من أكبر المعارضين من داخل “النهضة”، لـ”الغنوشي” والرجل كان ينافسه على قيادة الحركة، واتهمه في العديد من المناسبات بالخروج على تقاليد الحركة والإساءة إلى تاريخها، وعارض العديد من قراراته، وأبرزها قرار تعيين أعضاء المكتب التنفيذي من قبل رئيس الحركة وبدون انتخابات، ليرد الغنوشي عليه بالإقصاء من قيادة الحركة، لتصل العلاقة بين الرجلين إلى مرحلة اللاعودة.

أمر آخر يفسر عرقلة “النهضة” لولادة حكومة الفخفاخ، أن هذه الحكومة ينظر لها باعتبارها حكومة الرئيس، بل إن البعض ذهب للاعتقاد بأن سعيد يريد أن يحكم من خلال الفخفاخ، وهو أمر لا يناسب “النهضة” التي ترى نفسها ندا للرئيس ولأي سلطة حاليا بوجودها على رأس البرلمان.

انتخابات مبكرة
أقل من أيام تفصل الفخفاخ عن نهاية المدة الدستورية الملزمة للإعلان عن تشكيلة حكومته، الخميس المقبل 20 فبراير، ما يجعله أقرب إلى الفشل منه إلى النجاح، إلا إذا قررت النهضة المناورة وتمرير الحكومة بدلا من الحكم على نفسها بالإقصاء السياسي، سواء داخل البرلمان أو الشارع؛ إذ ستتحمل وقتها كامل المسؤولية عن فشل الفخفاخ وكذلك مرشحها الجملي سيكون حاضرا في الذاكرة.

النهضة قد تناور بالطبع، لإدخال بعض التعديلات على التشكيلة الحكومية، على الرغم من أنها أعلنتها واضحة، أمس، عندما اعتبرت أن الفخفاخ ليس بالرجل المناسب ويجب استبداله، ما اعتبره بعض المحللين محاولة للضغط على الفخفاخ في مواجهة، ورئيس الجمهورية في الصميم، محذرين من الوقوع فريسة لابتزاز النهضة.

قيس سعيد، من جانبه، ستكون مهمته صعبة، فإما أن يدعم الفخفاخ ويدفع بالحكومة إلى أبواب البرلمان، ليتحمل كل طرف مسؤوليته عن فشل الاستحقاق الحكومي لثاني مرة منذ الانتخابات البرلمانية في العالم الماضي، وفي حال عدم نيل الحكومة الثقة البرلمان، فسيكون عليه حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، وفقا للدستور التونسي، ليدخل البلد المنهار اقتصاديا في حالة من الفراغ السياسي بلا أفق معلوم.

ربما يعجبك أيضا