توظيف الأزمات.. كيف استغلت أنقرة كورونا في سياستها الخارجية؟

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

مع تفشي فيروس كورونا عالميًّا، وانشغال العديد من دول العالم بمكافحته، واحتياج دول أخرى لمساعدات طبية؛ وجدت تركيا في ذلك فرصة لتحقيق عددٍ من الأهداف، سواء على الصعيد الدبلوماسي، أو على صعيد توسيع انخراطها في عددٍ من صراعات المنطقة، خاصة في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط، مستغلة انشغال الدول التي كانت تحجم أنشطتها العدائية بمكافحة تفشي وباء كورونا على أراضيها.

كما رأت أن الفرصة سنحت لها لتقديم نفسها كدولة تراعي مبادئ الإنسانية وتقديم معدات طبية للدول المتضررة من تفشي الوباء، ولكن لم تكن تلك الخطوات نابعة من مبدأ تعمل به القيادة التركية إنما جاءت بعدما شوهت سياسة أردوغان صورة أنقرة على المسرح الدولي نتيجة لإشعالها عديد من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ودعمها للتنظيمات المتطرفة.

تحسين الصورة الخارجية

تعتمد تركيا على  تسهيل مساعدات دولية لعدد من دول الجوار بعدما شوهت سياستها العدائية علاقتها بكثير من علاقتها الاستراتيجية، ووجدت أنقرة في أزمة كورونا وحاجة العديد من دول العالم للمساعدات الطبية فرصة لتحسين صورتها الخارجية التي تضررت كثيرًا في السنوات الأخيرة بعد انخراطها المباشر في العديد من صراعات المنطقة، ودعمها عددًا من التنظيمات المتطرفة كإحدى أدوات تنفيذ أهدافها الإقليمية، حيث أطلقت أنقرة شعار “الإنسانية أولًا”، وتحت هذا الشعار أرسلت تركيا مساعدات طبية لبعض الدول، ووافقت على تلبية طلبات عشرات الدول لشراء مستلزمات طبية، وتقول أنقرة إنها أرسلت مساعدات طبية إلى 34 دولة حول العالم.

تحسين علاقاتها المتوترة مع بعض الدول

ظهر ذلك بوضوح في إعلان تركيا، في 12 إبريل، أنها سترسل مساعدات طبية إلى إسرائيل لمساعدتها في مواجهة فيروس كورونا، ومن المعروف أن الدولتين ترتبطان بعلاقات سياسية متوترة منذ عام 2010، ولو من الناحية النظرية على الأقل، وذلك عقب مداهمة قوات كوماندوز إسرائيلية سفينة مساعدات تركية كانت متجهة إلى قطاع غزة ما أسفر عن مقتل 10 أتراك، وقد ظلت هذه العلاقات متذبذبة رغم توقيع اتفاق المصالحة بين البلدين في يونيو 2016، وعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وقد برر وزير الصحة التركي “فخر الدين قوجه”، إرسال بلاده مساعدات طبية لإسرائيل بالقول: “إن أنقرة تلقّت طلبًا للمساعدة من تل أبيب، وإنها لبت هذا الطلب، من منظور إنساني بحت”، وهو التبرير ذاته الذي ردده متحدث الرئاسة التركية “إبراهيم كالين”.

يُضاف لما سبق، إرسال تركيا مساعدات طبية إلى عدد من الدول الأوروبية لتحسين العلاقات معها، وتهدئة التوتر مع القوى الأوروبية القائم منذ عام 2016، بسبب موقفها من محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا في يونيو 2016، بالإضافة للتباينات بين الجانبين في الملف الليبي وأزمة اللاجئين، ورفض أوروبا للتحركات التركية في منطقة شرق المتوسط وتنقيبها غير المشروع عن النفط والغاز قبالة سواحل قبرص، فضلًا عن رفض القوى الأوروبية للتدخل العسكري التركي ضد الأكراد في شمال سوريا، في أكتوبر 2019، وفرضها عقوبات اقتصادية وعسكرية على أنقرة، ثم تعليقها لاحقًا بعد وقف أنقرة عملياتها العسكرية هناك. ويأتي على رأس الدول الأوروبية التي تلقت مساعدات طبية من تركيا كل من: إيطاليا، وإسبانيا، وبريطانيا.

وعلى النهج ذاته، أعلن المتحدث باسم الرئاسة التركية “إبراهيم كالين”، في 12 إبريل، أن الرئيس التركي “أردوغان”، وافق على طلب أرمينيا بالحصول على مستلزمات طبية وأدوية لمعالجة مرضى فيروس كورونا، ومن المعروف أن العلاقات بين تركيا وأرمينيا ترتقي إلى مستوى العداء، ولا توجد علاقات دبلوماسية بين الدولتين، وذلك على خلفية اتهام أرمينيا للدولة العثمانية بتنفيذ إبادة جماعية بحق الأرمن في عام 1915 راح ضحيتها 1.5 مليون أرميني، وهو ما ترفضه أنقرة بشدة، كما تدعم تركيا أذربيجان في صراعها مع أرمينيا على إقليم “قره باغ”.

تعزيز النفوذ وتوثيق العلاقات الثنائية

تهدف تركيا أيضًا من مساعداتها الطبية إلى توثيق علاقاتها مع الدول المتلقية لها، وتعزيز مكانتها وصورتها بين مواطنيها، ما يُعزز فرص تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية كبيرة في المستقبل، وتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة. ويظهر ذلك بوضوح في الموقع الجغرافي للدول المتلقية للمساعدات.

ففي العالم العربي، تلقت كل من تونس والجزائر والعراق ولبنان وليبيا (حكومة الوفاق) مساعدات طبية من تركيا، وفي اليمن تتولى وكالة التنسيق والتعاون التركية “تيكا” مهمة تقديم الدعم للقطاع الطبي في مواجهة كورونا، وتقوم الوكالة بتدريب الطواقم الطبية في محافظات عدن ولحج وأبين والضالع حول كيفية مواجهة الفيروس.

وتُعد إيران إحدى أبرز دول منطقة الشرق الأوسط التي تلقت مساعدات طبية من أنقرة، حيث وقعت الدولتان اتفاقًا، في 17 مارس، بشأن تقديم أنقرة هبة لطهران في المجال الطبي، وأرسلت أنقرة لإيران شحنتين من المساعدات الطبية. كما تلقت باكستان، في 17 إبريل، مساعدات طبية عبر الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا).

وفي أفريقيا، أرسلت تركيا مساعدات طبية ومنظفات لكلٍّ من الصومال، وجمهورية أرض الصومال (معلنة من جانب واحد)، والسودان، وإثيوبيا، والكاميرون، سواء عبر وكالة التنسيق والتعاون التركية “تيكا”، أو مباشرة عبر المؤسسات والهيئات الحكومية التركية.

وفي منطقة البلقان، أرسلت تركيا، في 8 إبريل، مساعدات طبية إلى 5 دول في البلقان هي: شمال مقدونيا، والجبل الأسود، وصربيا، والبوسنة والهرسك، وكوسوفو، وهي منطقة نفوذ تقليدية لتركيا، وكانت خاضعة في السابق لسيطرة الدولة العثمانية.

كما شارك الرئيس التركي، في 10 إبريل، في اجتماع طارئ لزعماء مجلس تعاون الدول الناطقة باللغة التركية “المجلس التركي” (يضم: تركيا، وأذربيجان، وكازاخستان، وقرغيزيا، وأوزبكستان)، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، تحت عنوان “التعاون والتضامن في مواجهة وباء كورونا”، لبحث تداعيات تفشي وباء كورونا، وحصلت قرغيزستان على مساعدات طبية من تركيا.

ربما يعجبك أيضا