تليرسون في أنقرة .. احتواء تركيا أم التخلي عن الأكراد

يوسف بنده

رؤية

قال مسؤول تركي، اليوم الجمعة، إن بلاده اقترحت على الولايات المتحدة انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية السورية إلى شرق الفرات في سوريا وأن تتمركز قوات تركية وأميركية في منطقة منبج.

وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة تدرس الاقتراح الذي قدمته أنقرة إلى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون خلال زيارته الحالية لها.

حيث تسعى الإدارة الأمريكية إلى إدارة الخلاف مع تركيا بما يضمن بقاء حدود مقبولة من علاقة لطالما وُصفت في السابق بأنها تاريخية واستراتيجية بين واشنطن وأنقرة. ووصلت العلاقات بين البلدين إلى مستوى منخفض لم تشهده منذ عقود، وهو ما يضع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، الذي يزور تركيا الخميس والجمعة، في مواقف صعبة خلال لقائه بالمسؤولين الأتراك.

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، وصف قبل أيام رحلة تيلرسون بأنها ستشهد إمّا تحسنا في العلاقات بين البلدين وإمّا انهيارها تماما. وتوعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في وقت سابق، الولايات المتحدة بقوله إنه “من الواضح جدا أن من يقولون سنرد بقوة إذا ما ضربونا لم يجرّبوا في حياتهم صفعة عثمانية”.

البحث عن علاقة مستقرة

وقد أكدت كل من أنقرة وواشنطن عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، بعد توتر دام لأكثر من عام.

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون، في العاصمة التركية أنقرة، الجمعة: “توصلنا إلى اتفاق بشأن إعادة علاقات البلدين إلى وضعها الطبيعي”.

وأشار جاويش أوغلو إلى أنّ بلاده ستمضي قدماً مع أمريكا في اتخاذ خطوات آمنة، ولكن بعد خروج تنظيم “ي ب ك” من مدينة منبج السورية.

وذكر بيان مشترك للطرفين أن أنقرة وواشنطن “تؤكدان التزامهما بوحدة أراضي سوريا والمحافظة على وحدتها الوطنية”، مضيفاً: “سنبدي موقفاً حازماً حيال محاولات التغيير الديموغرافي في سوريا”.

وبالمقابل شدد وزير خارجية أمريكا على أن علاقات بلاده مع تركيا “دائمة”، واصفاً إياها بـ”الاستراتيجية”، فيما أكد دعم واشنطن حق تركيا بجلب من شاركوا في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت صيف عام 2016.

وقال تليرسون: “إن الولايات المتحدة ستعمل على الوعود المقدمة لتركيا بشأن منبج وإن ذلك ضمن أولوياتها”.

هدوء بعد عاصفة

وقد تراجع موقع تركيا داخل الأولويات الأميركية منذ انتهاء الحرب الباردة ولم تعد الولايات المتحدة تعتمد على الحليف التركي في سياساتها في الشرق الأوسط. وبالتالي لن تبالي واشنطن بخسارتها المحتملة لقاعدة إنجرليك التركية، خاصة وأن للبنتاجون بدائل جاهزة، لا سيما أنه بات للولايات المتحدة قواعد في العراق وسوريا تضاف إلى قواعدها العسكرية الأخرى في المنطقة.

وتقارب الإدارة الأمريكية العلاقات مع أنقرة آخذة بعين الاعتبار الخيارات الشرقية التي بدأت أنقرة تلوّح بها ضد الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، كما الهواجس التركية المتعلقة بتصاعد الخطر الكردي على الحدود مع سوريا. وتؤكد مراجع دبلوماسية أميركية أن واشنطن ليست في وارد تبديل تحالفها مع تركيا كدولة أطلسية حليفة لصالح علاقات البنتاغون مع الميليشيات الكردية في شمال وشرق سوريا.

وما زالت واشنطن تعتبر قوات سوريا الديمقراطية السند الأساسي الميداني للولايات المتحدة في محاربة داعش في سوريا، وأثبتت هذه القوات فعاليتها في هذا المضمار، لذلك لا تخطط الإدارة الأميركية للتخلي عن الحليف الكردي في الوقت الراهن.

وتشير مراجع دبلوماسية أميركية إلى أن واشنطن رفضت الاستفتاء في إقليم كردستان شمال العراق لما له من تأثير سلبي على العراق ودول المنطقة، وأن الإدارة الأميركية لن تنتهج سياسات تؤثر على وحدة سوريا وتشكّل خطرا على دول المنطقة لا سيما تركيا.

وفيما قال وزير الدفاع التركي نورالدين جانيكلي، إنه طلب من نظيره الأميركي جيمس ماتيس، “وقف كافة أنواع الدعم لتنظيم قوات حماية الشعب الكردية، وتطهير قوات سوريا الديمقراطية من عناصر هذا التنظيم”، قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، الخميس، إن الولايات المتحدة وتركيا ستواصلان التعاون بشأن سوريا رغم أوجه الخلاف.

وقال ماتيس، على هامش اجتماع لحلف شمال الأطلسي، وبعد أن التقى نظيره التركي نورالدين جانيكلي الأربعاء، “أعتقد أننا نتوصل لأرضية مشتركة وهناك أرضية غير مشتركة تضع الحرب فيها أمامك أحيانا بدائل سيئة لتختار منها”. وتابع قائلا “لكن خلال ذلك كانت السمة المميزة لتواصلنا هي الصراحة والشفافية المطلقة مع بعضنا بعضا (…) نواصل التعاون لإيجاد سبل لضمان التعامل مع مخاوفهم المشروعة”.

وتعترف دوائر دبلوماسية أمريكية أن النزاع المتعلّق بوجود الداعية التركي فتح الله غولن في بنسلفانيا في الولايات المتحدة هو لغم يسمّم العلاقات الأميركية التركية. ورغم وعود أمريكية رسمية بـ”دراسة ملف” غولن ودراسة مسألة تسليمه لأنقرة، إلا أن هذه الدوائر تؤكد أن ما قدّمه الأتراك لا يمثّل مسوّغا قانونيا يدفع واشنطن للاستجابة إلى مطالب أنقرة في هذا المضمار، وعليه فإنه لا نيّة لواشنطن بالتقدّم كثيرا في هذا الملف.

ويخلص المحللون إلى أن البلدين يسعيان للوصول إلى نقطة توازن لإدارة الخلاف وأنّ التواصل التركي الأمريكي هو أكثر إيجابية مما تشي به التصريحات المتبادلة. ويؤكد هؤلاء أن المباحثات التي جرت بين وزيري الدفاع في البلدين تطلّبت تغطية دبلوماسية يسعى وزير الخارجية الأمريكي إلى اجتراح عناوينها في أنقرة. وينتظر المراقبون ما ستفضي إليه اجتماعات تيلرسون مع الرئيس رجب طيب أردوغان ليتبيّنوا نتائج ما استشرفه نظيره التركي من أن الزيارة ستحدّد صمود علاقات البلدين أو انهيارها.

المصدر: رؤية صحيفة العرب اللندنية

ربما يعجبك أيضا