تونس تقرر التصالح مع رجال الأعمال «الفاسدين».. ما التفاصيل؟

ولاء عدلان

الرئيس التونسي يقرر "الصلح الجزائي" مع المتهمين بالفساد المالي.. كيف يمكن أن تستفيد تونس بهذه الخطوة في ظل الأزمة الاقتصادية؟


أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أمس الأول الاثنين 21 مارس 2022، المصادقة على قانون للصلح مع رجال أعمال يشتبه بتورطهم في قضايا فساد مالي.

القانون الجديد يهدف إلى التصالح مع رجال الأعمال “الفاسدين” مقابل استعادة الأموال التي حصلوا عليها بطريقة غير شرعية، وتخصيصها لإنجاز مشاريع تنموية.. فكيف تستفيد تونس من هذه الخطوة في ظل مخاطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية، ومحاولاتها للحصول على حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي؟

الأموال المنهوبة نحو 5 مليارات دولار

صادق الرئيس التونسي، الأحد الماضي، على قانون “الصلح الجزائي” وتوظيف عائداته، إلى جانب قانوني الشركات الأهلية ومقاومة المضاربة غير المشروعة. وأوضح في خطاب بمناسبة الذكرى 66 لعيد الاستقلال، أن “هذه القوانين تجسد ما تعهد به منذ 10 سنوات حتى تعود الأموال التونسية المنهوبة إلى الشعب والدولة”.

وقال سعيّد إن الصلح الجزائي إجراء معروف، فبدلًا من الزج بالمتهم في السجن، يدفع أمواله التي تمتع بها بنحو غير مشروع إلى الشعب، موضحًا أن هذه الأموال ستعود إلى المناطق الفقيرة. وفي يوليو الماضي كشف سعيد أن 460 شخصًا سرقوا 13.5 مليار دينار، أي 4.8 مليار دولار، من المال العام، وفقًا لـ”موزاييك أف أم” التونسية و”فرانس برس“.

تعزيز مبدأ العدالة الجزائية التعويضية

يهدف قانون الصلح الجزائي إلى إلغاء الدعوى العمومية أو ما ترتّب عنها من تتبع أو محاكمة أو عقوبات بحق رجال الأعمال الفاسدين، مقابل مبالغ مالية أو إنجاز مشاريع وطنية أو محلية. وسينظم القانون الجديد أساليب توظيف عائدات الصلح الجزائي لصالح المجموعة الوطنية على قاعدة “العدل والإنصاف”.

ويحدد القانون إجراءات الصلح في الجرائم الاقتصادية والمالية والأفعال والأعمال والممارسات التي ترتبت أو يمكن أن تترتب عليها منافع غير شرعية، والتي سببت ضررًا ماليًّا للدولة والجماعات المحلية والمنشآت والمؤسسات والهيئات العمومية أو أي جهة أخرى، تكريسًا لمبدأ العدالة الجزائية التعويضية، ومن المقرر أن يشكل سعيد “لجنة مصالحة” قضائية، لمنح عفو لرجال الأعمال مقابل تنفيذ مشاريع تنموية.

انتقادات لـ”الصلح الجزائي”

انتقدت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسى، في 22 مارس 2022، قانون الصلح الجزائي واعتبرته عملية لنهب الأموال من الناس دون أي رقابة قضائية. وقالت في تصريح تلفزيوني: “قيس سعيد لا يؤمن بالاستقلال ويعمل كما يحب ويحكم بالمراسيم الخاصة به”. واعتبر الوزير الأسبق والقيادي السابق في التيار الديمقراطي، محمد عبو، أن قانون “الصلح الجزائي” يخالف الدستور في بعض جوانبه.

وقال عبو في تصريح لصحيفة “الصباح نيوز” التونسية: “هذا القانون مُخالف للعدالة الانتقالية ويسمح بمحاكمة من سبقت مُحاكمته، ويقوم على أساس أنّ محصول هذا الصلح سيكون كبيرًا، في حين أنّ من وضع المرسوم ليست لديه معطيات كافية عن ملفات الفساد”، مضيفًا أن “هذا المرسوم يدخل في إطار مشروع سعيد لإقناع الناس بأن لديه حلولًا، لكن الحل الحقيقي هو تحريك ملفات الفساد الراكدة”.

شكوك بشأن خطط سعيّد

تولى سعيّد منصبه في 2019 بحملة تركز على مكافحة الفساد، لكنه أعلن إجراءات استثنائية في يوليو الماضي تضمنت تعطيل عمل البرلمان وعزل رئيس الحكومة، وبات يحكم من خلال المراسيم الرئاسية، ضمن خططه لإعادة هيكلة السياسة التونسية التي تواجه رياحًا معاكسة من جرّاء ما تشهده البلاد من أزمة اقتصادية، وتداعيات قاسية لجائحة كورونا، وفقًا لـ”فرانس برس” و”نيويورك تايمز“.

وقالت “رويترز” في تقرير بتاريخ 3 فبراير 2022، إن الرئيس التونسي لم يفعل ما يكفي لإقناع المانحين الدوليين بخططه منذ تحركاته في يوليو الماضي، موضحة أن المانحين بما فيهم صندوق النقد يريديون من سعيّد تبني عملية سياسية أكثر شمولًا والتوصل إلى اتفاق مع منافسيه الرئيسين، بشأن إصلاحات اقتصادية لا تحظى بالشعبية لخفض الإنفاق والديون، وإنقاذ البلد من انهيار كارثي.

مخاطر ائتمانية وعجز في الميزانية

تأمل تونس الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد في إبريل المقبل، للحصول على التمويل اللازم لإنقاد ماليتها العامة المنهكة، فمن المتوقع أن تسجل ميزانيتها العامة لسنة 2022 عجزًا بنحو 3.2 مليار دولار. وخلال مارس الحالي توقعت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني أن يسجل هذا العجز 8.5% من الناتج المحلي للبلاد هذا العام، ارتفاعًا من 7.8% في 2021.

وتوقعت “فيتش” أن يصل حجم الدين العام إلى 84% من الناتج المحلي الإجمالي في 2022، وقالت إنها قررت خفض تصنيف تونس السيادي من -B إلى CCC مع آفاق سلبية، موضحة أن هذا الخفض يعكس ازدياد مخاطر السيولة المالية الخارجية، في ظل تأخر التوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي.

تونس قد تتخلف عن سداد ديونها

تصنيف “فيتش” لتونس عند CCC يشير إلى أن السندات التونسية تنطوي على مخاطر ائتمانية قد تصل إلى حد التخلف عن السداد، وفي 21 مارس الحالي حذر بنك “مورجان ستانلي” الأمريكي من احتمالية تخلف تونس عن سداد ديونها خلال العام المقبل.

وقال “مورجان ستانلي”: في سيناريو يستمر فيه المعدل الحالي لتدهور المالية العامة في تونس، من المحتمل أن تتخلف عن سداد ديونها في 2023، ما لم تتوصل سريعًا إلى اتفاق مع صندوق النقد وتجري خفضًا كبيرًا في الإنفاق.

ربما يعجبك أيضا