تنظيم داعش قد ينهض من جديد

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – آية سيد


صرح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الأسبوع الماضي، بأن “حلم التحرير أصبح حقيقة,” عندما طردت قواته تنظيم داعش من بعض معاقله الأخيرة. لم يبد إعلان العبادي للنصر بلا مبرر. بعد ثلاث سنوات, استعاد المقاتلون العراقيون والأكراد, مدعومين بتحالف من 80 دولة تقوده الولايات المتحدة, استعادوا كل الأراضي التي كان يسيطر عليها داعش في العراق والمدن الرئيسية التي كان يسيطر عليها في سوريا. لم يعد لدى تنظيم الدولة الإسلامية ما يملكه لكي يُسمي نفسه دولة.

لكن النصر غير مكتمل، ليس فقط عندما يتعلق الأمر بتحديات الذئاب المنفردة المستلهمة من داعش, وعودة المقاتلين الأجانب من العراق وسوريا, واستمرار الجماعات التابعة لداعش في مناطق أخرى. في حين أن هذه المخاوف حقيقية,إلا أن السيناريو الأكثر خطورة يستحق أيضًا بعض الانتباه: قد يعيد داعش إقامة دولة خلافته، حيث وُلدت أول مرة, في العراق وسوريا. لقد كان يخطط لإعادة إقامتها منذ 2016 على الأقل, ويحضر لها قبل فترة كبيرة من خسارة الرقة في شهر أكتوبر.

الأمر الأكثر إثارة للتشاؤم, داعش لديه كتيب إرشادات حقيقي ومجرب لإعادة إحياء نفسه. منذ بضعة سنوات, نجح في إعادة إحياء نفسه عقب الهزيمة الظاهرية. وتاريخ هذا الإحياء يجب أن يخدم كتحذير مما قد يحدث الآن.

بعد الطفرة

أسس أبو مصعب الزرقاوي في 2003 تنظيم داعش الذي نراه اليوم. (لقد مر بعدة أسماء مختلفة على مدار السنوات.) كان تنظيمه يتغير حسب الحاجة منذ حينها: من حركة جهادية سرية ناشئة إلى تمرد عصابات إلى خلافة بدائية وشبيهة بالدولة والتي إمتدت أراضيها عبر معظم أنحاء العراق وسوريا. لكن هذا التغيير لم يكن منتظمًا. توسع تنظيم داعش وانكمش بينما كان يسعى وراء هدف استعادة الخلافة الإسلامية، مثلما تم تمجيدها في الكتب الدينية. بعد خسارة عاصمتيه, الموصل والرقة, ينكمش داعش مجددًا. لكن أهدافه الاستراتيجية لم تتغير.

في البيانات الأخيرة, عقد قادة داعش مقارنة صريحة بين وضعه اليوم ومحنته القاسية المشابهة في 2008, عندما لجأ إلى تمرد العصابات والإرهاب، وهكذا مهد الطريق لاستيلائه الدرامي على معظم أنحاء سوريا والعراق بعدها بخمس سنوات. تُظهر المذكرات الداخلية والوثائق الإدارية التي حُصل عليها أنه بعد أن طردت الطفرة الأمريكية وبرنامج أبناء العراق لقوات الأمن المحلية الجماعة من وسط وغرب العراق, هرب أعضاء داعش المتبقين واختبأوا في الموصل وحولها. على الرغم من كونهم مرغمين على الاختباء, إلا أنهم استخدموا منطقة الموصل قاعدة لتنظيم الخلايا, وتجنيدها, وتمويلها في أنحاء العراق. في غضون ذلك, نشر قادة داعش جهازهم الأمني لاغتيال الخصوم السياسيين السُّنة – وخاصة القوات المحلية, وتشمل أبناء العراق والشرطة, التي هددت الأمن التشغيلي لداعش وسيطرته على سياسة العرب السُنة. لقد عملوا أيضًا لضم رجال السياسة العرب السُّنة في منطقة الموصل في بغداد, متعهدين بتقليص حجم العنف ضد القطاعات الاقتصادية المهمة في مقابل الدعم السياسي والنقدي.

عملت كل هذه العناصر بإتجاه هدف أساسي: إشعال الصراع السُّني-الشيعي مما يجعل قطاع كبير من السُّنة العراقيين يرون داعش أملهم الوحيد. أرهب الجهاز الأمني الخصوم والشركات المحلية للمساعدة في إعادة بناء قدرة داعش وحرض الحكومة العراقية الشيعية المذعورة على المبالغة في رد الفعل على شبح التهديد الإرهابي السُّني -وبالتالي أعاد إشعال الصراع الطائفي الذي ساعد في صعود الجماعة في المقام الأول, عقب الغزو الأمريكي عام 2003. بينما فتكت غارة أمريكية-عراقية في 2010 بمجموعة من الشخصيات البارزة في الجماعة, مضى قائد جديد, وهو أبو بكر البغدادي, قُدمًا في هذه الاستراتيجية, في الوقت الذي كان يعمل فيه سرًا للقضاء على المنافسة ولإعادة بناء قوة داعش البشرية عن طريق تهريب المقاتلين من السجون. وعندما حدث الربيع العربي وازداد الاضطراب الأهلي في 2011 و2012, سارع داعش بإرسال عملاء إلى سوريا من أجل إقامة قاعدة جديدة للعمليات. وهكذا مُهد الطريق لاستيلاء داعش السريع على قطاع من الأراضي بحجم بريطانيا العظمى في 2014.

النهضة التالية

الآن، بما أن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة قد حققت هدفها الرئيسي, يواجه داعش تحديات قاسية في العراق وسوريا. إنه يفتقر إلى القدرة العسكرية التقليدية والقوة البشرية. دُمرت وحداته العسكرية بشكل كبير أو تفككت بسبب الاقتتال الداخلي وموجات الاستسلام.

لكن داعش تغلب بشكل مخيف على تحديات مماثلة في أواخر العقد الأول من الألفينات. بالرغم من خسارة كل أراضيه تقريبًا, مازال يمتلك كادرا ملتزما بشدة في جوهره, ويشمل عناصر من الجهاز الأمني, وكذلك أيضًا مسئولين إداريين ذوي خبرة, الذين يجعلون تنظيم داعش متماسكا من أعلى إلى أسفل. ولم يهدر وقتًا في تنفيذ نقلة من “الخلافة” الإقليمية إلى الإرهاب والتمرد. هذه الحملة الجديدة بدأت بالفعل في أن تؤتي ثمارها. صعّد داعش هجمات ناجحة في المناطق التي أعلن التحالف بقيادة الولايات المتحدة تحريرها سابقًا, مثل الفلوجة والرمادي, وأيضًا مناطق أخرى والتي لم يسيطر عليها داعش حتى وقت ذروته, مثل بغداد ومحافظة ديالى. ومثلما فعل في 2010, يعمل تنظيم داعش على استفزاز الحكومة العراقية لقمع العرب السُنة – القاعدة الديموغرافية الأساسية للتجنيد بالنسبة للجماعة وقاعدتها لاستمداد الشرعية السياسية.

عندما أعلن دولة الخلافة في 2014, صرح داعش أن استراتيجيته هي”البقاء والتمدد.” إن استراتيجيته الجديدة قريبة من استراتيجية استرجاع. في حين أن بعض المقاتلين سيواصلون الهرب من العراق وسوريا – سواء من أجل الإنضمام لفروع داعش في أماكن أخرى في آسيا أو أفريقيا أو من أجل العودة للوطن – سوف يبقى آخرون, بهدف استغلال الظروف المواتية للإرهاب والتمرد. وفي هذه الأراضي شبكات المعرفة المحلية والمخابرات الخاصة بداعش تمنحه فرصة جيدة لإعادة اختراق المناطق الرئيسية وللعمل بسرية.

تتعلق آفاق داعش للإحياء الناجح في العراق وسوريا على ثلاثة عوامل رئيسية: نوعية الحوكمة والقيادة السياسية العربية السُنية الشرعية؛ واستمرار السياسة الطائفية التي تهيمن عليها الجماعات الشيعية؛ وقدرة المؤسسات على البدء في إعادة إعمار المناطق السُنية التي دُمرت في الحرب على داعش. في العراق, كان السبب المباشر لنهضة داعش الأخيرة هو مزيج من الفساد السياسي المحلي والإهمال الضار والتمييز الذي تمارسه الحكومة الوطنية التي يهيمن عليها الشيعة. في سوريا, في الوقت ذاته, سوف تهدأ التحديات الأمنية على الأرجح في الوقت الحالي, حيث إن الكثير من مقاتلي داعش هناك هربوا إلى ملاذات آمنة بعيدة في الصحراء. لكن إذا ظهر فراغ أمني مرة أخرى -وهو احتمال حقيقي نظرًا للمجموعة المعقدة من القوات المشاركة في الحرب الأهلية السورية- وبدأ التحالف الكردي المناهض لداعش في التفكك, قد يعود الكثير من أولئك المقاتلين سريعًا.

المصدر – مؤسسة راند

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا