جاسيندا أرديرن.. سياسية من طراز رفيع تسحر العالم

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

جاسيندا أرديرن رئيسة الوزراء النيوزيلندية.. سيدة تصدرت عناوين الصحف العالمية والعربية على السواء، ولفتت أنظار شعوب العالم بموافقها، التي تجلت خلال الأسبوع المنصرم بعد هجوم كرايست تشيرش الإرهابي الذي أوقع ما لا يقل عن 50 قتيلا.. أمس قدمت درسا في إدارة الأزمات فظهرت وسط الجموع التي احتشدت لتأبين ضحايا الهجوم، وخطبت فيهم مستشهدة بحديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم يدعو للوحدة والتضامن.

من اللحظة الأولى للهجوم تعاملت أرديرن 38 عاما مع أهالي الضحايا على أنهم جزء من نيوزيلندا بصرف النظر عن ديانتهم أو هويتهم كلاجئين أو مواطنين، فقدمت نموذجا لـ”القيادة الحكيمة” و”الزعامة الحقيقية” كما وصفتها الصحافة العالمية، قالت أرديرن -في خطابها المقتضب أمس، وعقب استشهادها بحديث “مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى”- نيوزيلندا في حداد معكم، نحن واحد.

بين التعاطف والحزم

نحن واحد.. لم تكن كلمة قالتها فحسب، بل ترجمتها لأفعال من خلال المواقف التي اتخذتها سريعا للتعامل مع الهجوم، فمنذ اليوم الأول الجمعة قبل الماضية وصفته بالهجوم، وفي اليوم التالي قالت: بات من الواضح لدينا أنه يمكن وصف ذلك الهجوم بأنه إرهابي، ثم ظهرت وهي ترتدي الحجاب أثناء تقديم التعازي لأهالي الضحايا، للتأكيد على أنهم جزء من البلاد وأن مصابهم مصاب لنيوزيلندا ككل، هذا على الرغم من أن المسلمين يمثلون ما يزيد قليلا عن 1% من الشعب النيوزيلندي.

ثم أظهرت الوجه الحازم من شخصيتها حينما وجهت بتعديل قوانين حيازة السلاح -الإثنين الماضي خلال اجتماع طارئ لحكومتها- وحينما خطبت تحت قبة البرلمان الثلاثاء الماضي، طالبت الجميع بتجاهل اسم منفذ العملية لتحقيره قائلة: لقد سعى منفذ الهجوم لتحقيق أمور كثيرة من عمله الإرهابي، منها الشهرة، ولهذا لن تسمعوني أبداً أذكر اسمه، أناشدكم أن تتذكروا أسماء ضحايا الهجوم بدلاً من اسم منفذه، إنه إرهابي، مجرم، متطرف، لكني لن أُسميه أبدا عندما أتحدث عن الهجوم”.

مع حلول صباح الخميس، أعلنت موافقة حكومتها على تعديل القوانين المتعلقة بحيازة الأسلحة، لتصبح أكثر تشددا لاسيما فيما يتعلق بالأسلحة الآلية.

في أكثر من مناسبة، رفضت أرديرن الحديث عن الهجوم على أنه استهداف للمسلمين وحدهم، مشددة على أنه استهداف لجميع النيوزيلنديين، وعلى وحدة الأمة النيوزيلندية في وجه هذا الهجوم الإرهابي.

أمس وبناء على توجيهاتها، وقف الشعب النيوزيلندي دقيقتي حداد على الضحايا، واحتشد نحو 20 ألف شخص في متنزه هاجلي أمام مسجد النور، للمشاركة في تأبين الضحايا وشهود أول صلاة جمعة بعد الهجوم، كما تم بث أذان صلاة الجمعة على التلفزيون والإذاعة الوطنية للمرة الأولى، وتردد صوت الأذان في أنحاء نيوزيلندا، وخصصت الصحف المحلية صفحاتها الأولى لدعوات الحداد الوطني وتأبين الضحايا، هذا فضلا عن توفير حراسة أمنية مشددة للمساجد.

كما شهدت شوارع نيوزيلندا، أمس، استجابة واسعة لدعوة “حجاب من أجل التناغم” التي أطلقتها طبيبة من أوكلاند لارتداء الحجاب للتضامن مع المسلمات والتأكيد على أنهن جزء من المجتمع النيوزيلندي.

من هي جاسيندا أرديرن؟

لم تكن هذه المرة الأولى التي تتصدر فيها أرديرن شاشات المحطات العالمية والصفحات الأولى للصحف، ففي أغسطس الماضي أثارت جدلا واسعا، حينما عادت لعملها برئاسة الوزراء بعد إجازة وضع استغرقت ستة أسابيع فقط، ودخلت التاريخ حينما اصطحبت رضيعها ذا الأشهر الأربعة إلى قاعة الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في مشهد لا زال حاضرا في ذاكرة الجميع.

أرديرن تعد أصغر رئيسة حكومة في بلادها منذ 150 عاما، وثالث سيدة تتولى هذا المنصب، وتصف نفسها على الدوام بأنها ديمقراطية اجتماعية وتقدمية، ولدت أرديرن في هاميلتون عام 1980، وحصلت على بكالوريوس السياسة والعلاقات العامة من جامعة ويكاتو عام 2001، ثم عملت باحثة في مكتب رئيسة الوزراء السابقة هيلين كلارك، فمستشارة سياسات لدى رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، كما عملت ضمن فريق مسؤول عن تقييم شرطة وويلز وإنجلترا.

بدأت العمل السياسي مبكرا، حيث أنضمت إلى حزب العمال وهي في سن الـ17 عاما، وسريعا ما لمع اسمها في قطاع العمل الشبابي بالحزب، وأصبحت نائبة بالبرلمان منذ 2008، وفي مارس 2017 أصبحت نائبة لرئيس الحزب، وفي أغسطس من نفس العام تولت الرئاسة، وبعد سبعة أسابيع فقط وصلت لمنصب رئيسة الوزراء، إثر فوز حزبها بالانتخابات بعد غياب لأكثر من 10 سنوات عن السلطة.

اشتهرت بموافقها المناصرة للمرأة، وللفقراء، وحقوق الأطفال، والتصدي لتغير المناخ، وزيادة الحد الأدنى للأجور، كما تطالب قادة العالم بتبني سياسات محلية أكثر تعاطفا ونبذ سياسات الحمائية التجارية والعزلة.

ربما يعجبك أيضا