حجز مقعد.. لماذا تسعى الهند نحو تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط؟

ترجمات رؤية

ترجمة بواسطة – شهاب ممدوح

تحتفظ الهند بتاريخ طويل من العلاقات مع بلدان الشرق الأوسط، أكثر من أي قوة عظمى قائمة أو ناشئة في الوقت الراهن. إذ استقرّ التجّار العرب في الساحل الشرقي للهند. كما بُني أول جامع في العالم في “كيرالا” عام 629 ميلادية. وشهد حكم المغول دخول الإسلام للهند على نطاق واسع. مع ذلك، ركّزت العلاقات بين الهند وبلدان الشرق الاوسط، أثناء فترة الاستقلال وفي المراحل التالية، على الجانب الاقتصادي.

لقد تحدّدت ملامح العلاقات السياسية بين الطرفين إلى حد كبير بتحالفات الحرب والعداء مع باكستان. ربما شهدت علاقات الطرفين المزيد من التراجع أثناء عهد حكومة “التحالف التقدمي الموحّد”، لكن وتيرة العلاقات زادت منذ قدوم رئيس الوزراء “مودي” للحكم.

لماذ تعتبر العلاقات بين الطرفين مهمة؟
بلغ حجم التجارة مع دول مجلس التعاون الخليجي 137،7 مليار دولار في العام 2014-2015، بعد أن كان حجمها يبلغ 5،5 مليار دولار في عام 2001. بحلول عام 2015، باتت كل من الهند والصين أهم شريكين في مجال التجارة والاستثمار لدول مجلس التعاون الخليجي. تشكل تجارة الأيدي العاملة جزءً مهمًا من هذه العلاقات، إذ يعمل ملايين الهنود في المنطقة. لقد بلغ حجم الأموال التي أرسلها الهنود العاملون في دول مجلس التعاون الخليجي نحو 35،9 مليار دولار في العام 2015-2016.

كرّس رئيس الوزراء “مودي” في السنوات الأخيرة المزيد من الوقت والاهتمام لبناء علاقات داخل الشرق الأوسط. على سبيل المثال، زار “مودي” في أغسطس 2015 دولة الإمارات العربية. اعتُبرت تلك الزيارة بأنها تاريخية، لأنها “تعتبر الزيارة الأولى التي يجريها زعيم هندي للإمارات منذ 34 عامًا، ولأنها أول زيارة رسمية ل “مودي” لبلد في الشرق الأوسط”.

لقد برزت في السنوات الأخيرة العديد من العوامل التي رفعت من رهانات الهند الاستراتيجية، وجعلتها تحتفظ بعلاقات جيدة من دول الشرق الأوسط. أولاً، هناك توقعات متزايدة وسط صنّاع القرار بأن الهند ستصبح في نهاية المطاف قوة عالمية استراتيجية، ولهذا فإن الركائز الحالية التي تقوم عليها علاقات الهند مع دول الخليج، مثل تجارة الطاقة، باتت تحظى بأهمية إستراتيجية أكبر. ونظرًا إلى أهمية النفط البالغة بالنسبة للقوة العسكرية، بات اعتماد الهند المتزايد بالفعل على موارد الطاقة في الشرق الأوسط يكتسي بُعدًا إستراتيجيًا أكبر. لقد ارتفعت واردت الهند النفطية الصافية من 42 بالمائة في عام 1990 لتبلغ نحو 71 بالمائة عام 2012. كما استوردت الهند في عام 2016 ما يزيد على نصف حاجتها من النفط والغاز من منطقة الخليج. أثناء زيارة رئيس الوزراء  الهندي “ناريندرا مودي” للسعودية، اتفق الطرفان على تحويل علاقة البائع-المشتري بينهما، إلى شراكة استراتيجية أوسع نطاقا. لقد ربط البيان المشترك الذي صدر أثناء الزيارة بوضوح بين توسيع العلاقات التجارية وبين تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

مخاوف وفرص
تفرض المقتضيات الأمنية المتزايدة على الهند حماية نفسها-والمحيط الهندي أيضا- من جيرانها. أظهر استطلاع للرأي أُجري في عام 2013، أن 94 بالمائة من الهنود يعتقدون أن بلدهم ينبغي أن تمتلك أقوى أسطول بحري في المحيط الهندي. تعتبر علاقات الهند الأمنية مع دول الشرق الأوسط عنصرًا مهمًا لتحقيق هذا الأمر. إن تجارة الهند الدولية النامية، تزيد من أهمية مسألة حماية الممرات البحرية في الشرق الأوسط. لقد شدّدت حكومات حزبي “المؤتمر” و “بهارتيا جاناتا” على أهمية الترابط الإستراتيجي بين الشرق الأوسط وجنوب آسيا. تذكر العقيدة البحرية الهندية في عام 2009، أن منطقتي الخليج وبحر العرب حيويتان للمصالح الهندية.

يشعر صنّاع القرار الهنود أيضا بالقلق من تزايد حالة عدم الاستقرار وهشاشة الدول في الشرق الأوسط، وهو ما يهدد واردات الطاقة والجالية الهندية في المنطقة. إن عجز الهند عن التأثير على الأوضاع الجيوسياسية في الشرق الأوسط في الماضي، بالإضافة إلى نقص وجودها الأمني هناك، أدى إلى قيام الهند بعمليات إجلاء مكلّفة لرعاياها. من بينها أكبر عملية إجلاء في التاريخ، عندما جرى نقل 200 ألف هندي بالطائرات لخارج الكويت أثناء حرب الخليج.

 تزايد تعدد الأقطاب في الشرق الأوسط، مع تراجع النفوذ الامريكي، يتيح حيّزا أكبر للأخرين. حاولت الولايات المتحدة الأمريكية، أثناء عهد باراك أوباما، أن تتحول بعيدًا عن منطقة الشرق الأوسط. حتى سياسة الرئيس دونالد ترمب تجاه سوريا ترتكز على مبدأ عدم التدخل. سمح هذا الوضع للقوى غير الغربية بتكثيف حضورها الجيوسياسي. تستخدم روسيا دورها في سوريا كورقة مساومة في علاقتها مع الدول الحليفة للغرب مثل دول الخليج. وبالمثل، تترجم الصين علاقتها الاقتصادية الضخمة إلى علاقات إستراتيجية. إذ وقّعت اتفاقيات أمنية مع السعودية، فضلاً عن توفيرها لحماية دبلوماسية لدول منافسة مثل إيران. تعتبر بكين الشرق الأوسط جزءًا من طرق التجارة التي تسعى لتأمينها من شرق آسيا إلى إفريقيا وأوربا. تزيد كل هذه العوامل من أهمية الشرق الأوسط الإستراتيجية للهند.

ردًا على تلك العوامل الناشئة التي تهدد بإخضاع وسحق نفوذ الهند وأمنها، قامت الهند بزيادة نشاطها بصورة هائلة. إذ وقّع رئيس الوزراء “مودي” في السنوات الأخيرة مجموعة كبيرة من الاتفاقيات الثنائية مع دول الشرق الأوسط تحت شعار “التفكير غربًا”. وقّعت الهند اتفاقات أمنية ودفاعية مع السعودية والإمارات وعُمان وإسرائيل وإيران وقطر.

مكاسب الهند من الاتفاقيات الحالية
منذ انتخاب السيد “مودي” رئيسًا للوزراء، أجرى وزير الداخلية “راجناث سينج” ووزيرة الخارجية “سوراج” زيارة إلى إسرائيل لتعزيز العلاقات الثنائية بين الهند وإسرائيل. كما قابل رئيس الوزراء أيضا نظيره الإسرائيلي “بنجامين نتنياهو” على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر 2017، حيث جرى نقاش إمكانية زيارة “مودي” لإسرائيل.

تشير كل هذه التطورات إلى حقيقة أن الهند حريصة على تطوير العلاقات الثنائية مع إسرائيل، ما يؤكد على أهمية هذا البلد الإستراتيجية للهند. تفيد التقارير ان التبادل التجاري بين الهند وإسرائيل قد بلغ نحو ستة مليارات دولار. كما يجري مناقشة توقيع اتفاق للتجارة الحرة يمكن أن يعزز التجارة بين البلدين. أما فيما يتعلق بالتعاون في مجال الدفاع، فإن البلدين يواجهان تهديدات من الإرهاب، وقد وقّع البلدان اتفاقات متعلقة بالأمن الداخلي. تعتبر الهند أكبر مشترٍ للمعدات الدفاعية الإسرائيلية. بالتالي، تظهر العقود الحالية بين البلدين بوضوح أن مكاسب الهند تتمثل في التدفق غير المنقطع للأسلحة والطاقة. مع ذلك، فإن هذا الارتفاع في مستوى العلاقات بين الهند وإسرائيل، لم يُحدث تغييرات كبيرة في سياسة الهند الخارجية، باستثناء تقارير بشأن موقف الهند من فلسطين. في الواقع، تواصل الهند بناء علاقات مع إيران، التي تعتبر عدوًا لإسرائيل.

ربما تسببت علاقات الهند مع إيران في حدوث عثرات في علاقات الهند مع إسرائيل، لكن نظرًا لبروز الهند بوصفها قوة اقتصادية صاعدة، فبإمكانها التعامل مع الدول الأخرى وفقا لشروطها هي. وقّعت الهند وإيران في السابع عشر من فبراير 2018 تسعة اتفاقيات، عقب المحادثات “الجوهرية” التي أجراها رئيس الوزراء “نرندرا مودي” مع الرئيس الإيراني “حسن روحاني” بهدف تعزيز التعاون. لقد غطّت الاتفاقيات التسعة المهمة الموقّعة مجالات الأمن والتجارة والطاقة، كما ناقش الزعيمان التطورات الإقليمية أثناء اللقاء.

وافق مجلس الوزراء في شهر أكتوبر العام الماضي على خطة الهند الاستثمارية لبناء ميناء “شاباهار” في إيران. ستسفيد الهند الكثير من هذا التطور، إذ يمكن أن يوفّر الميناء نقطة عبور مهمة للهند إلى أفغانستان. كما ان الميناء يقع في مكان استراتيجي، على بعد 70 كيلومتر فقط من ميناء “جاوادر” الذي جرى تطويره على نحو مشترك بين الصين وباكستان في وقت مبكر من شهر ديسمبر 2014. التقى السفير الإيراني في الهند، غلام رضا انصاري، وزير الحديد والمناجم “ناريندرا سينج تومار” وتباحث معه بشأن تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين. لو خفّف الغرب من العقوبات المفروضة على إيران في المستقبل- بناءً على نجاح المحادثات الخاصة بقضية البرنامج النووي الإيراني- حينها يمكن للهند أن تزيد من وارداتها النفطية من هذه الدولة العضوة في منظمة “أوبك” للدول المصدّرة للنفط. يشير كل هذا إلى أن الهند نجحت في عمل توازن فيما يتعلق بتعزيز علاقاتها الثنائية مع إيران وإسرائيل في آن واحد. يمثل البلدان أهمية إستراتيجية كبيرة للهند، اقتصاديًا وجيوسياسيًا، ومع استعداد هذين البلدين للتعامل مع الهند، فإن الأمر يعود للأخيرة لرفع مستوى العلاقات معهما.  
تعزيز العلاقات بين الهند والإمارات

إن دعوة المملكة السعودية للهند كضيف شرف في مهرجان “الجنادرية” الوطني للإرث والثقافة في العام الماضي، يحمل رمزية دبلوماسية كبيرة، إذ تظهر تلك الدعوة بكل تأكيد الأهمية المتزايدة للهند بالنسبة للمملكة السعودية. بعد ذلك، من المرجّح أن يزور الملك سلمان الهند في وقت متأخر من هذا العام، وهي مناسبة نادرة حيث لا يُجري الملك السعودي عادة زيارات خارجية كثيرة. لقد أنشأت السعودية مبنى جديد لسفارتها في نيودلهي، وهو الأكبر من نوعه في الهند. من المهم بمكان الإشارة إلى ان الهند والسعودية يعيدان إحياء علاقتهما الثنائية في العام 2018، الذي يصادف الذكرى السبعين لإقامة علاقات دبلوماسية بينهما. إن العلاقات الهندية-السعودية، التي بقت لعقود محصورة بصورة كبيرة في مجال الطاقة، يجري الآن تطويرها وتحويلها لتصبح علاقات متعددة الأبعاد. بالتالي، فإن ارتفاع مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية والأمنية بين السعودية و الهند، سيعني تراجع ثقل باكستان لدى السعوديين. لكن هذا مجرد استنتاج منطقي. فعلى المرء أن ينتظر ويرى ما إذا كانت “نيودلهي” ستحصل على هذه المنافع في المستقبل القريب.

قررت الهند والإمارات في الخامس والعشرين من شهر يناير في العام الماضي توسيع تعاونهما الثنائي في قطاعات، من بينها الدفاع والطاقة. إذ وقّع البلدان على ما مجموعه 14 مذكرة تفاهم.

تهدف مذكرة التفاهم الخاصة بمجال الدفاع إلى تأسيس تعاون في مجالات الدفاع والتصنيع والتكنولوجيا، بطرق من بينها الدراسات والأبحاث والتطوير والابتكار والتعاون بين المؤسسات العامة والخاصة في البلدين. وقّع البلدان اتفاقًا بشأن تخزين وإدارة النفط بين شركة “الاحتياطيات البترولية الإستراتيجية” الهندية المحدودة وشركة “بترول أبو ظبي الوطنية” . يهدف الاتفاق لتأسيس إطار عمل تقوم بموجبه شركة “بترول أبو ظبي الوطنية” بتخزين النفط الخام في الهند، ولتعزيز العلاقة الاستراتيجية بين البلدين في مجال الطاقة.

كما وقّع البلدان أيضا على مذكرة تفاهم بشأن الإجراءات التصحيحية التجارية، ومذكرة أخرى لتعزيز العلاقات التجارية البحرية الثنائية. ويهدف هذا لتعزيزالتعاون في مجال مكافحة الإغراق والرسوم التعويضية، عبر تبادل المعلومات، وبناء القدرات، وعقد حلقات دراسية وتدريبية حول الشواغل المتبادلة في مجال التجارة، وتسهيل النقل البحري، وحرية تحويل الأموال بين الأطراف المتعاقدة، والاعتراف المتبادل بوثائق السفن.  

ترجمة – شهاب ممدوح

للإطلاع على الموضوع الأصلي .. اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا